إسراء عصام فتحي
إسراء عصام فتحي

د

المجتمع والسلوك الإنساني لأفراده

يعبر السلوك الإنساني عن مجموع الأنشطة التي يقوم بها الفرد خلال حياته اليومية.. و يعتبر المحيط الاجتماعي للإنسان من أهم المؤثرات النفسية و الاجتماعية بالنسبة لسلوك الأشخاص.
بصرف النظر إن كان ذلك التأثير إيجابي أم تأثير سلبي تبعاً للبيئة المحيطة و عوامل تشكيلها، وكيف تنعكس تلك العوامل علي شخصية الفرد و تبلور إنسانيته داخله…

حيث ينشأ الفرد بصورة سوية حين يترعرع في مجتمع و بيئة سوية قائمة على مجموعة من الأسس، المبادى ، المعايير ، احترام القانون و البيئة و إنسانية الأفراد تجاه ذواتهم و تجاه مجتمعهم..
يشب الفرد حينئذ علي ذلك المنهج فيصبح بمثابة نهج مُتبع منذ مهد نشأته.. و هذا هو المتعارف عليه في كثير من دول العالم المتحضر كدول جنوب شرق آسيا و أساليب التربية التي يتبعوها.

بإعتبار التعليم هو النواة الأولى للإصلاح.. و اعتبار التربية القويمة هي البذرة الأولى لصنع الحضارة و تأسيس المجتمعات.
بينما ينعكس التأثير السلبي لدى المجتمع على الأفراد؛ عندما ينشأ الإنسان داخل مجتمع لا يحترم أفراده فيبادلوه نفس الشعور من سخط و تمرد على القواعد و القوانين ، انعدام الإحساس بالأمان داخله و الشعور بالغربة، العدوانية ما بين أفراده وبعضهم البعض.. فتظهر حينها عنصرية التعامل مع الاقليات، الأديان المختلفة و المذاهب داخل الدين الواحد..

حتى يُنشأ الطفل على كراهية من هو مختلف عنه.. و على هذا الأساس تكبر معه نزعة الكره و تتغلغل كل مدى مع كل أسلوب خاطىء و كل فكرة متطرفة يكتسبها مع الوقت.. من هنا أيضاً تظهر أنماط الشخصيات المختلفة؛ الازودواجية ، السيكوباتية و غيرها.. والتي تقوم في مكمنها على التصنيف المستمر، العنصرة،. الأحكام السطحية على غيرها من البشر.. دون فهم واعي منها لأى جديد خارج حدود عقلها المكتسب، أو أي مختلف لكل تشابه نشأت عليه.

و رغماً عن ذلك؛ فهناك حالات كثيرة من نماذج لأفراد نشأت لمحيط اسري سيء و مجتمع أسوأ ولكنها قررت أن تتحدى تلك الإعاقات الفكرية.. حينما طوقتهم الإنسانية برحمتها و احتضن السواء النفسي فطرتهم مُصلحا لذواتهم و مقوماً لها.. وتلك النماذج لم تنشأ من عدم؛ إنما تكونت من وعي الإنسان لما يحدث حوله ، تمرده عليه في حال خطأه أو انتقاله من بيئة لبيئة أخرى ، حتى تتبلور شخصيته مرة أخرى من جديد.. من سىء إلى أفضل..
طرح الباحث (ألبرت باندورا) نظرية يُبني عليها ويستنتج منها كل ما سبق ؛ وهي نظرية (التعلم الاجتماعي)، و توضح هذه النظرية مدى العلاقة ما بين (السلوك الإنساني ، التعلم المجتمعي و التعلم بالملاحظة و المحاكاة الناتجة عن الاحتكاك لأفراد آخرين..

كما أشار (باندورا) إلى مجموعة من المؤثرات و الكثيرات الخارجية المجتمعية و التي تؤثر في السلوك الإنساني المعرفى.. حين يتصرف البشر و ينبع سلوكهم بناءً على التفكير فيما يفعلون وفقاً لاعتقادتهم – توابع الفعل، نتيجته ونظرة الآخر – و التي قد تشكل الكثير منها بناءً على طبيعة المجتمع الذي يعيشوا فيه.
كما أشارت نظرية التعلم الاجتماعي إن تلك المؤثرات لا تؤثر في السلوك الإنساني للفرد فحسب ؛ إنما بشكلاً ما تتحكم أيضاً في مساره الحياتي ومجراه تبعاً لتحكمها في مساره التربوى و المهني علي سبيل المثال.

يعتقد الإنسان إنه حر بشكل مطلق ؛ إلا إنه يتبنى الكثير من الاختيارات المصيرية تبعاً للمنتظر منه تحقيقه من مجتمعه و أسرته… فاختيارات الزواج على سبيل المثال في المجتمعات العربية؛ تلعب خلالها الأسرة محرك رئيسي و عامل أولي لحدوثها وفي اختيار شريك الحياة ذاته أو رفضه.. بالإضافة إلى المسار المهني الذي اشترطه و حدده المجتمع وفقاً لمجموعة من الضوابط، التي صنفت الوظائف إلي وظائف مرموقة و أخري غير ..او المسار التعليمي الذى حصره المجتمع في كليات مرموقة و أخرى عادية. وهي كلها مسارات نابعة أيضاً من العقلية المجتمعية و التي تضع اشتراطات وهمية لأفراد ها، قد لا يكون لها اساس من الصحة أو الصواب في أعين مجتمع آخر… وهذا طبيعة كل مقياس تنتجه الطبيعة البشرية في الحياة العادية خارج قوى العلم.

وبالتالي فالإنسان في هذا الصدد قد بتبني أفعال كثيرة وإن لم تتفق مع قناعاته الداخلية و أفكاره… وذلك لمجرد اتفاقها مع المجتمع وصورته امام الآخر… بل يصل به الأمر إلي تبني مقاييس يصف بها العيب و الحرام ويطبقها علي غيره أو على الأضعف منه من وجهة نظره المشوهة… مما يخلق ازدواجية في المعايير لدى الكثير… في مظهرهم الخارجي المتسق مع معايير المجتمع و ما يخص الوجاهة و الاحترام و القوة و ما بين دواخلهم والتي ربما تكون بعيدة كل البعد عن الاحترام أو حتي الإنسانية.

و مما سبق.. فهناك مسؤولية من الفرد تجاه نفسه من حيث تشكيل وعيه، تصنيف مدى ضعف أو قوة التأثيرات التي يتبعها عقله أثناء اختياراته الخاصة.. هل يختار مساره التعليمي و المهني وفقاً للمجتمع و صورة نفسه تجاه الآخر ؟ أم إنه اختيار بمحض ارادته تحكم به عقله و شغفه ؟
أن يكون صريحاً بما يكفي لمكاشفة ذاته تجاه ما يحمل من معتقدات و افكار، و إن يصوبها في حال استدعى الأمر ذلك.. على المجتمع أيضاً أن يدرك مدى أهمية ما يُشكله من تأثير على إنسانية أفراده… وإن تصبح المؤسسات التربوية، التعليمية، الثقافية و تنشأة الطفل هي المسؤولية الأولى التي يتولاها كل مجتمع إن أراد التغيير بصدق… أن ينشر بين أفراده قيم المواطنة و التعايش مع الآخر، احترام الاختلاف و رفض التمييز، ويساهم في منع كل ما يحول دون تنفيذ ذلك.

أن يُجرم خطابات الكراهية و التعصب الديني التي تتبناها بعض الرموز الغاشمة.. هادمة بذلك إنسانية و قيم الكثير من أفراد المجتمع الواحد، أن يكون القضاء علي كل جاهل وقود لرفعة كل مُصلح ، عالم و مُفكر… حين تصبح الثقافة و العلم بمثابة لقاح يقضي على أمراض كثيرة يحملها الإنسان و لا يشعر بها…