مدونات أراجيك
مدونات أراجيك

د

المغزى الفلسفي من المنشورات الغرامية على الإنترنت

تدوينة: محمد كريم إبراهيم – محلل وكاتب عراقي

أثناء تصفحك للأنترنت، سوف تتعثر بين حين وآخر على منشورات غرامية وعاطفية يقوم فيها الشخص الناشر بالتعبير عن حبه وعلاقته للآخر. ربما هي ليست ذات نفس الشيوع في عالمنا العربي كما هي موجودة في أوروبا، لكن بالرغم من ذلك ترى مثلاً في موقع الفيسبوك حالات التعبير عن العلاقات العاطفية بأشعار غزلية أو نشر إقتباسات مرتبطة بالعلاقة الحب أو حتى بوضع صور الزواج دون عرض الوجه. يقوم هؤلاء الأشخاص بإبلاغ الناس عن علاقتهم بفتاة أو شاب ما ومدى حبهم لها وله. والسؤال هو لماذا يقوم هؤلاء بتوجيه علاقتهم الغرامية إلى العامة؟ ألا يكفي أن العلاقة حية ومعبرة بينهما؟ لماذا يحتاج الناس أن يعرفوا هذه العلاقة ويوثقوها أو يوافقوا عليها؟ يجيبنا الفيلسوف الألماني فريديريك هيغل على تلك الأسئلة.

هيغل يعد واحداً من أعقد فلاسفة الغرب في التاريخ. حيث يتضمن نظرياته الربط بين عديد من المواضيع البحتة صعبة الفهم، ويشمل كتبه مصطلحات فلسفية غير مألوفة حتى للفلاسفة. وبسبب غموضه وعدم تعريفه للمصطلحات بشكل جلي، أنشق المتابعون له إلى قسمين حسب تفسيرهم لفلسفته: الهيغاليون اليمنيون الذين فسروا فلسفة هيغل كفلسفة ذات طابع ديني وتحفظي. والهيغاليون اليساريون الذين فسروه كنداء للإلحادية وتغييرات ثورية أجتماعية وسياسية.

إلا إن الجميع أتفقوا عندما أتى الأمر لتفسير هيغل لطبيعة الإنسان. قبل الشروع في النظرية، يجب أن نعرف مصطلح الإغتراب أولاً الذي يردده هيغل في فلسفته. كالعادة، لم يضع هيغل تعريفاً محدداً بما يعنيه بكلمة الإغتراب لكن يمكننا إستنباط تلك التعريف بقولنا إن الإغتراب هو حالة شعورية يشعر به الإنسان عندما يخرج من طبيعته، والطبيعة أما يكون موروثة (أي وراثية وجينية كالرغبة في الجنس) أو مألوفة (أي ما تعود عليه العقل كتعوده على رؤية أفراد عائلته). مثلاً أنت تشعر بحالة الإغتراب عندما تذهب إلى مكان غير مألوف (الخروج من الطبيعة المألوفة) أو عند الإنعزال عن المجتمع (الخروج من الطبيعة الأجتماعية الموروثة للإنسان).

لهيغل، يبدأ الإنسان حياته مغترباً خارجاً عن طبيعته، لا يعرف نفسه أو لا يدرك حتى بوجوده، ومن ثم يرجع بتدريج وبمساعدة الآخرين ليكتشف طبيعته ويحدد هويته. ما يريد هيغل أن ينقله هو إن الإنسان فعلاً لا يعلم ما هو عليه حتى ينظر إلى الآخرين، فيرى نفسه من خلال نظراتهم وآراءهم. الآخرون هم مرآة هويتنا، الآخرون هم يحددون وظيفتنا في المجتمع، الآخرون هم يحددون قيمتنا بداخلهم وبالتالي في داخلنا، الآخرون هم نصف الحياة الآخر. فكر في الأمر التالي: هل كنت ستلبس ملابس ملونة ومثيرة لو لم يتواجد حولك الناس (لو كنت في جزيرة وحدك مثلاً)، هل كان للذهب والمجوهرات قيمة لو لم ينظر إليه الآخرون، ما فائدة الجمال لو لم يقدرها الآخرون، سوف نصبح تائهين مشردين في الحياة لولا الآخرون. ثلاث أرباع ما تعرفه اليوم من العلوم والفنون أتى من الآخرين، أما المعاصرون أو السابقون. لذلك، عندما نقع في غرام فتاة أو شاب ما، نريد من المجتمع أن يعترف بوجود هذه العلاقة بيننا، ونريدهم أن يقيموا جودتها، ويفهموا عمقها، ويشهدوا على صدقها، ويوثقوا تفاصيلها، ويميزوا هويتها. لو جردنا تأثير الآخرين على علاقتنا الغرامية، لأصبحت بلا معنى، ولا أساس، ولا حتى ذات وجود. تماماُ مثل الوعي البشري كما ظن هيغل، ينعدم وجوده بإنعدام الآخرين.

يحاول الشخص الذي ينشر مثل هذه المنشورات في مواقع التواصل الأجتماعي أن يثبت حبه في نظر الآخرين. بل ربما يريد أن يجد حبه المتشوه لتلك الفتاة أو الشاب من خلال الآخرين، لإن مرحلة العشق الذي في داخله وداخلها لم يتطور بعد ولم يصل إلى نقطته النهائية ولن يصل حتى يعترف الجماهير به. نحن نحتاج إلى الآخرين لكي نعرف الحب تمام المعرفة.