هدير طارق البدوي
هدير طارق البدوي

د

تأملات في قصيدة الحزن

كانت البداية حين سمعت مدرسة الحب للساهر منذ عدة أيام، ولسبب غير مفهوم وجدتني أنصت بعناية حين قال “لم أعرف أبدًا أن الدمع هو الإنسان، أن الإنسان بلا حزنٍ ذكرى إنسان” هل نبحث حقًا عن الشقاء ليكمل إنسانيتنا؟ أم أن الفكرة تكمن في التناقض، فحين نحزن، وفقط حين نحزن، سنعرف طعم الفرح.

طُبع بداخلنا إنه يمكننا تغيير الطرف الآخر، وأن الحب يمكنه تغييرنا، ربما هو صحيحًا، من غير المحتمل أن يكون لكن ربما.

السؤال هنا، هل نود ذلك؟ أنرغب في حبٍ يُزعزع كياننا، يعلمنا ولأول مرة الحزن والتيه، يبكينا ويضحكنا بإشارة اصبع من الطرف الآخر؟ أجل، أظننا جميعًا نبحث عنه… ولا نبحث فقط عن الحب، إنما نبحث عن هذه التجربة ذاتها، تجربة الحب التي تزعزع كياننا.

يقول نزار “وأنا محتاجٌ منذ عصور لأمرأة تجمع أجزائي، كشظايا البلور المكسور” يجرحنا الزجاج المكسور حين نحاول لملمة أجزائه، فلم قد يختار نزار البلور تحديدًا، هل حين تُكسر روح المحب بسبب تجربة سابقة لا يمكن تجبيرها سوى بجرح آخرين؟ وإن كان، لم قد تختار احداهن الجرح عن علم… أعتقد أنني قد توصلت للإجابة مُسبقًا، بسبب البحث عن التجربة التي تُزعزع كيانها.

أثناء بحثي وجدت أنه لقصيدة الحزن بقية… قصيدة الحزن هو الأسم الذي أطلقه نزار قباني على قصيدته، والذي غنى كاظم الساهر نصفها الأول في أغنية نكاد نتذكرها جميعًا بمجرد سماعها لمرةٍ واحدة، غناها تحت مُسمى مدرسة الحب، لا أعلم تحديدًا أهي الكلمات أم الصوت والألحان.

يقول النصف الثاني للقصيدة؛

علمني حبك
كيف أحبك في كل الأشياء
في الشجر العاري
في الأوراق اليابسة الصفراء
في الجو الماطر، في الأنواء
في أصغر مقهى نشرب فيه مساءًا قهوتنا السوداء
علمني حبك أن آوي
لفنادق ليس لها أسماء
ومقاهٍ ليس لها أسماء
علمني حبك
كيف الليل يضخم أحزان الغرباء
علمني كيف أري بيروت
أمرأة تلبس كل مساء
أجمل ماتملك من أزياء
وترش العطر علي خديها للبحارة والأمراء
علمني حبك أن أبكي من غير بكاء
علمني كيف ينام الحزن
كغلام مقطوع القدمين
في طرق الروشة والحمراء
علمني حبك أن أحزن
وأنا محتاجٌ منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامراة أبكي بين ذراعيها
مثل العصفور
لامرأة تجمع أجزائي
كشظايا البلور المكسور.

أعجبتني كثيرًا الأبيات الأولى، فحين نحب نحب كل الأشياء، ونحب في كل الأشياء، نحب حتى أوراق الشجر اليابسة الصفراء، بل ونراها جميلة تُذكرنا به… بالرغم من أنني أحب الخريف وبدايات الشتاء، إلا أنني أظن أن الشاعر أختار الشجر العاري والأوراق اليابسة لكي لا تمثل الجمال، بالرغم من ذوقي الشخصي، فقد اختارهم ليخبرنا عن أثر الحب، حتى في القُبح.

حين قرأتها للمرة الأولى ضايقني اختيار الألفاظ، لم لا نرى الحب في الجمال وفقط نراه في القبح، وها أنا ذا والآن فقط وبالكتابة قد وجدت إجابتي، لأننا وبغير الحب يمكننا رؤية الجمال، فنفرح بالشمس الساطعة والأزهار المتفتحة والأوراق الخضراء، لكننا بالحب وبالحب فقط، نرى الجمال فيما يراه العالم قبيحًا.

يراها الشاعر ويحبها في الأنواء، وإن كان يقصد منها النوء وهو النجم الغارب، أو النوى وهي الأسفار أو كلاهما.. يراها ويحبها في كل مساء، وفي أسفاره وترحاله.

أظنني وجدت إجابة سؤالي الأول، هل نبحث حقًا عن الشقاء ليكمل إنسانيتنا؟ الاجابة هي لا، ما يكمل إنسانيتنا حقًا هي المشاعر، حين نترك أنفسنا لنشعر سنصل لأعلى درجات الإنسانية، حين نترك أنفسنا لنشعر سنجرب الفرح، كما أنه لزامًا علينا سنجرب الحزن والتيه… هي تجربة مُتكاملة علينا القبول بها.

يعلمنا الحب أن نحزن، يفتح لنا أحضانًا على مصراعيها فقط لنبكي بداخلها، نترك أنفسنا وبإرادتنا الحرة للضعف والتيه، نتأمل أن نكون قد وجدنا من سيجمع شمل قطع أرواحنا المتمزقة، نرى المحبوب وإن أوجعنا هو الأجمل، نراه في كل شيء، ونرى كل شيء به جميلًا… وبالرغم من كل شيء نفرح به، أو ربما نفرح بسبب كل شيء.

مدرسة الحب – نزار قباني – كاظم الساهر