أسامة حمامة
أسامة حمامة

د

إن مع العسر يسراً

وقفت هناك تحت المطر، أشاهدها وهي تبتعد شيئاً فشيئاً، ليلتهمها الضباب الكثيف الذي حل مُعلناً قدوم فصل الشتاء، وبداية فصل آخر من المعاناة.
ما زلت لا أصدق أن المرأة التي أنجبت معها ثلاثة أبناء قررت الانفصال بعد سبع سنوات من الزواج، لم تستطع الصبر على معيشة ضنك قررنا تخطيها معاً، بعد أن أجهز البنك على كل ما نملك.
تراكمت ديون كثيرة على عمي رحمه الله، لم يمهلنا البنك تسديدها بعد انقضاء الأجل المحدد، فسُلبنا المنزل والمتجر، لأجد نفسي ومعي زوجتي وابني نفترش الشارع.
لم نهُن لما أصابنا، كان لدي رصيد مالي لا بأس به استعملت جزءاً منه لكراء شقة صغيرة، واستثمرت الباقي في شراء سلعة موسمية كنت أبيعها في الهواء الطلق، لأن ذلك سيعفيني من أداء ضرائب المحل التي ما كانت لي القدرة على تحملها
المداخيل كانت متذبذة، كنت أعود خالي الوفاض أحياناً، فأُضطر لاستبدال بعض ما أبيع بمواد غذائية أحملها للمنزل مساء. بعد سنة رزقنا بطفلنا الثاني، كان هزيلاً جداً، ولم أستطع تحمل نفقات علاجه، فزيارة واحدة للطبيب كانت تستنزف ما أجنيه خلال يومين من العمل.

انفطر قلب زوجتي عند موته، لم يتجاوز عمره التسعة أشهر، لكن ذلك لم يثني من عزيمتها على الإنجاب، لأنها تريد لابننا أن يحس بطعم الأخوة.
مرت سنتان أو أكثر، وجاء مولود جديد لينشر البهجة في العائلة، ما زلت أتذكر بكاء زوجتي فرحاً بعد ألم طويل لفراق “عثمان” رحمه الله.

تذكرت القصة بحسرة، والبلل قد أصاب ملابسي حتى أخمص قدمي، هرولت، ثم جريت مسرعاً، لا لأحتمي من ذلك المطر الذي عصف بأحلامي و جرفها بعيداً، بل لأواجهه و أحمي أكبرها من الضياع.
أمسكت بيدها وهي مقبلة على ركوب سيارة أجرة، استدارت، نظرت إلي بعينين دامعتين، لم تفلت يدي ولم تنبس بشفة، ضممتها إلي بشدة، وهمست في أذنها: “فلنذهب إلى المنزل، إن مع العسر يسراً”.
قبلت جبينها، ومشينا الهوينا تحت المطر، عله يسقي مشاعرنا الذابلة، ويأتي بقوس قزح يلون حياتنا من جديد.

إن مع العسر يسراً – قصة قصيرة