نورة .
نورة .

د

للفضولين (1): كتاب سيكولوجية الفضول

كانت في المنتصف تقع، جملة عريضة ساحرة ممزوجة بالزرقة والصفرة، مزجًا متساويًا، ومعتدلًا، فقد كانت جملة لها طابع لافت، فكلمات كالعلم والخرافة والفضول لا بد لها أن تشد الانتباه أو على الأقل انتباهي، وإن كانت أغلفة الكتب قادرة على جرّ القراء لاقتنائها فأنا أقول والعناوين تفعل ذلك أيضًا.

فقد شدني العنوان “سيكولوجية الفضول بين العلم والخرافة” له، وأغرقني في كتاب رائع ساعدني في تحسين جودة حياتي خاصة في هذه السنة الوعرة.

يحتوي الكتاب على عشرة فصول منوعة، تتناول علم النفس من الولادة وإلى التجارة، من العصور القديمة وإلى العصر الحديث، العديد من الدراسات والبيانات والأسئلة، الأسماء والأفكار والمصطلحات العلمية، يبدأ الفصل الأول  “قناعات عامة حول علم النفس” بذكر عام عن علم النفس وتاريخه دون التعمق في المصطلحات، والهدف من هذا الفصل كما قال الكاتب (كاتبين):”إزالة الغموض عن المفاهيم الخاطئة الأساسية المتعلقة بالسيكولوجيا والتنظير السيكولوجي”.

أما الفصل الثاني “تفكيك الخرافات والحقائق المرتبطة بعلم النفس” فهو فصل ممتع للغاية، صريح جدًا في طرحه، تناول العديد من الخرافات ورد عليها، كالخرافات المتعلقة بالعقل والدماغ مثل طاقة الجسد، والخرافات المتعلقة بالسعادة مثل أن كسب الثروة يضمن السعادة وغيرها من الأمثلة.

أيضًا من الخرافات الحديثة التي  أشار إليها الكتاب هو ما يُحَرف من قبل الصحافة والأفلام، وهو ما يندرج تحت المصطلح الشائع “علم النفس الشعبي،” فيقول الكتاب :”وحقيقة أننا سمعنا المعلومة مرارًا وتكرارًا لا يعني أنها صحيحة. فنحن غالبًا ما نمزج فهمنا للفكرة أو التصريح الصادر، وصحة هذه الفكرة ودقتها”.

أيضًا تحدث عن الصورة المضللة من قبل وسائل الإعلام والأفلام عن المرضى العقليين، وتصوير العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT) بأنه خطير وقاس، بينما هو العلاج الآمن حتى اليوم.

أيضًا العديد من الدراسات حول خرافات أخرى متعلقة بالإدراك، والتقدم في العمر، والذاكرة، والذكاء والتعلم، والوعي، وخرافات عن العاطفة والتحفيز، والشخصية، والمرض العقلي والعديد من الخرافات التي طرحها الكتاب وناقشها بطريقة ممتعة ومسلية للغاية.

ثم يتعمق الكتاب في تاريخ علم النفس من ناحية إسهامات العلماء الفردية، مع نبذه مبسطة عن أفكارهم التي ساهمت بشكل كبير في تطوير علم النفس وذكرها في الفصل الثالث “أسماء من ساهموا بمسيرة علم النفس وتطويره”. مثلا في علم النفس السلوكي ذكر الكتاب أسماء عديدة منها : بورس فريدريك سكينر(1904-1999) الذي وضع نظرية التعزيز والتي تؤمن بفكرة أن إرادة الإنسان مجرد وهم، وأن السلوك الحالي للإنسان ناتج عن معرفته بالعواقب، التي عرفها من خلال تجربة سابقة، أي أن الإنسان يُحتمل أن لا يكرر تصرفه إذا عَلم أن العواقب وخيمة. سكينر أسس مدرسة خاصة أسماها بمدرسة علم النفس التجريبي – التحليل التجريبي للسلوك.

أما العلماء التطويريون فكانت الأسماء والنظريات مثيرة للغاية، ومعقدة للغاية، أبسط تلك الأسماء والنظريات كان جون بولبي (1907-1990) التي تعلقت أبحاثه عن طرق تعلق الأطفال بأهاليهم، فيرى بولبي أن هناك فترة حرجة (أول سنتين) إذا انكسرت العلاقة أنجمت أضرار خطيرة ودائمة، كما تطرق إلى دور الوالدين في ذلك وليس فقط الأم.

ثم يزداد الكتاب في التشعب وذكر العديد من الأسماء والنظريات في مجالات سيكولوجية مختصة كعلم النفس العاطفي، وعلم النفس الإدراكي وحتى الاجتماعي والتحليل النفسي والبرمجي وأسماء كثيرة بعضها مثير للجدل، ثم يختم الفصل بعبارة أجدها صادقة لحد ما:” إن أفضل الطرق لفهم اختصاص معين تكمن في البحث في تاريخه”.

أما في الفصل الرابع “العلم، العلم الزائف، ونظرية المؤامرة” فيناقش الكتاب – بشكل تطبيقي- المبادئ الأساسية لتمييز العلم عما هو ليس بعلم، وهل علم النفس علم حقيقي أم لا؟ ومن الأمور المثيرة للجدل والتي أرى أن الكتاب استطاع دحضها هو خرافة التنجيم، وقراءة الكف، وكعكة الحظ “fortune cookie”  رغم أنه تم إثبات خرافتهم جميعًا إلا أن الناس مازالوا يتمسكون بها لماذا؟ فالجواب البسيط هو :”لأنهم يقعون ضحية مغالطة التحقق الشخصي التي تعني أن الناس يقبلون التعميمات، ويقبلون توصيفات مبتذلة زائفة تنطبق على الجميع تقريبًا على أن تكون صحيحة عن أنفسهم بشكل خاص”، واسترسال في هذا الموضوع بطريقة علمية، كما ناقش نظرية المؤامرة والتستر بطريقة جميلة وهادئة، طرح من خلالها اسئلة تساعد على فهم موضع الإشكالية.

ثم في الفصل الخامس “الرجل الذي يدعى فرويد” تناول الكتاب نظريات فرويد، والعوامل التي ساعدت فرويد على أن يصبح فرويد المفكر وعالم النفس الشهير، كما ذكر ثلاث مواقف اتجاه التحليل النفسي (الاحترافي- الالتباس-الاعتراض)، فصل جدلي للغاية، لكن ما أعجبني هو موقف الكتاب الوسطي اتجاه فرويد، واتجاه التحليل النفسي خاصة فيقول:” يجب أن نناقش نظرية التحليل النفسي بأنها تتكون من مجموعة من فرضيات، بعضها صحيح وبعضها خاطئ. وبناء عليه لن يكون من المنطقي أن نرفض النظرية كلها دفعة واحدة، كما يفعل علماء النفس عامة، أو نقبلها كلها كما يفعل علماء التحليل النفسي” .

إلى هُنا أكتفي بالكتابة والحديث عن هذا الكتاب الرائع، وسأكمل بقية الفصول في تدوينة قادمة، كونوا بالقرب.