فادي عمروش
فادي عمروش

د

العشرينيات نعمةٌ ونقمةٌ في آن واحد!

يصل الإنسان منّا إلى عقده الثالث وفي جعبته الكثير من الأحلام والطموحات والمشاعر الكفيلة بجعله يشعر أنه سوبرهيرو قادر على فعل كل ما يريد في أي وقت وتحت أي ظروف، ثم يصطدم للأسف بالواقع العملي، ويكتشف قصور مهاراته عن الصورة المرسومة في خياله، فتتحول أزهى فترات العمر إلى ساحة فِصالٍ يترنّح فيها بين هزيمةٍ وانتصار.

 لا شك أن فترة العشرينات هي الفترة الذهبية في رحلة العمر، نصوغ فيها مستقبلنا ومصيري باقي سنين عمرنا في قرارات نتخذها ومسارات نسلكها لا يرجع فيها أغلبنا.

تقف لبنى الخميس في احدى الحلقات المميزة من بودكاست أبجورة  على أهم التغيرات التي تجعل من العشرينات فترةً فاصلة في حياتنا، وأسباب كآبة وحيرة معظم الشباب فيها بكلمات بسيطة موجّهة للشباب والآباء على حدٍ سواء ما يمنحهم فهم أفضل وبالتالي استعداد أمثل لفترة الإبداعات والتقلّبات هذه.

الضياع والبداية

تطرح لبنى في حديثها عدد من التساؤلات التي تشكّل لبَّ العشرينات، هي أسئلة وجودية مصيرية على بساطتها تصوغ شخصية الإنسان وتطلعاته رافقت الشباب من الأزل درويشهم وفيلسوفهم موقعةً إياهم في دائرة الضياع والبحث عن الذات.

  • من أنا؟
  • كيف أبدأ؟
  • أيّ طريق أسلك؟
  • ما القيمة التي أضيفها لمن حولي؟

كل هذه التساؤلات وأكثر تعصف بذهن العاقل منّا، رحلةٌ لا بد من المضي فيها فهي أزهى سنين العمر، وأكثرها انطلاقاً، وأوسعها بهجة، على فوضويتها وعدم استقرارها تبقى الأشهى، نعم تقلباتها وشكوكها كثيرة، لكن خياراتها وفرصها أكثر.

تبدأ معظم التغيرات الجذرية والمصيرية حسب لُبنى من فترة العشرينات لتخُطَّ لنا الفصول الكبرى في مسارات حياتنا. يُؤكد هذا دراسة فريدة أجرتها جامعة ميتشيغان تناولت فيها – قراءةً وتحليلاً – عشرات قصص وتجارب لأشخاص ناجحين بغرض التعلم منها، ومعرفة أهم الظروف التي شكلت شخصياتهم وأيامهم، حيث خلصت الدراسة إلى أن أهم الأحداث وأكثرها تأثيراً لهؤلاء الناجحين حدثت في فترة العشرينيات من العمر.

الصدمة الأولى

عرَّجت لُبنى في حديثها على الأحداث المفصلية التي تحدث غالباً في العقد الثالث، كالتخرج من الجامعة، وإيجاد عمل، ثمَّ الزواج، وربما الإنجاب وغيرها من الأحداث التي تعيد ترتيب أولوياتنا وتجبرنا على سلوك دروب بعينها أو تفتح لنا أخرى من أوسع أبوابها.

 يحدث كل هذا بعد سكون دام عشرين عاماً من أعمارنا لم ننجز فيه شيء يذكر أمام ما يحصل في فترة العشرينات، فخلال مدة وجيزة نتخرج ونعمل ونرتبط! بسرعةً قياسية وكأنه هناك من يلاحقنا. طبعاً ليس هناك مشكلةً من حدوث هذه التغييرات الجميلة التي قد تدفعنا لمزيد من الإنتاجية، لكن لا بأس من الاستعداد الكافي لهكذا تغييرات جذريّة لا عودة منها ربما كالإنجاب على سبيل المثال.

يؤدي عدم التحضير والتخطيط الصحيح إلى إصابة الشباب بما يعرف بأزمة ربع العمر التي غالباً ما تصيب الخريجين الجدد بعد صدمة دخول الحياة العملية؛ فخلال فترة الدراسة كل شيء واضح من الهدف والطريقة والنتيجة وحتى معايير النجاح والفشل، في المقابل تتسم الفترة بعد التخرج والولوج إلى سباق الحياة بتعدد الأهداف، وتنوع الوجهات، وبعدم القدرة على وضع معايير دقيقة لمعايير النجاح والفشل؛ فبعد التخرج هنالك عدد كبير من الخيارات التي قد لا تكون متاحة جميعها في وقت واحد، ولكنها تبقى الشغل الشاغل على الدوام.

التحديات العشرينية

تحدثت لبنى أيضاً إلى جانب فترة الضياع التي يمر فيها شباب العشرينات عن التحديات التي يواجهونها والتي تتنوع بين الضغوطات الاجتماعية والضغوطات النابعة من داخلنا والتي أظن وأكاد أجزم أنها الأصعب.

تبدأ لبنى مع الضغوطات الاجتماعية، فالعشريني مطالب خلال سنوات قليلة بفعل أشياء كثيرة لا تعكس بالضرورة ما يريد، إنما فقط إرضاء للمجتمع وإيقاف لصوت المقارنات بينه وبين الآخرين؛ فهو يعيش محاطاً بعائلته، وأقاربه، وأصدقائه، والمجتمع، مجتمع كامل يراقبه ويدلوا بدلوه في تحديد مسار حياته وشؤونه ويبنون التوقعات عن نجاحاته غير المحدودة والتي في كثير من الأحيان تتجاوز قدراته وطاقاته، فيعيش في حالة توتر وقلق وصراع دائم.  

من الناحية الأخرى، تتدفق الضغوطات من داخلنا، فنحن المشكلة بحد ذاتها وليس الحل؛ فكل منا يضع سقف توقعات لنفسه ويحمّلها الكثير والكثير من الأعباء؛ فنعاني أزمة وجودية مع ذواتنا هو أزمة الوجود؛ فكل إنسان جاء إلى هذه الحياة لسبب معين؛ الأمر الذي يشغل بال الجميع.

 تتضخم هذه الضغوطات ويتعاظم أثرها علينا بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، وما تجره لنا من سيل الأخبار اليومية عن أقراننا، قد نقع في العشرينات ضحية الهوس بنظرة الآخرين لنا وبحكم المجتمع علينا، مما قد يفصلنا عن رغباتنا العميقة وأمانينا الحقيقية، بمعنى آخر  ربما نعيش حياتاً يريدها الآخرون ولا نريدها نحن، نعيش صراعاً بين ما يجب وبين ما نحب.

طوق النجاة

أمام هذه التحديات المختلفة، تتعالى الأصوات مطالبة بحلول تجعلنا نعيش في حالة من التصالح والسلام مع هذه الفترة الهامة من حياتنا، وهو ما تحدثت عنه لبنى حين تطرقت إلى مجموعة من الطرق التي قد تكون طوق النجاة والحل الذي ننشد:

  1. أن نحيط أنفسنا بالمؤمنين بنا والموجهين الصادقين لنا والذين يرددون على مسامعنا دوما “النجاح رحلة وليست محطة، والتعثر هو ثمن الاجتهاد ومؤشر حركة لا سكون”، وأن نبحث عن عرّاب يحتوينا ويحتوي مخاوفنا وشكوكنا ويوجهنا، تماما كما أشار إلى هذه النقطة سيمون سينيك في حديثه عن رحلته مع عرّابه وأهمية هذا الأمر على مسيرة حياته، وعلى حياة الجميع في العموم.
  2. أن نركز على دائرة العلاقات، ونحرص على توسيعها وفق ما جاء في كتاب العقد الفاصل للكاتبة والاستشارية النفسية المختصة بعلاج تحديات العشرينيين ميغ جاي، فترى مؤلفة الكتاب أن الدائرة الضيقة تحد من معرفتنا في الحياة ومن معرفتنا بالأشخاص، في مقابل أن توسيع دائرة علاقاتنا يخلق لنا فرص ثمينة لم تكن في الحسبان على مختلف مستويات حياتنا؛ الفكرة التي تطرقت إليها في مقالتي كيف تستجلب الحظ والصدفة، فأنا مع فتح الباب للصدفة والعشوائية، وأعتقد أن لها يدا خفية في حيواتنا _شئنا أم أبينا_ وأدعو دوما إلى تعلّم كيفية توظيفها على النحو الأمثل.
  3. أن نرى الهوية الشخصية كرأس مال من المهارات والخبرات، ونحرص ألّا نتعامل مع هذه الفترة كشوط بدل ضائع من المرح والمتعة، وننزع من قلبنا أي خوف من الفشل؛ فالآخرين – على خلاف ما نعتقد – متسامحين مع أخطائنا، ومتفهمين لاندفاعاتنا وطموحاتنا في العقد الثالث، والمقبول منّا من هفوات وأخطاء في العشرينات غير مقبول في العقود المقبلة.

ختاماً

لكلٍ منّا توقيته الخاص ومحطات نجاحه المختلفة عن الآخرين، فالعبرة ليست بكمية الشهادات والإنجازات والعلاقات بل بنوعيتها وأثرها علينا، احرصوا دوماً على اقتناص الفرص ولا تدعوها تمر مرور الكرام، فربما تكون فيها الحياة التي طالمنا حلمتم بها.