فادي عمروش
فادي عمروش

د

قراءة في كتاب: الأطفال ذاتيّو الدفع!

لعلّ من الأمور المهمَّة في الحياة إنشاء جيلٍ يتصدّى لواقعه، ويندفع ذاتيًّا دون الاعتماد دومًا على الآخرين. لقد أظهرَ الطٌّلاب بين عامي 1960 و 2002، تقبّلًا منخفضًا للتحكُّم في مصيرهم، وأظهروا اعتمادًا مُتزايدًا على القوى الخارجيّة التي تتحكَّم فيهم، فأدّى ذلك إلى زيادة مستويات الاكتئاب، والقلق لديهم، وبالتّالي أصبحوا يشعرون بالعجز وبحالةٍ سلبيّةٍ، بل ويتبنُّون موقفًا انهزاميًّا. لدى كثير من الأهالي افتراضاتٌ خاطئةٌ عندما يتعلّق الأمر بالنَّجاح، فمثلًا الإعتقاد بأنَّ الأطفال يجب أن يكونوا على تنافسٍ طوال الوقت لتحقيق النّجاح، أو أنَّه من الضّروريِّ أن تكونَ متفوقاً في المدرسة من أجل التفوّق في الحياة.

في كتابهما الرائع، “ الأطفال ذاتيّو الدَّافع“، يركِّز المؤلِّفان ويليام ستيكسرود ونيد جونسون على الطُرق التي يُحرم بها الأطفال اليوم من الشّعور بالتّحكمّ في حياتهم، واستقلاليّتهم، ومن حُرّية القرار بالقيام بما يجدونه مُفيدًا، ومن تجربة النّجاح، أو الفشل بمفردهم، وكيف يؤثر ذلك عليهم مستقبلاً في حياتهم المهنية ويقيّد نجاحهم المهني.

ما الذي يجعلنا نعتقد أنَّ الأطفال ليس لديهم سيطرةٌ كافيةٌ على حياتهم؟ وما هو الحل الأمثل؟

 نعلمُ أنّ الإحساس المنخفض بالسّيطرة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقلق، والاكتئاب، وجميع مشاكل الصَّحة العقليَّة تقريبًا، ووجد الباحثون أنَّ ضعف الإحساس بالتَّحكم هو أحد أكثر الأشياء المُجهدةِ التي يمكن أن يختبرها النّاس، ومنذ السّتينيات شَهِدنا ارتفاعًا ملحوظًا في مشاكل الصَّحة العقليَّة المرتبطة بالتَّوتر لدى الأطفال والمراهقين، بما في ذلك القلق، والاكتئاب وإيذاء النّفس، فما هو الحل لذلك؟

أشارت الأبحاث أنَّ التَّحفيز إلى الشّعور القويِّ بالاستقلاليَّة، هو المفتاح لتطوير الدّافع الذَّاتي الصِّحِّي الذي يسمح للأطفال، والمراهقين بمتابعة أهدافهم بشغفٍ، وبالاستمتاع بإنجازاتهم.

كيف لمحاولات السّيطرة على الطفل أن تأتي بنتائج عكسيَّةٍ؟

إنَّ محاولة التّحكُّم في الطفل لها آثارٌ سلبيّةٌ، ووفقًا لواحدةٍ من أفضل النّظريات المدعومة في علم النَّفس، “نظريَّة تقرير المصير” نجد أنّه لدى البشر ثلاث احتياجاتٍ أساسيَّةٍ، الشُّعور بالاستقلاليَّة، والشُّعور بالكفاءة، والشُّعور بالارتباط، فتتمُّ بناء الاستقلاليّة في شخصيّاتنا بنفس طريقة الجوع، أو العطش، وذلك عندما نفتقر إلى هذه الحاجة الأساسيَّة، فإنَّنا نشعر بانخفاض الدَّافع، أو يصبح الدَّافع الذي لدينا قائمًا على الخوف، (“من الأفضل أن أفعل هذا وإلا!”)، فلا يمكنك أن تصبح شخصًا مدفوعًا ذاتيًّا إذا لم يكن لديك شعورٌ بأنَّ حياتك مُلكك.

ما الذي يمكننا فعله لمنح الأطفال المزيد من الشعور بضبط النَّفس؟

يمكننا أن نمنحَ الأطفال فُرصًا لتعلُّم التَّعامل بأكبر قدرٍ ممكنٍ دونَ الشُّعور بالإرتباك، لينمو الأطفال ويتألّقون عندما يشعرون بالتّحدي، وأنّهم ليسوا مُهدَّدين.

يريدُ الأطفال الشّعور بأنَّ نجاحاتهم قد تحقّقت، فعندما نمنح الطّفل فرصةً لتوسيع نفسه من خلال الموسيقى، والرِّياضة، والبرمجةـ ووظائف ما بعد المدرسة، والمشي لمسافاتٍ طويلةٍ، وفنون الدِّفاع عن النَّفس، أو أيًا كان ما ُيلهم شغفهم، يمكن أن ينتقل هذا الإحساس بالإتقان، والاستقلاليَّة من  نشاطٍ يحبّه إلى جوانب أخرى من حياته.

كيف نطوِّر الدَّافع الذَّاتيَّ للطفل؟

يتطلَّب أحيانًا كونك والدًا استشاريًا، أن تُخبر أطفالك أنَّك تثق بهم لاتّخاذ قراراتهم بأنفسهم، ولكن عليك أيضًا أن تدعهم يتَّخذون قراراتهم بأنفسهم، حتَّى لو كانت اختياراتهم سيّئةً في بعض الأحيان، فهذه هي الطَّريقة التي يتعلَّمون بها. لربّما يجب على الآباء السَّعي لإعطاء أطفالهم المعلومات، ووجهات النَّظر التي يمتلكونها، والتي يفتقر إليها الأطفال، وهذا يُمكِّنهم من اتّخاذ أفضل القرارات، فالهدف النّهائيًّ هو توجيههم نحو اتِّخاذ قراراتٍ واضحة الرّؤية.

أخيرًا، إذا أُجبر الأطفالُ على القيام بأشياء لا يريدون القيام بها، فسيشعرون بأنَّهم غريبون عن نجاحاتهم المُستقبلية، كما لو أنَّ نجاحاتُهم لا تخصُّهم، فالاستقلاليّةَ، وحرّية الاختيار تمنحان الطّفل الكثير من الثّقة بالنّفس، ممّا يُسهم في نجاحهم لاحقَا.

إذا أردت حقاً تنشئة أطفالك للنجاح المهني في عالم يسوده التنافس مستقبلاً، فلا بدّ لك أن تفكر جدياً في بناء تلك المهارات وتنميتها لديهم قبل أن يتفاجؤوا بها في الحياة المهنية لاحقاً دون خط دفاع.