وسام سعيد
وسام سعيد

د

مأساة أن تكون آخر العنقود

آخر العنقود، أصغر فرد في العائلة ومدللها، غالباً ما يحمل جوازاً دبلوماسياً في البيت يتجاوز به كافة الخطوط، كما يحظى بحق الفيتو، فيكفي صوته ضد الإخوة الأكبر سناً لتسقط كل الآراء.

 كما أن  دوي صوته فقط يكفي، لتنسى حلاوة مشاهدة مسلسلك المفضل، وتسلم الراية له، سواء ريموت التلفزيون أو الهاتف.

لكن هل خطر يوماً لك أن كل هذه المنح، هي تعويض عن مأساة أن تكون آخر العنقود؟

بداية التفكك..

يعاصر آخر العنقود مرحلة الانهيار في عائلته بكل تفاصيلها، والتي تبدأ بزواج الأخ البكر، لتنبثق أول عائلة فتية من عائلته، والتي غالباً ما تستقل عن العائلة الكبيرة.

ورغم أجواء الفرح والسعادة، إلا أن هناك غصة أصعب من أن لا تلاحظ، فأن تنقص العائلة فرداً، هو بالطبع شعور محزن، حتى لو فرحت من أجله.

شهور معدودة بعدها، ويأتي أول الأحفاد، ليخطف منه ولأول مرة كل الأضواء، ف ”أعز من الولد ولد الولد”  فيغدو آخر العنقود فرداً مهمشاً، كما لم يكن في حياته.

وحتى وإن استعاد الوالدين رشدهما، فإن جرح آخر العنقود أبدا لن يشفى.

ما بعد التفكك الأول..

يكون بعد زواج الولد الثاني ومغادرة فرد آخر، وانبثاق العائلة الثانية، فينطلق السباق رسمياً بين العائلتين الفتيتين.

حيث يبرز كل منهما مهاراته في التقرب للعائلة الكبيرة، والتفنن في رمي حبال الود، وفيما يغدو كل من الإخوة المتزوجون يرون أن بيتهم القديم هو البيت الكبير.

يبقى آخر العنقود محافظاً على التقاليد، ويحاول استحضار الماضي كلما تجمعت العائلة. لكن من دون فائدة، فالإخوة الآن سعيدون باكتشاف نصفهم الثاني، وعيش تفاصيل حياتهم الجديدة.

مرحلة الإنهيار..

وتبدأ بقدوم الحفيد الثالث، وتظهر جلياً عند زواج الأخ الثالث إن وجد، فيتغير اسم البيت إلى البيت الكبير مهما كان حجمه، حيث يسكن الجد والجدة.

 وهو نفسه البيت الذي يعيث الأحفاد فيه فساداً كلما حضروا، وقد أعطو نفس الجواز الدبلوماسي الذي حمله آخر العنقود يوماً ما، لكنه اليوم بجهات وصية أكبر عليه.

فلا يكفي السيطرة على الجد والجدة، بل يجب أن تسيطر على الوالدين أيضاً، فالطفل قد حضر للبيت الكبير حتى يلعب ثم يعود لبيته هادئاً.

وفيما يتغير مفهوم العائلة عند الإخوة، ليرادف شريك الحياة والأطفال، يبقى عند آخر العنقود يتكون من العائلة القديمة بإخوته نفسهم.

مرحلة الألم

لا  يكفي آخر العنقود أن تهمش حياته منذ أن تزوج أول فرد في العائلة، لينصرف الكل عن الاهتمام بمراحل حياته.

فيعيش أفراحه لأول مرة وحده، فقد سبق للكل أن جربها، كما يعيش ألمه وحده، فالكل قد كبر وأدرك أن الأمر لا يستحق.

ها هو الآن يعيش أقسى مرحلة: أن يهرم والداه وهو مازال فتياً، فيعايش مرضهما، ويتألم عند كل آهة من آهاتهما.

ويعايش عجزهما، ويعجز معهم عندما يعجز عن المساعدة، فلا باستطاعته أن يهبهما رجلان يحملانهما، ولا عقلاً يميزان به.

ولا باستطاعته مغادرتهما، والخوف كل الخوف أن يغادره أحدهما أو كلاهما، ليشهد بنفسه على موت عائلته وأحياناً قبل حتى أن يؤسس عائلته الخاصة.

فرفقا بآخر العنقود، فسيحمل ما لا تستطيعون حمله، وستقص من حياته أحداثاً ستعايشونها بكل تفاصيلها، دعوه يجلس أمام السائق، ويتفرج على قناته المفضلة متى يريد، ويذهب مع أمه لزيارة بيت خالته، فتلك الذكريات فقط  ما ستواسيه مستقبلاً..