فادي عمروش
فادي عمروش

د

هل نعيش في عالم ما بعد السعادة؟

يبدو أن السعادة موجودة في كل مكان هذه الأيام، ويتم نشر الكثير من الكتب هذا العام مخصصة للحياة السعيدة، ولكن يبدو أننا اقل سعادة عبر الوقت، بالمقابل نجد الفرح في كل مكان ولكن نشعر دوماً أنّ السعادة بعيدة المنال؟

يثير مصطلحا الفرح والسعادة بعض الاختلاط فهما متشابهان للغاية، ولكنهما يثيران مشاعر مختلفة لدينا،الفرح-بحسب تعريف قاموس شركة ميريام ويبستر- هي الشعور الناجم عن الرفاهية أو النجاح أو الحظ الجيد أو عن طريق امتلاك ما نرغب به، أمّا السعادة  فهي  حالة من الرضا والطمأنينة إثر تجربة ممتعة أو مرضية، بعبارة أخرى السعادة حالة من الرضا والطمأنينة طويلة الأمد، بينما الفرح حالة مؤقتة من السعادة اللحظية التي ترفع الدوبامين فجأة.

في مقالة مهمة في نيويورك تايمز، تناقش الكاتبة اللامعة لورا إم هولسون انحدار عالمنا الحالي إلى تقديس الفرح والبهجة اللحظية، وابتعاده عن السعادة شيئاً فشيئاً، وكيف انتقل فهم الناس للسعادة من شعور بالاطمئنانية إلى دفقات من الفرح فحسب، فالفرح أكثر قابلية للتحقيق من السعادة الدائمة، وهكذا تبدو السعادة وكأنها بعيدة المنال، ولا ضير ببعض الفرح المؤقت المفاجئ لنبقى على قيد الحياة.

إذاً هل نعيش في عالم ما بعد السعادة؟

وفقًا لتقرير السعادة العالمية، الذي يُصنف 156 دولة بناءً على تصور السكان ورفاهيتهم، فإن السعادة في الولايات المتحدة آخذة في الانخفاض، حيث يقول الأمريكيون إنهم كانوا أقل رضاً في عام 2018 عن العام السابق، حيث احتلوا المرتبة 19 بعد أستراليا وكندا. لقد تركت هجمة الكوارث الطبيعية والاضطرابات الاجتماعية والصراعات السياسية الأمريكيين منهكين، والأسوأ من ذلك أنه يشير علماء النفس إلى أن القلق آخذ في الازدياد.

لا يعرف الكثير من الناس ما هي السعادة، ويجدون صعوبة في تحديد التعريف لها ويخلطون بينها وبين الدوبامين المفاجئ القادم من الفرح، إن تناول الشوكولا أو السكّريات مثلاً يعطينا جرعة مؤقتة من الفرح وهذا أمر مختلف عن السعادة قولاً واحداً، والخلط بينهما يجعلنا مدمنين لجرعات من الفرح واغفال السعادة الحقيقية، لا تتوقع مني تعريفاً واضحاً للسعادة، في الواقع للسعادة بعض الخصوصية عند كل شخص، ويصفها الخبراء بأنها حالة إيجابية من الرفاهية العامة مقترنة بإحساس لدى المرء أنّ لحياته مغزىً.

من الخطير هذه الأيام ذلك الخلط من الشركات والتسويق الذي يعتمد الفرح لتسويق منتجاته، أضحى التسويق بيع لحظات من الفرح المؤقت ليدمن عليها الناس، مثلاً تختار شركات المشروبات الغازية الفرح كعنوان لتسويق منتجاتها، وبشكل عام سيخبرك المسوقون أن شراء الأشياء سيجعلك سعيدًا على الرغم من أن العكس هو الصحيح أحياناً، إذ يعطيك الشراء دفعة من الفرح مؤقتة تتحول لحزن وندم ما بعد الشراء أحياناً بعد حين.

بالمقابل وجدت دراسة نشرت عام 2017 أنّ إنفاق المال على الوقت أفضل من انفاقه على الأشياء، ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أنفقوا أموالًا على أشياء ساعدتهم على توفير الوقت، مثل التوصيل أو خدمات التنظيف، كانوا أكثر رضىً مما لو اشتروا الحُلي أو النبيذ باهظ الثمن، ووجدت الدراسة أن الحصول على مزيد من وقت الفراغ ساعد في التقليل من التوتر.

مع صعود الشبكات الإجتماعية، وتصميمها المتقن على جعلنا مدمنين عليها، وبيعها الفرح بشكل لحظي عبر الإشعارات والإعجابات والتدفقات السريعة من الفرح، أصبح الخلط واضحاً بين الفرح والسعادة، ويلجأ الناس للاستعاضة عن السعادة بجرعات فرح مؤقتة من الشبكات الإجتماعية.

هل نعيش فعلاً في عصر ما بعد السعادة؟ هل انتهت السعادة التي كنّا ننادي بها على أنّها الطمأنينة في الحياة، وإيجاد هدف ومغزىً في الحياة، وتحوّل عصرنا إلى عصر الفرح المؤقت والبهجة المؤقتة بين حين لآخر كوقود يعيننا في تلك الحياة التعيسة؟