نجوى الكناني
نجوى الكناني

د

بصلة الوعي الذاتي

تم تشبيه مراحل الوعي الذاتي بالبصلة، كونها تتكون من طبقات متعددة ومتداخلة. تحتاج تلك الطبقات المحيطة بالذات إلى تقشير على مراحل للوصول إلى الطبقة العميقة والجوهرية. ولأننا أيضاً ” كما نذرف الدموع عند تقشير البصل” في كل مرة نقوم بتقشير تلك الطبقات نشعر بالضيق العاطفي. معرفة الذات بشكل عميق تحتاج إلى وقت وجهد مستمر.

إذ لا يمكننا القفز إلى الطبقة العميقة دون المرور بالطبقات التي قبلها، فإذا كنت من الأشخاص الذين بذلوا عدة محاولات لمعرفة ذواتهم دون فائدة فأنت حتماً لم تقم بتقشير طبقاتك الخارجية على مراحل، بل حاولت القفز إلى عمقك الداخلي بشكل مباشر، تلك المحاولات ستؤدي بك إلى الارتباك، الحيرة، التردد وإلى تقلبات كثيرة وغير منتهية. لا تتعجل هناك رحلة عليك القيام بها، ومراحل عليك الوقوف عندها.

الطبقة الأولى في بصلة الوعي هي الفهم البسيط لمشاعرنا، لهواياتنا، لأفكارنا، لاهتماماتنا، أمور واضحة وبسيطة لكننا نحتاج إلى التعرف عليها بوعي. ما الذي يشعرني بالسعادة؟. ما الذي يجعلني أشعر بالحزن؟. ما الأشياء التي تلهمني؟. ما الذي يعطيني الأمل؟. إن معرفة تلك الأمور تجعلك تبدأ في معرفة ذاتك، واكتشاف من أنت. كيف تقضي وقتك، كيف تنجز عملك، كيف تحسن من مزاجك. فالبشر لديهم نقاط عمياء عاطفية. عواطف اكتسبناها خلال نشأتنا، نتعامل معها بشكل آلي، يحتاج الأمر إلى عمل للوصول إليها والتعبير عنها بالشكل المناسب.

الطبقة الثانية من طبقات بصلة الوعي الذاتي، هي القدرة على التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى شعورنا بتلك المشاعر. لماذا شعرت بالحزن؟. لماذا غضبت؟. لماذا لدي شعور بالإحباط؟. تساعدنا هذه الأسئلة على معرفة السبب الحقيقي خلف ذلك الشعور. لفهم العوامل المحفزة لمشاعرنا. وبعد أن ينكشف لنا السبب يمكننا حينها أن نبدأ في معالجتها والتعامل معها وإدارتها.

الطبقة الثالثة من بصلة الوعي الذاتي، هي الجزء الأصعب والأكثر تعقيداً وهي طبقة أعمق من سابقاتها، إنها قيمنا الشخصية. مقاييسنا، معاييرنا التي نحكم بها على الأمور. ما هو النجاح بالنسبة لنا، ما هو الفشل؟. ماهي القيمة العليا في الحياة؟. أسئلة تحتاج إلى إجابات حقيقية.

هذا المستوى يصعب الوصول إليه لأنه يحتاج إلى جهد حقيقي ومحاولة صادقة، فمعظم قيمنا إما موروثة أو مكتسبة. وهي تحدد طبيعة مشاكلنا التي بدورها تحدد نوعية الحياة التي نعيشها. القيم هي أساس لكل ما نفعل وكل شيء يعتمد عليها، الأفكار، العواطف والمشاعر اليومية. فإذا كان ما نقدّره غير مفيد وغير مجدي فهو بالتأكيد سينعكس سلباً على حياتنا.

عادة ما يلجأ الناس إلى التهرب من الإجابة عن ذلك النوع من الأسئلة. برغم رغبتهم في الوصول إلى مصدر معاناتهم وإدّعاءهم الصدق والوضوح، إلا أن التهرب في هذه المرحلة او الكذب بشأن الحقيقة يجعلهم يشعرون بالتحسن، فهم يميلون إلى إلقاء اللوم على الاخرين، وبالتالي يتجنبون مشاكلهم. إن هذا التصرف مبني على تجنب الشعور بالمسؤولية تجاه ما يحدث لهم.

إن طرح الأسئلة المتعلقة بالمشاعر و القيم ستساعدنا على فهم عواطفنا وعلى تغييرها خصوصاً المشاعر المتعلقة بالنجاح والفشل. سنتمكن من إدراك نظام القيم الذي نتبناه وكيف طورناه. سنفهم السبب الذي يجعلنا نرى العالم بالطريقة التي نراه بها. سنفهم أيضاً كيف يتصرف الآخرون بناءً على أنظمة القيم الخاصة بهم.

إن منطلق تنمية الذات يبدأ من الوعي بها. لتطوير الأدوات اللازمة لتحقيق النجاح وللتعامل السليم مع الضيق العاطفي، مع المشاكل التي نتعرض لها ومع العقبات التي نواجهها.