أمينة الزعبي
أمينة الزعبي

د

لا أرى لا أسمع لا أتكلم!

تتملكك الأوهام بأنك الأكثر معاناة على وجه الأرض، وتصفق لك الندوب بأنك والله على حق، فامضِ في تشاؤمك ويأسك يا بطل!! ولا تفكر يوماً بأنك تملك شيئاً يستحق الفرح والتقدير ولا حتى الامتنان، بل أنت محجور ومقهور والحياة الطبيعية قد حُرمت منك بلا ذنب اقترفته!!

هيا تنعّم بيأسك وأغلق عليك باب الأمل، وصمَّ إذنيك عن كل خير، وأغمق عينيك عن كل نور قد تهبه لك الحياة، وأغلق شفاهك قانطاً من كل أملٍ قادمٍ من بعيد، فليس هناك ما يستحق الانتظار، فعلامَ الترقب إذاً؟! وفي لحظةٍ مباغتة تتغير فيها الأحوال، سنكون على موعدٍ مع سلسلة من الافتتاحات اللامتناهية لكل ما ظننت إغلاقه إلى الأبد، وستبدأ بالانطلاق ببصرك نحو العيش الرغيد والسفر الطويل، وستصغي للمغريات القادمات من هنا وهناك، وستفتح فاك معللاً يأسك فيما مضى، وساخراً من عجلتك ونزقك الذي لم يفارقك مذ كنت طفلاً، فتلحقه بالشتيمة المدللة، وفي كل هذا تعليل لتدخل من جديد بكبرياء لم يضعفه شيء مر معه!!

لأننا دوماً و بطريقةٍ أو بأخرى نكون نتيجة لتفاعل ما ونحن لا ندري! ولكن ما إن يزول السبب حتى نعود إلى طقوس حياتنا بدونه متناسين ما مر معنا، ولكن ماذا لو تغير كل شيء وعاد كل شيء إلى وضعه الطبيعي، وأنت غير قادر على العودة لإنك مغلق بالشمع الأحمرإلى مالا نهاية، وليس لشهرين فحسب!!

ماذا لو كان نصيبك من الحياة فقط التحسس والتلمس والشم الذي يعقبه الخيال والظن والشك!
كيف ستكون حياتك لو كنت تشعر بشروق الشمس بأنفك، لا بعينك!!
ماذا لو يدك هي سفيرك نحو ما تجهل، وهي ما تنقل لك ما يمر بجانبك، لا عينك؟
ماذا لو لم ترَ البحر يوماً وكان حلمك برؤيته يشبه زبَده في وهمه وعدم نفعه؟!
ماذا لو لم تعرف من أين يُمسك فنجان القهوة، وإذا وصل إلى فمك بلا خسائرفتلك أسمى أرباحك؟
ماذا لو كان غيرك يعرف لون ملابسك التي تلتصق بك، وأنت لا تدري عن ذلك شيئاً؟
ماذا لو أنك لا تقرأ كتاباً ولا تكتب ما يجول في بالك؟
ماذا لو كنت بلا جوال تحني رقبتك نحوه طوال الوقت؟
ماذا لو كنت لا تميز بين زقزقة العصافير وصوت الانفجارات؟
ماذا لو كانت المحادثات الذكية والجياشة مع من تحب هي من المستحيلات الألف في حياتك؟
ماذا لو كان الجلوس في مسرح سينما بمنزلة حلم بالجلوس على سطح زحل في ليلةٍ قمرية؟
ماذا لو أنك لا تعرف الربيع ولا الخريف ولا الشتاء ولا الصيف؟
ماذا لو كان فتح النافذة في الصباح والنظر إلى ما يجري في الشارع هو أشبه بفتح كوةٍ في حائط من الفولاذ بالنسبة إليك؟
ماذا لو أن ترتيب غرفتك أو كتبك حسب اللون والشكل هو أمر مثير للسخرية والضحك لمن حولك؟
ماذا لو الغناء في الحمام بالنسبة لك هو كالغناء مع بيتهوفن في استحالته؟
ماذا لو أنك لا تعرف ماذا يوجد في الثلاجة لو استيقظت ليلاً لتتناول شيئاً ليس على البال؟
ماذا لو لم تسمع صوت الحجر الذي تلقيه في البحيرة؟
ماذا لو أن سمعك وبصرك وكلامك قد حجب عنك إلى غير رجعة، ماذا ستفعل حينها؟ هل ستشتم هل ستنتحر هل ستنتظر هل ستكفر هل ستلعن هل ستصبر هل ستضجر أم ماذا ستفعل؟

بعدما أصابني كل هذا العزل القسري القاسي والذي لا أمل في فكه، ما وجدت أمامي منفذاً سوى فك سجن إرادتي وروحي وفتح الأبواب المخبأة تحت ستائر الأقدار الصعبة، لأعرف ما الذي يختبئ هناك؟ فعندما يغلق باب السعادة يفتح آخر، وينبغي ألا نطيل الوقوف عند الأبواب المغلقة بل نرى تلك التي فتحت لنا، وفعلاً ما وجدته من خيرٍ هناك أنساني كل عزل، لأنني تعلمت علوماً جديدة وبطرق حديثة غير مألوفة، استطعت بها التغلب على مشكلة النطق فنطقت بلغات عدة، وأتقنت مهارات عدة باللمس وحده، أصبحت معلمة في الإرادة أعطي لمن حولي الدروس في الصبر والتغلب على الصعاب، وليكون آخرها هو ما كتبته لكم في هذه السطور القليلة، فأنتم والله في جنةٍ لا في عزل، وأنا في جنةٍ أخرى لا تعرفون عنها شيء، كما لا أعرف عن جنتكم شيء….