نورة .
نورة .

د

للفضولين (2): كتاب سيكولوجية الفضول

في التدوينة السابقة شاركت أفكار موجزة عن الكتاب الذي حسن من جودة حياتي في السنة العصبية، وسأستكمل في هذه التدوينة المتبقي من الفصول والتي أرى أنها أهم فصول الكتاب.

يتناول الكتاب في الفصل السادس “المرشد إلى علم النفس غير الطبيعي (الشاذ)” مفهوم علم النفس السريري والذي كان يُطلق عليه بعلم النفس الشاذ، والذي يُعنى بدراسات السلوكيات المضطربة، وأصل تلك السلوكيات، وأعراضها وعلاجها، كما وضع الكتاب دراسة لفورهان (2008) في كيفية النظر إلى الشذوذ، مع الأخذ بعين الاعتبار على أن:” ما يكون شاذًا في ثقافة ما قد لا يكون كذلك في ثقافة أخرى”.

ويرجع هذا الاختلاف إلى العوامل البيئية والمعرفية والوراثية وحتى العصبية التي لها تأثير في تلك الحالات، وبسبب هذا الجدل الحاصل في التعامل مع الشذوذ وتعريفه، أصبحت توجد إشكاليات وضحها الكتاب بدراسة لفورهام عام (2008)،  من تلك الإشكاليات أن:

  • الإنسان المعافى صحيًا في مجتمع غير معافى غالبًا ما يوصف بالجنون، وهناك أدلة تاريخية على مجتمعات مريضة لم تتسامح مع المخالفين لعاداتها ومعتقداتها.
  • هناك بعد اجتماعي سياسي للآثار المترتبة على العلاج، فإذا كنت تجادل في حل المشكلة الذي سببها بيئي، فمن المفترض أن تغيير البيئة هو الحل لعلاج المرض، وإلى منع الإصابة به كذلك.

أيًضا وتحت عنوان فرعي “أن تكون عاقلًا بين المجانين” طرح دراسة في مطلع السبعينات توضح فشل بعض المصحات العقلية في تشخيص أمراض كالفصام والذهان، وتمييزه، مما أدى إلى ظهور حركات مناهضة للطب النفسي.

لذلك ناقش الكتاب بعض الأمراض العقلية كالفصام والسايكوباتي، والمفاهيم الخاطئة والشائعة عن تلك الأمراض، كما وضح للقارئ أدوات بسيطة علاجية للكشف عن شروط الصحة العقلية، وكيفية التعامل معها، فصل مثير ومهم للغاية.

أما في الفصل السابع “العمل وعلم النفس” تحدث الكتاب عن اهتمام علماء النفس بتطوير الموظفين و وإداراتهم أثناء العمل، كما ناقش بتفصيل قضية التوتر في العمل، وتحدث عن التوتر من اللغة وإلى الانهيار، وتأثير الصحة النفسية على أداء العمال، فصل رائع وفي غاية الأهمية، ساعدني في قطع علاقتي الحميمة مع التوتر، وهذا أفضل مردود سلوكي خرجت به من هذا الكتاب.

أما في الفصل الثامن” هل يبدو الأمر هامًا؟” والذي تناول عن التأثير الاجتماعي للجاذبية، وتفسير الصفات والسمات التي تجعل شخص ما ينجذب لشخص آخر، فصل واقعي، مليء بالدراسات والتساؤلات.

أما في الفصل التاسع” الأحكام ولفت النظر” فهو فصل رائع مُسلي جدًا، حيث تناول الجدل الحاصل بين علماء النفس والاقتصاديون حول عقلانية البشر، وهل هم منطقيون أم لا، كما ناقش الفصل قضية الاستدلالات والتي عرَّفها بأنها انحرافات، واختصارات عقلية، ومنتجات تفكير سريع، بمعنى آخر هي عبارة عن “أخطاء يرتكبها البشر في تفكيرهم اليومي”.

ومن أهم تلك الاستدلالات:

  1. التنافر المعرفي: وهو عبارة عن تصرف غير متسق مع قناعات الإنسان ومواقفه، مما يولد شعور بالانزعاج، يتبعه تغيير للموقف، أو السلوك، أو كلاهما لتخفيف حدة الاتساق. وطرح الكتاب أمثلة على هذا التنافر، والمعضلة الناتجة عن هذا التنافر فيقول الكتاب بتصرف: ” إننا نحب أن نظن أنفسنا أشخاص مهذبين طيبين أخلاقيين لا نسبب الأذى، أو على الأقل الأذى للأبرياء، لذلك إذا فعلنا ما هو سيء دون أن نسحب هذا السلوك بالاعتذار او التعويض تصبح أسهل طريقة للحل هي التقليل من قيمة الضحية أكثر عبر التصريح بمقدار السوء الذي كانت عليه، أو عن استحقاقها الكامل لتلك المعاملة السيئة”.
  2. الانحياز الإدراكي: وهي ظاهرة نفسية لها عدة أشكال، وأصناف قد تنشأ من مصدر خارجي كالمجتمع أو المجموعات مثل:
  3. تأثير الإجماع الخاطئ: وهو التمركز حول الذات، والاعتقاد التام بأنه كل شخص لا يحمل نفس أفكارنا، أو نفس الأشياء التي نحبها بأنه غير طبيعي.
  4. –        الانحياز نحو المقارنة الاجتماعية: يفسر هذا الانحياز سبب ميل الإنسان لعرقلة مُساعدة الآخرين خوفًا من أن يتفوقوا عليه.
  5. الخمول الاجتماعي: وهو أن الفرد الذي يكون في مجموعة لا يبذل جهدًا ظنا منه أن ذلك لا يؤثر ولا تتم ملاحظته.
  6. تفكير المجموعة: وهو كبح الآراء وعدم الاعتراض على أي قرار للمحافظة على ترابط المجموعة.

أيضًا صياغة الكلام لها دور في محاكمة الإنسان واتخاذه للقرارات، كما قد يؤثر على الخيارات اللاحقة، فمثلًا:

  • الترسيخ: وهو الميل عند اتخاذ أي قرار للاعتماد على أول معلومة تُعطى لنا حتى لو كانت عديمة الصلة.
  • النفور من الخسارة: وهو ميل الناس لتفضيل تجنب الخسارة مقابل الحصول على مكاسب مكافئة مثل: من الأفضل تجنب خسارة خمسة دولارات، على أن نكسب خمسة دولارات.

أيضًا ناقش الكتاب التغيير، والتحيزات والمغالطات التي تندرج تحته، وكذلك ناقش التحيزات التي تندرج تحت الخرافات، وتحت العاطفة والتعلق، وناقش أيضًا الاقتصاد السلوكي، والنظريات الاقتصادية التي تم تطبيقها في علم النفس، ومحاولة الوصول للإجابة على منطقية الإنسان وعقلانيته.. فصل مدهش، لا يمل.

أما في الفصل الأخير” عالم النفس في السوق التجاري” فقد ناقش هذا الفصل نمو قطاع علم نفس المستهلك، والقرارات الاستهلاكية التي يقوم بها المستهلك، وتصاعد الإعلانات التجارية خلال أواخر القرن التاسع عشر، والتأثير الحقيقي للأسواق والإعلانات على مستوى خياراتنا، وقراراتنا الاستهلاكية.