ماهر رزوق
ماهر رزوق

د

الاضطرابات العقلية.. تلف دماغي أم مرض نفسي؟

حتى حوالي عام 1800، كانت الاضطرابات التي نتجت عن التلف المرئي للدماغ، التي نراها في تشريح الجثة، تعتبر اضطرابات طبية؛ كما وصفت بالاضطرابات العصبية.

لا يبدو أن اضطرابات الفكر والمشاعر والمزاج، بالإضافة إلى إدمان المخدرات، غير المرتبطة بأضرار دماغية يمكن اكتشافها، ونتيجة لذلك، اعتُبرت عيوبًا في الشخصية الأخلاقية للشخص.

تم تصميم علاجات هؤلاء “ضعاف العقول” من خلال عزلهم في المصحات وتقييدهم بالجدران وتعريضهم للحرمان أو حتى التعذيب.
ليس من المستغرب أن يكون هذا النهج غير مثمر طبيا ومدمراً نفسياً.

في عام 1790 أسس الطبيب الفرنسي «فيليب بينيل» رسميًا المجال الذي نسميه الآن الطب النفسي. أصر بينيل على أن الاضطرابات النفسية ليست اضطرابات أخلاقية ولكنها أمراض طبية، وأن الطب النفسي ينبغي اعتباره تخصصًا فرعيًا للطب. في Salpêtrière، مستشفى الطب النفسي الكبير في باريس، حرر بينيل المرضى النفسيين من قيودهم وقدم مبادئ إنسانية موجهة نحو علم النفس كانت رائدة في العلاج النفسي في ذلك الوقت.

جادل بينيل بأن الاضطرابات النفسية تصيب الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي والذين يتعرضون لضغط اجتماعي أو نفسي مفرط. هذا الرأي قريب بشكل ملحوظ من وجهة نظر المرض العقلي التي نتمسك بها اليوم.

على الرغم من أن أفكار بينيل كان لها تأثير أخلاقي كبير على مجال الطب النفسي من خلال إضفاء الطابع الإنساني على علاج المرضى، لم يتم إحراز مزيد من التقدم في فهم الاضطرابات النفسية حتى أوائل القرن العشرين، عندما أسس الطبيب النفسي الألماني العظيم «إميل كريبلين» الطب النفسي العلمي الحديث.

كان كريبلين معاصرًا لسيجموند فرويد، ولكن بينما كان فرويد يعتقد أن الأمراض العقلية، على الرغم من أنها موجودة في الدماغ، يتم اكتسابها من خلال التجربة – غالبًا ما تكون تجربة مؤلمة في مرحلة الطفولة المبكرة – كان لدى كريبلين وجهة نظر مختلفة تمامًا.

كان يعتقد أن جميع الأمراض العقلية لها أصل بيولوجي، وأساس وراثي. نتيجة لذلك، قال: يمكن تمييز الأمراض النفسية عن بعضها البعض مثل الأمراض الطبية الأخرى؛ من خلال مراقبة مظاهرها الأولية، ودوراتها السريرية بمرور الوقت، ونتائجها طويلة المدى. قاد هذا الاعتقاد كريبلين إلى إنشاء نظام حديث لتصنيف الأمراض العقلية، وهو نظام لا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم.

المصدر كتاب: The Disordered Mind

ترجمة ماهر رزوق