رانيا شيخ عبدو
رانيا شيخ عبدو

د

تعهَّد بعدم العمل لدى أي من الشركات المنافسة لتقبض وتحصل على مستحقاتك!


“أنتِ بحاجة إلى الإمضاء على تعهد بعدم العمل لدى أي من الشركات المنافسة كي تحصلي على مستحقاتك”.

هذا ما قيل لي من قبل الموظف المسؤول عن الإجراءات المرتبطة بانتهاء عقد العمل المبرم بيني وبين إحدى الشركات التي عملت لديها منذ زمن. واحدة من الأوراق التي كنت بحاجة إلى توقيعها للحصول على مستحقاتي كانت تعهداً خطياً بعدم العمل لدى أي من الشركات المنافسة العاملة في نفس المجال ولمدة خمس سنوات.

رفضت التوقيع على هذا التعهد، وطلبت صرف مستحقاتي كاملة دون هذا الشرط حتى لا يتم اللجوء من قبلي إلى الطرق القانونية، ورغبتي بإنهاء العلاقة التعاقدية ودياً.

أسباب الرفض

لم يكن حصولي على عقد عمل آخر لدى إحدى الشركات المنافسة التي تعمل في نفس القطاع هو دافعي لرفض التوقيع على التعهد، بل بالعكس لم تكن لدي نية البحث عن عمل آخر في تلك الفترة رغبة مني بالحصول على قسط من الراحة والنقاهة لمدة زمنية محددة، الأمر الذي أعتبره حقاً وضرورة في نفس الوقت بعد سنوات من العمل المتواصل.

السبب الحقيقي الكامن وراء رفضي آنذاك كان سياسة الاحتكار والمساومة والاستغلال من قبل الشركة من جهة، والشعور بعدم ثقة جهة العمل بموظف كان يعمل لديها لسنوات من جهة أخرى.

المساومة والاستغلال والاحتكار

أما المساومة والاستغلال فكانت بربط توقيعي على هذا التعهد مقابل الحصول على مستحقاتي الوظيفية وشهاداتي المهنية. وأما مفهوم الاحتكار فقد تجلّى بتصوّري عند قيام الشركة بتقييد موظف قضى سنوات خدمة لديها تعتبر خبرة في قطاع معين، لتمنعه من الاستفادة من هذه الخبرة المكتسبة وتطويرها في نفس مجال العمل.

بالتأكيد أن تخصص أحدهم في مجال ما يفيده في العديد من قطاعات العمل المختلفة ولا يقيده، إلا أن ذلك لا ينطبق على جميع الاختصاصات التي يعتبر اكتساب الخبرة في قطاع معين شرطاً لقبول المتقدمين للوظيفة، وإن توقيعه على هذا التعهد يدفعه نحو البدء برحلة البحث عن عمل في قطاع آخر، خبرته فيه تساوي صفراً، لا نعلم بعدها فيما إذا كان سيشترط عليه أيضاً التوقيع على تعهد مماثل يعيده إلى نفس الدوامة.

وسواء كان التوقيع على تعهد عدم العمل لدى إحدى الشركات المنافسة شرطاً يسبق التوقيع على عقد العمل، أو كان شرطاً للحصول على المستحقات في نهايته، فهذا يعني أحد أمرين:

  1. “إن لم توقع لن تتوظف”، في الأولى.
  2. “إن لم توقع لن تحصل على حقوقك”، في الأخيرة.

علاقة الثقة بين الموظف والشركة

إن علاقة الثقة بين طرفين ليست مقتصرة دائماً على الأفراد فقط، وإنما تسري كذلك على العلاقة بين الأفراد والأشخاص الاعتبارية. وإن الشركة التي ترى في موظف غادرها وعمل لدى إحدى الشركات المنافسة أمراً خطيراً ومهماً، الأفضل لها أن تحتفظ به باعتبار أن مفهوم الأهمية يأتي من القوة، لذا على الشركة المحافظة على الموظف وعدم الاستغناء عنه ومعالجة أسباب انتهاء العلاقة التعاقدية، سواء كان قرار إنهاء علاقة العمل صادر عنها أو عنه.

ما هي ذريعة الشركات لاشتراط مثل هذا التعهد؟

ذريعة الشركات إجمالاً هي: عدم إفشاء الأسرار وعدم سرقة العملاء!

هامش مهم: إن عدم إفشاء الأسرار هو التزام أخلاقي قبل أن يكون التزاماً تعاقدياً. إن ألف توقيع لن يثني شخصاً عن إفشاء سر ودون أن يترك أي دليل يدينه، ما دام أنه غير ملتزم أخلاقياً ولا يكن الاحترام ومشاعر الإخلاص للشركة التي عمل لديها.

هامش مهم ثانٍ: إن منافسة الموظف لشركة عمِل لديها، بمعنى أن يؤسس مشروعاً مماثلاً ينافس فيه تلك الشركة شيء، وأن يعمل لدى شركة منافسة شيء آخر تماماً. بالنسبة لمدة تنفيذ التعهد بعدم المنافسة في الحالة الأولى، فلا بد أيضاً أن تكون مدة محددة وليست مفتوحة، فالقصة ليست حكماً بالسجن المؤبد بالتأكيد.

حفظ الحقوق متبادل

لا شك أن ضمان الشركة لحقوقها والمحافظة عليها هو أمر بالغ الأهمية، إلا أن ذلك يجب ألا يتعارض مع حقوق الموظف وسعيه للمحافظة على حقوقه وضمانها. ولعل من أهمها حفاظه على جهد سنوات قضاها في التعلم واكتساب المهارات والخبرات من الضياع، واستثمار ما اكتسبه في حياته العملية، ورفض أي شروط تضعها بعض الشركات لتقييد هذه الحقوق.

إن الشركة التي لا تثق بقوتها على الأرض، وترى أن تعهد عدم العمل لدى إحدى الشركات المنافسة يضمن لها عدم تأثرها وتراجع موقعها، الأولى بها أن تراجع حساباتها، وتضع أسس متينة لقوتها، وتعيد النظر في مفهوم المنافسة كعامل هام في زيادة الانتشار وحافز دائم نحو التحسين والتطوير.

وأنت عزيزي القارئ: هل ستوقع على تعهد عدم العمل لدى إحدى الشركات المنافسة في حال طلب منك ذلك، أم أنك سترفض التوقيع؟