إسراء عصام فتحي
إسراء عصام فتحي

د

السوشيال ميديا وتأثيرها النفسي على الإنسان

الإنسان في كينونتهِ أشبهَ للإسفنجةِ أوْ لقطعةِ المغناطيسِ يؤثرُ ويتأثرُ بكلِ شيءِ منْ حولهِ إيجابيٌ كانَ أمٌ سلبيٍ . . . يجذبَ كلُ ما هوَ محيطٌ بنفسيتهِ ودوائرهِ الخارجيةِ ليتأثرَ داخلهُ وسلوكهُ بهمْ على أثرِ ذلكَ . . السوشيالْ ميديا حاليا ما هيَ سوى إسفنجةٍ كبيرةٍ . . . إسفنجةٌ تبتلعُ الأشخاصَ أوْ تحبسهمْ داخلها . . ليخرجوا منها أشخاصٌ آخرينَ . . . على صفحاتهمْ قناع وفي واقعهمْ قناع آخر . . وآخرونَ يحافظوا على أصالتهمْ البشريةِ ليظلَ وجه واحدٍ فقطْ يحتفظوا بهِ خلفَ الشاشاتِ أوْ داخلَ عالمهمْ الصغيرِ والطيبْ أيضا . . . حتما سيكونُ عالم طيبٍ . .

تأثيرُ السوشيالْ ميديا علي نفسِ الإنسانِ

يعتبرُ الفيسبوكْ والسوشيالْ ميديا عموما باختلافِ أنواعها منْ العواملِ المسببةِ للاكتئابِ في حياةِ الإنسانِ . . . ؛ إلا أنَ هناكَ عاملٌ متغيرٌ يحددُ مسارَ العاملِ المستقلِ وهوَ المستخدمُ ( الإنسانُ ) . . . وهوَ المحتوي والطريقةُ الليَ بيتفاعلْ بيها الإنسانِ معَ المحيطِ ، والتغذيةُ الراجعةُ التي بتحدثٍ نتيجةِ التأثيرِ والتأثرِ . . عنْ طريقِ مدى تحكمهُ في المؤثراتِ التي يستقبلها عقلهُ وشخصهُ باختيارٍ حرٍ ومسؤولٍ منهُ ، وعنْ طريقِ نوعِ نوعِ المحتوى أيضا الذي يقومُ الفردُ بتقديمهِ . . . هلْ يعودُ عليهِ ومنْ حولهِ بالنفعِ أمْ إنهُ مصدرُ هشاشةٍ نفسيةٍ ، طاقةٌ سلبيةٌ أوْ طريقةٍ ممنهجةٍ لتغييرِ عقولِ الأفرادِ ومسارِ المجتمعِ للأسوأ والسيطرة على العقولِ على أثرِ ذلكَ . . أوْ إنهُ محايدٌ متفرجٌ لا يضيفُ ولا يضافُ لهُ . . .

تناولتْ الكثيرَ منْ الأبحاثِ تأثيرَ السوشيالْ ميديا على نفسيةِ الفردِ وتوصلتْ لنتائجَ كانَ مفادها : إنَ موقعَ انستجرامْ يعتبر أسوأَ موقعِ سوشيالْ ميديا على الإنسانِ ويليهُ في ذلكَ موقعُ الفيسبوكْ . . حيثُ أطلقوا عليهمْ مصطلحٌ ( the Thief of Joy ) للأسبابِ التاليةِ :

– يعملَ على الزيادةِ منْ إحساسِ المقارنةِ بالغيرِ طوالَ الوقتِ Social comparison . . وعلى إثرهِ يصبحُ المستخدمُ غيرَ راضي عنْ شكلهِ ، حياتهُ ، محيطهُ وعلاقاتهُ الإنسانيةُ إلخْ . .

– يؤثرَ بشكلٍ مرعبٍ على النومِ والثقةِ بالنفسِ والشعورِ المستمرِ بالوحدةِ والقلقِ . .

– يخلقَ توقعاتٍ غيرَ واقعيةٍ عنْ الحياةِ وعندما لا تحدثُ يكون نصيبهُ الإحباطَ والوحدةَ .

– يجعلَ الشخصُ في حاجةٍ دائمةٍ لاصطناعِ السعادةِ والضحكةِ المزيفةِ . . مما يخلقُ تعاسةً فريدةً منْ نوعها داخلهِ . . . يفقدَ لحظتهُ الحاضرةَ ؛ فتفقدُ لحظتهُ بهجتها . .

الأمرُ الذي يخلقُ بدورهِ ظواهرَ اجتماعيةً أخرى قدْ تكونُ أكثرَ خطورةً على حياةِ الإنسانِ ومسارِ المجتمعِ . . . منْ بينها ظاهرةُ هوسِ عملياتِ التجميلِ عندَ بعضِ النساءِ . . . كسببٍ رئيسيٍ للمعاييرِ التي تضعها المجتمعاتُ كمقياسٍ للجمالِ والتي صاغتها أيضا تلكَ المواقعِ كبروتوكولٍ يسيرُ عليهِ الإنسانُ نتاجَ عمليةِ المقارنةِ طوالَ الوقتِ . . حتى يصبحَ كلُ إنسانِ نسخةٍ مكررةٍ منْ إنسانِ غيرهِ ليسَ لهُ بصمةٌ أوْ انفرادٍ ذاتيٍ يحملهُ داخلَ روحهِ أوْ خارجا في ملامحِ شكلهِ . . . وإنْ اختلفتْ الظروفُ أوْ البيئةِ الاجتماعيةِ .

الأمرُ لمْ يقتصرْ على قياسِ الشكلِ الخارجيِ ومظاهرُ السعادةِ المزيفةِ فحسبَ إنما تطرقَ أيضا لمقارنة النجاحاتِ والإنجازاتِ بعضها ببعضٍ . . عندما يعلنُ عنْ ذلكَ شخصٌ فيقارنُ الآخرُ نفسهَ بهِ . . مما يخلقُ أيضا حالةً منْ عدمِ الرضا عنْ الحياةِ ، إحساسُ الهدرِ والظلمِ ومشاعرِ الحقدِ والكراهيةِ التي تتولدُ لدى البعضِ . . وإنْ لمْ يضعوا في أذهانهمْ اعتباراتٍ كثيرةً أهمها ؛ اختلافُ أهدافِ كلِ إنسانِ واختلافِ مسارهِ . . كمُ الجهدِ المبذولِ منْ قبلُ صاحبِ الإنجازِ ، ظروفهُ المرفهةُ التي ساعدتهُ على ذلكَ أوْ الصعبةِ التي شجعتهُ على الوصولِ وغيرها منْ الاعتباراتِ . .

وكلها حالاتٌ اشتركتْ فيما بينها منْ خلالِ عاملٍ رئيسيٍ وهوَ : طريقةُ وفرقُ الاستخدامِ ، بالإضافةِ إلى وعيِ الإنسانِ في استخدامِ تلكَ المواقعِ . . . في كونَ الشخصُ يتابعُ الآخرُ ليستفادَ منهُ ، يتعلمَ ، يستلهمَ منهُ شيءِ ما . . دونُ مقارنةٍ أوْ ترصدُ ، فيستطيعُ بذلكَ التحسينِ منْ نفسهِ وتطويرُ ما يملكهُ منْ مهاراتٍ ومعارفَ . .

وتلكَ هيَ مسؤوليةُ الإنسانِ تجاهَ نفسهِ وتجاهِ عقلهِ . . . فقوةُ كلِ مجتمعٍ تنبعُ منْ مدى بصيرةِ أفرادهِ ورؤيتهمْ للخطى والإنجازاتِ الكبيرةِ دونَ الانشغالِ بالصغيرةِ منها سارقةَ الوقتِ وصاحبةِ التشوهاتِ والعللِ النفسيةِ التي يملكها البعضُ في داخلهمْ .