ثناء بن شبل
ثناء بن شبل

د

فيلم «Soul».. قصة شغف على حافة الانهيار!

استطاعت شخصية جو غاردنر الشهيرة بفيلم “Soul” أن تمثل نموذجًا عن حياة أي فرد منّا، فهو إما يسقط ويحاول.. وإما جسدٍ بلا روح.. إلا أن في الربع الأخير من الفيلم عرض لنا شريحة ثالثة وهي ماذا يحدُث للشخص عند الوصول إلى الغايات وتحقيق الأهداف؟ عبر هذه المسيرة الذي يخوضها غاردنر جسّد ثلاث مراحل مختلفة الفترات الزمنية وينتهي عندما يدرك جو معنى أن تدب الحياة في روحك باستمرار.

تحصّل جو غاردنر على فرصة عزف على البيانو بفرقة موسيقية، أوقعه حماسه الشديد بحفرة على قارعة الطريق أدخلته في عالم يقال عنه “بين الموت والحياة” وهو الآن مستاء من ذلك المجتمع الغريب، ويريد العودة إلى الأرض مهما كانت التكاليف.

جو قبل التحاقه بالفرقة الموسيقية

مدرس في موسيقى الجاز بإحدى الثانويات.. تحصّل لتوّه على ترقية عمل دوام كامل بمرتب مضمون وتأمين طبي وتقاعد، ثم جاءته فرصة أحلامه في العمل بفرقة الجاز ليصبح عليه الاختيار بين الأمان المادي والحلم.

رحلة جو في محطة افتراضية بين الحياة والموت

هذه المحطة أشبه بأن تعمل في بيئة عمل لاتشبهك ولا توافق مبادئك، فما بالك بأن يكون مصيرك مثل جو بأن تكمل حياتك هنا، جو لا يستحق الحياة لأنه لا يؤمن بنفسه وبقدراته الخارقة يريد أن يستكمل حياته مثلما يفعل الآخرون، لذا تم فصل روحه عن جسده، جسده لا يزال بالأرض ولا يمكنه أن يستعيده حتى يؤمن بنفسه.


جو غاردنر في محطة افتراضية بين الحياة والموت

العودة إلى الحياة لا تعني بأن عملية التبادل الغازي مستمرة برئتيك، النبضات هي مؤشر الحياة..

المشهد الأقرب للحقيقة حين قال موند وند لجو إن كنت تريد العودة إلى الحياة عليك أن تتأمَّل وتشعر، حينها فقط سيعود نبضك، تمالك جو أنفاسه وأغمض عينيه في تأمُّل مستدام ساعده ذلك بعض من موسيقى التي يفضلها – ما يعني ممارسة شغفه – حتى فُتحتْ له أبوابُ الأرض، ولكن في الحقيقة كان جو استغلاليًّا في شعوره كان غرض تأمّله ليس ليعيش؛ بل لأنه يريد الشخص الذي عليه في المكان التي اعتاد عليه، ولكن ما كلُّ بارقةٍ تجودُ بمائها فقد عاد للحياة كهِرّة!!

آههه أعتقد بأن حكمة الطبيعة جعلتنا نرتاد هذا الزي من الإنسانية وأن تسكُنَ أروحنا في أجسادٍ آدمية، ولكن لو أتيحتِ الفرصة لرأينا قطط وحيوانات كثيرة تحوم في الشوارع والأسواق وربما نحن منهم -إن لم نؤمن بأنفسنا-!

عزيزي جو غاردنر قبل أن تتحمس للعودة وتعيش كهِرة بدلًا من أن تكون جسدًا بلا روح قال لك مون وند جملة في غاية العمق، هي أن الأرواحَ الضائعة لا تختلف كثيرًا عن المفعمة بالحياة، الحماس ممتع ولكن حين يصبح ذلك الفرح هوسًا، يصبح المرء منفصلاً عن الحياة! مؤسف ما حصل لجو، فالذي لا يملك روحه ستكون حياته تمامًا مثل جو غاردنر في تلك المحطة..

جو غاردنر يستعيدُ روحَه

حين أُجبر على العودة إلى تلك المحطة -التي بين الحياة والموت- للمرة الثانية، خُيَّل له بأنه سيعيش الكَرة التي كان عليها، بعدها لن يكون باستطاعتَه زيارةَ أمّه بعملها، أو التجوّل بالحي السكني بعد العمل، لا بيانو، لا أضواءَ وجمهور لا لحفلات موسيقية أخرى، لا لموسيقى!

“الموسيقى! من قال موسيقى؟ نعم إنها شرارتي”

للوهلة الذي كادت أن تقتلع روحه من الوجود قبل أن ينطقَ بالموسيقى، شعر بأهمية وجوده.. تأملَها لدقائق، فهو خُلق ليكون موسيقار والموسيقى هي شغفه التي ستعيد إليه روحَهُ، إذًا، يتوجب عليه العودة إلى الأرض حالًا لأن الجمهور بانتظار عزفه، ولكن قبل العودة عليه استعادة روحه، حينها قفز إلى محطة الحياة متمسِّكًا بطوقها، يريد أن يثبت للجميع بأن جسده مقرون بروحه ولايكاد ينفك عنه إنه جو ها هو قادم إلى جسده ليُثبِتَ لهم بأنه يستحق الحياة مرة أخرى وأن إعفائه من العيش ظلم بحق روحه وجسده!

جو لم يعد يرغب بالحياة!

عاد جو للحياة تهانينا حارة لك ياجو، كنتُ على ثقة بأنّك تستحق الحياة، ولكن أيمكنكَ أن تخبرني ماذا حصل بعد أن حققتَ حلمك بعد سنوات طويلة من الصبرِ والكدّ، وبعد أن تحصلت على عضوية بالفرقة الموسيقية؟ هل لازالت الحياة برّاقة ومازالتَ متمسكًا بها كما عاهدتنا آخر مرة؟
أعلم ذلك الشعور بعد بلوغ الحلم غايته، كنتَ تتوقع بأنه سيغشى عليك من السعادة العارمة، ولكن مخطئ من يظن ذلك!
الشعور الذي ينتابنا بعد بلوغ الغايات وتحقيق الإنجازات لن يكون سرمديًا كما ظننا للوهلة الأولى، فلا يوجد حلم كافي لإشباع غاياتنا، ولعل وراء هذه الحكمة هو ألا نكف عن السعي، والخوض في تفاصيل المغامرة، وصناعة روحنا بشكلٍ يليقُ بنا..

” – إذًا ما التالي؟

– نعود مساء الغد ونكرر ذلك مجددًا

– من فيلم Soul

إنّنا نعتاد على ما نملك مع الوقت، فلا نشعر بوجوده وهذا ما حدث لجو حين انتابه شعور الاعتيادية بعد تحصله على عمل دائم في الفرقة الموسيقية، الاعتيادية هي العنصر المكافئ لفقدان الشغف، تبدأ حين نعتاد على ملابسنا وسيارتنا حتى علاقاتنا مع الآخرين، انتهاءً بنسمة الصباح وغروب الشمس، حينها لن يكون للشغف وجود بيننا!  إدراك ما نملكه في اللحظة الحالية هو ولادةٌ جديدة للشغف، الاستمتاع بتفاصيل الرحلة نحو هدف ما أهم من تحقيق الهدف عينه؛ لأن هذا ما نعنيه بأن يعيش المرء كل يوم مع عائلته وأصدقائه وممتلكاته وتفاعله مع محيطه الخارجي هذا النموذج سيشكل معنى استمرارية العيش، بأن نستمر ونسعى ونحقق أحلامنا ونحن نشعر بالرضا، يأتي هذا المفهوم بالتوازي مع سعي جو جاردنر صوب هدفه الذي منعه من إدراك هذه الأشياء المهمة ولهذا هو مستاءُ بأن يستمر ويحاول مجددًا، على أية حال انتهى الفيلم بإدرك غاردنر لذلك مؤخرًا!