هيثم عمر
هيثم عمر

د

ذلك هو البطل!

ذلك الكائن الذي يُخلَقُ فكرةً بين خلايا وخربشات الكاتب، ينمو شيئًا فشيئًا بين ثنايا الأوراق ودفات الكتب، يرعاه الكاتب بفكره ويخط مصيره بقلمه. يقع في نفوسنا موقعًا عظيمًا ويُصيُّرُ شرطًا لا غنى عنه في أحلامنا، حتى أنها لا تقوم لها قائمةٌ دون حضوره وتجليه في شخصك بأفعاله وأقواله. لا يغادرنا إلا وقد مللنا الانغماس في عالمه وبغضنا تفوقه علينا في الصفات والأفعال!

لا مكان للمستحيل في قاموسه ولا سقف لطموحه، يسعى نحو السلم والخير، يغيث الملهوف ويواجه الشر. دائمًا ما يكون محط الأنظار وهدف الأعداء، ومقصد دعاء الضعيف.

شخصيته مصقولة عبر سنوات طوال من العذاب والظلم تلد شخصًا محبًا للخير كارهًا للظالم وفعله، أو جنديًا يقدس تراب بلاده. نشهد تطوره ونشأته لحظةً بلحظة بين صفوف الكلمات ونخط مستقبله في أحلامنا.

ذلك هو البطل! الكائن الذي لا تخلوا الحكايات من ذكر مناقبه وأفعاله وتصويره على أنه الكائن المثالي في عالم اللامثالية – وهل لها أن تكون حكايةً دون وجوده!-

فتارةً يكون كائنًا خارقًا يفوق الجنس البشري بصفاته الجسدية وقدراته، وتارةً يكون القائد الفذ والمخطط البارع، أو الجندي الشجاع، أو الفقير الكريم، أو حتى منشقًا عن الشر وأعوانه. لا يخلو التاريخ ولا تجف ألسنة المؤرخين دون ذكر أقواله وأفعاله التي كان لها عظيم التأثير في الحاضر والمستقبل القريب والبعيد.

ولعل أشد ما دفعني للحديث عن “البطل” هو كونه –  كما تصوره أقلام الكتاب – سرابًا لا تمسه السيوف ولا تنهش الطلقات جسده، لكنها تكتفي بنهب أرواح أعوانه وأعدائه، كأن الموت لا يراه ولا يشعر بأنفاسه الساخنة. إذا لوح بسيفه قطعت الأعناق، وإذا أطلق رصاصته أصابت الرأس والقلب قاتلةً لا محالة. أما إذا حرك قبضته خرت الأجساد يمنة ويسرة على الأرض لا روح فيها. وحين ينطق تهتز القلوب لقوله وتتعظ النفوس والأرواح.

ألا يستثير ذلك في نفسك شيئًا؟! ألا يدفعك ذلك لإنكار كون الروايات والأفلام نقلًا صادقًا للواقع؟! كم بطلًا بيننا كما تصوره أقلام الكتاب والحالمين؟! بل كم شعرت بالضعف وتمنيت أن تكون ذلك الكائن؟!

كل ذلك في كفة، ولحظات الغرام والهيام المفاجئ في كفة أخرى. فذلك الكائن الذي أقسم على بذل روحه ودمه في سبيل قضيته، والذي نأى بنفسه جانبًا عن متاع الدنيا وخرج مقسمًا على أن تكون نهاية حكايته الانتصار أو الموت في سبيل نيله، يقع –وفي خضم ذلك كله– في الحب! دون أي مقدمات! يقع في حب فتاة أقسمت هي الأخرى على الموت أو النصر… أيعقل ذلك!

أدرك أن الأفلام والروايات نتاج خيال الكاتب، وأنها لا تعدو أن تكون حبرًا تناثر على الورق، وأن القول بأنها تصور الواقع هو كذب، فلا تخلو الحكاية من أن تكون مزيجًا من خيال وأحلام وأفعال الكاتب إضافةً إلى قصاصات من واقع مرير وماض أليم ومستقبلٍ مجهول نثرت على الورق. إلا أن الأمر قد تفاقم حتى عدلت الأقلام عن الهدف من خلقها ووجودها وأصبحت الروايات نقلًا لعالم خيالي لا يغني ولا يسمن من جوع.

فلو سألتك بعد هذا كله، كم بطلًا حقيقيًا تعرف؟ وكم سرابًا علق في أحلامك؟