سامي الذبياني
سامي الذبياني

د

سردٌ تاريخي: الخليفة سليمان بن عبدالملك

كان سليمان من أحسن خلفاء بني أمية، إلا أن خلافته لم تطل، فقد ولي أربع سنين، وكان عهده زاخرًا بالانتقام من الولاة الظلمة، وبشكل خاص ممن أراد عزله وسعى في ذلك كالحجاج وقتيبة بن مسلم، وأيضًا محمد بن القاسم الثقفي، وخالد القسري وغيرهم ممن كان قد أمّرهم الوليد.

وسليمان هذا عُرف بحبه للطعام وللأكل والتفنن فيه حتى قيل أنه أكل في مجلس سبعين رمانة، وخروفا، وست دجاجات، وسطل زبيب طائفي، وهذا لا يقدح فيه مع عدله وجهاده فممن عُرف بكثرة الأكل وعدم الشبع معاوية رضي الله عنه لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم المشهور وكان من خيار الخلفاء.

وسليمان عُرف بنهيهه عن الغناء وله كلام حسن في ذلك ينهى فيه بني أمية عن الغناء ويحذرهم من عواقبه وكان يُعاقب عليه.

ومن حسنات هذا الخليفة أنه ابتدأ خلافته بأمره الناس أن يقيموا الصلوات في أوقاتها وكان من قبله من الخلفاء يؤخرونها عن وقتها حاشا _معاوية_ فلم ينقل ذلك عنه.

ومن حسناته أيضًا أنه: ولى عمر بن عبدالعزيز على الخلافة من بعده وسيأتي تفصيل ذلك وبيانه إن شاء الله.

•••

من الأحداث الهامة التي حصلت في عهده:

أولًا: خروج قتيبة بن مسلم عليه بعد ولايته الخلافة، وكان قتيبة يخشاه لأنه أرسل كتابًا إلى الوليد هو والحجاج فيه تأييد بعزل سليمان واستخلاف أحد ابنائه فلم يتم الأمر، وقضت مشيئة الله أن يكون الأمر لسليمان. وقد خرج على قتيبة الجند لما رأوه من عزمه على الخروج على الخليفة وقتلوه فكانت بذلك نهايته. وبذلك انتهت هذه الفتنة قبل أن تبدأ.. وهذا من تيسير الله وتسهيله لهذا الرجل الخليفة الصالح سليمان بن عبدالملك.

ثانيًا: مقتل عبدالعزيز بن موسى بن نصير فهذا هو ابن القائد موسى بن نصير ولاه أبوه إمارة الاندلس بعد ان رحل أبوة للخليفة وكان معه يستشيره وكذلك حج معه.

أما سبب مقتل عبدالعزيز هذا فغريب جدًا، فقد تزوج امرأة لذريق ملك الأندلس السابق، وطمعت هذه المرأة أن ترى على قائد الأندلس ابهه الملك والحكم فصنعت له تاجًا مرصعا بالجواهر لتُباهي به، فرءاه الجند خلسة فقالوا قد تنصر ولبس التاج من عادات ملوك النصارى فقتلوه فكانت بذلك نهايته، واضطرب من بعده الأمر في الأندلس ولم يستقر له قرار إلا بدخول عبدالرحمن الفاتح الأموي في عهد الدولة العباسية.

•••

ثالثًا: أن سليمان أقسم على فتح القسطنطينيه بعد أن سمع بسباء الروم لامرأة مسلمة (انظر للحروب التي دائمًا تشتعل عند المسلمين بسبب النساء ومع ذلك يأتي من يقول المسلمون لا يولون المرأة أهمية ولا يعطونها حقوقها) فأقسم الخليفة وقال: والله لأغزونهم غزوة أفتح فيها القسطنطينية أو أموت دون ذلك. واستشار مسلمة وموسى بن نصير، فأشارا عليه فأما موسى فقال له: استوطن ما حول القسنطينية من مدن وقلاع ودور وسيسهل عليك فتحها لأنها ستكون محاطة بالمسلمين من جميع الجهات، فتقطع على أهل المدينة الميرة فما يلبثون إلا وقد استسلموا،_ وهذه الإستراتيجية عظيمة جدا في الحروب فبسببها افتتح العثمانيون هذه المدينة التي استعصت على الخلفاء ولو طبقها لنجح المسلمون في افتتاح القسنطينية مبكرًا لكن أقدار الله شائت أن يتأخر الفتح..وأما مسلمة: فقد عارض رأي موسى وقال أن العمل بهذه الخطة سيجعل الأمر يطول والرأي جمع جيش هائل لفتح القسطنطينيه فهي مدينة الروم الأم إذا فتحت فتح ما سواها من المدن، فمال سليمان إلى رأي مسلمة، وكانت النتيجة ما نلخصه لكم فنقول:سار مسلمة بجيش كالبحر يخترق الأرض اختراقًا قوامه ١٢٠ الف في البحر و١٢٠ الف في البر، فحاصر القسنطينية وكان مع مسلمة أسير رومي (اسمه إليون) يتحدث لغة الروم فأرسله مسلمة يفاوضهم فاحتال على المسلمين بأن قال لمسلمة: تحول عن هذه المدينة وسيصالحك أهلها واستوثق منه مسلمة ورأى أنه لا يغدر، فتنحى وكانت حول المدينة مؤن المسلمين من طعام وغير ذلك، فأمر ليون الجنود بسرقة هذا الطعام، فكان هذا سببا في هزيمة المسلمين للأسف وتأخرهم عن فتح هذه المدينة يقول المؤرخون أن الطعام نفد من جيش المسلمرن حتى أكلوا الدواب وأصابهم جوع شديد ولم ينقذهم من ذلك إلا عمر لن عبدالعزيز لما تولى الخلافة ..

فائدة على لسان أحد الجند يقول: جعنا حتى هلك ناس كثير، وكان الرجل يخرج إلى قضاء الحاجة والآخر ينظر إليه، فإذا فرغ أقبل ذاك إلى رجيعه فأكله،وكان الرجل يخرج إلى المخرج فيؤخذ فيذبح ويؤكل. وبهذا نعرف عظيم ما أصاب المسلمين في هذه المعركة ونعرف أهمية التخطيط الصحيح في الحروب.

•••

رابعًا: كان الوليد قد عزل يزيد بن المهلب عن خرسان وتخيل منه بسبب الحجاج فسجنه الحجاج وفر منه إلى الوليد وشفع فيه سليمان بن عبدالملك فعفا عنه الوليد، ولما ولي سليمان جعله أميرًا على العراق، فبذل يزيد كل ما يستطيع ليستعيد مكانته عند الأمويين وساهم في فتوحات عدة كانت بجرجان فغدر أهلها بالمسلمين بعد صلح بينهم فاقسم يزيد على أن يطحن الحبوب من دماء أهل جرجان ويخبز منها ويأكل، فهزمهم وأجرى واديًا بدمائهم (يُقال أنه قتل اثني عشر الف إنسان منهم) وأسال الوادي بدمائهم فعملت بدمائهم المطاحن واختبز يزيد منها وأكل.وهذا من جبروت هذا الرجل وقسوته!

•••

رابعًا: وفاة سليمان بن عبدالملك: كان سليمان بعد أن أرسل جيش مسلمة بدابق يسير خلف الجيش وهذه المنطقة على الحدود مع تركيا وهي بعيدة عن مركز الخلافة دمشق وكان يشرفها فيها على الغزو فمات رحمه الله غازيًا.

وكان قد أقسم أنه لا يبرح حتى يرجع إليه الخبر بفتح القسطنطينية أو يموت قبل ذلك، فمات قبل ذلك، رحمه الله.

قال محمد بن سيرين: يرحم الله سليمان بن عبد الملك، افتتح خلافته بخير، وختمها بخير; افتتحها بإحيائه الصلاة لمواقيتها، وختمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز.

وقال الشافعي: دخل أعرابي على سليمان، فدعاه إلى أكل الفالوذج، وقال له: إن أكلها يزيد في الدماغ. فقال الأعرابي: لو كان هذا صحيحا لكان ينبغي أن يكون رأس أمير المؤمنين مثل رأس البغل.

وقد قيل: إن سبب مرضه كان من أكل أربعمائة بيضة، وسلتين من التين. فالله أعلم.

أكاذيب وأمور لم تصح متعلقة بسليمان بن عبدالملك:

١- أنه نكل بالقائد موسى بن نصير وقتل ابنه أمر لم يصح بدلالة حج موسى مع سليمان واستشارته في ٱخر معركة قضى فيها سليمان نحبه.

٢- أنه انتقم لنفسه من بعض الأمراء ك ٱل الحجاج ومسلم بن قتيبة، لم يكن صحيحًا، بل حاسبهم على جورهم وظلمهم.وأما محمد بن القاسم الثقفي فقد ادعت ابنة أحد ملوك الهند أنه محمدًا راودها عن نفسها!! وكيف يعقل ذلك عند ذي سلطان تقاد بين يديه الأموال والنساء والسباء هو في غنى عن ذلك، ومقتله يكتنفه الغموض وإن صحت هذه الحادثة فسليمان مخطأ في قتله لأن محمدًا لم يرتكب حدًا يوجب عليه القتل، وفي رأيي أن محمد بن القاسم مات بطريق مجهول لم يذكره الإخباريون ولا رواة التاريخ والله أعلم.