سميحة الصواف
سميحة الصواف

د

المثالية تقتل!

المثالية تقتل! هذه الفرضية المؤكدة على مر العصور لا زالت موضع لبس كبير! ولعل هذا لما للمثالية من إغواء يشعرك كونك اقتربت من كمال الآلهة بكل ما يحويه من قوة. تشعر بمسحة نورانية صعب تناسيها بينما تؤثر بك دون بد لدرجة تهميش كل ما عداها من إنجازات ونجاحات ولحظات جميلة قد تعيشها.

إن كنت تعيس الحظ وتجاور إحدى ملتمسي المثالية، فاعلم أن إدمانك أنت الآخر اقترب! فهذا المرض معدي إلى أبعد درجة كونه ينتقل بالإيحاء!

لن تعي دون بد منك تجرعك لسمومهم التي توحي لك أنك تستطيع التمتع بالمثالية فقط إن قررت! بالتأكيد إلتمسنا جميعاً وتذوقنا هذه المثالية بمرحلة ما أو موقف ما بحياتنا! ولن أزيف الحقائق هنا لأخبرك أن هذه اللحظات لم تكن الأعظم والأجمل.

لكن لعل كمال وجمال تلك اللحظات المثالية يكمن فى كونها غير متاحة على الدوام. فيغدوا ضرباً من المستحيل وربما نوع من تعذيب الذات إقرارنا بوجوب إلتماسها بكل تصرفاتنا. هذا الإدمان النفسي للشعور بالعظمة والصواب المطلق يغدو أكبر خطر عليك وعلى كل من يجاورك.

المثالية لا تقتل ممتهنيها فقط ولكنها تعد فعل إرهابي بحد ذاتها.. الشخص المثالي ممتهن العظمة يعامل الجميع بترفع مبالغ. فتراه إنتقائي ومتزمت ومدمن على إصدار الأحكام. يرى أنه من الطبيعي أن ينساق الجميع لقراراته وآرائه. ففي النهاية من قد يختلف مع حقيقة أن “لا يصح إلا الصحيح” أليس كذلك!

ما نغفلة حقا ان لطالما كان الصحيح مطاطيا, فما نعده ببلداننا العربيه صحيح نراه فى بلدان اوروبية ممنوع منعا باتا, بينما الفروق الفردية بيننا كبشر تجعل هذة المقارنة اسهل. ففشل شخص فى إتباع نظام غذائى مضنى اتبعة اخر ونجح به, لا يعنى بما لا يدع مجال للشك كون الاول فاشل !فربما ما يناسبك ويصلح لك لا يناسبنى على الاطلاق. فقدراتنا المتفاوته هى ما تجعلنا مميزين.

هنالك الكثير من الافلام التى عكست هذة الفكره, سنذكر منهم للمثال و ليس الحصرBlack swan, Whiplash, ولكن الفيلم الذى اريد التحدث عنه بإستفاضة اليوم هو فيلم The perfection. ليس لكونه الافضل و لكن لكونه الاكثر تجسيدا ومصارحه لمدى قبح المثالية وكون إدمانها لا علاج له وليس هنالك مصحات قد تساعدك بهذا للاسف ما لم تكن واعى لكونك مدمن عليها بالاساس.

البداية

تظهر لنا بطلة العمل” شارلوت”تجسده ذات الوجة الهادىء الجميل Alison Wiliams , شخصية يبدو عليها الضعف والحزين, يبدأ الفيلم بمشهد يظهر كونها فقدت والدتها منذ لحظات, والدتها التى فضلت ترك حلم الموسيقي والتى كانت بارعه بها, تركت مدرسة الموسيقيى ذات الصيت الكبير فقط لتجاور والدتها المريضه وترعاها, ولكن حزنها كان ملتبسا! فهى حزينه و لكن على ما يبدو ليس لفقد امها, بل بالعكس هى سعيدة لشعورها بالتحرر من مجاورة هذة المرأه العجوز المريضه.

يزداد إلتباسنا نن المشاهدين بحقيقة شعور البطلة بينما نراها تسجل رساله صوتية ترسلها لشخصان, سنعرف فيما بعد انهما مدير مدرسة الموسيقي التى لطالما عاشت بها وزوجته الجميلة. تخبرهم بوضوح “اخيرا توفت والدتى بعد صراع مع المرض دام لاربع سنوات”.

الحقيقة ليست دوما بهذا الوضوح

تذهب شارلوت لمدير المدرسة وزوجته فى احتفاليه كبيرة يقيمونها على شرف النجمه الجديدة” لايزى” والتى قامت بدورها الممثلة الجميله Logan browning , بينما من المتوقع ان تصير لايزى غريمة شارلوت الاولى, فهى تتمتع بكل ما حرمت منه شارلوت من نجاح وشهرة بينما اجبرت على ما يبدو على مجاورة والدتها, إلا ان سرعان ما سيصيرا اصدقاء مقربين الى ابعد حد بعد ان اعترفت لايزى لشارلوت كونها لطالما كانت مثلها الاعلى فى العزف التى تحاول دوما تحسس خطاها بغية الكمال.

تطورت علاقتهم السريع يوحى بالريبة لنا كمشاهدين ولكن علامات السعادة والوفاق التى تغلب على الاثنتين تسكن داخل عقولنا كمشاهدين الإحتمالات السيئه. تعرض لايزي على شارلوت مصاحبتها فى رحلة برية فتوافق بترحاب.

الكنز في الرحلة

تصاب لايزى بتوعك كبير تتشابه اعراضه مع مرض حديث ذاع صيته مؤخرا, ولكن لايزى تنهار حالتها شيئا فشىء مما يضطر السائق لطردهما من العربه ليقفا وحديتين فى البرية. تزداد المشاهد جنونا بينما نرى لايزى ويداها تنشق عن حشرات كثيرة بينما يجن جنونها وتصرخ بشارلوت لتساعدها, فما يكون منها الا ان تعطيها شارلوت ساطورا تقطع به يدها لتوقف سيل هذه الحشرات.

تفيق لايزى وحيده بينما نتأكد كمشاهدين وتتأكد هى فيما بعد ان ما هذا كله الا بتدبير من شارلوت, فقد دست لها حبوب الهلوسه وتتابعت على نقل الوهم لها ليتفاقم بها الوضع لتقطع يدها وبذلك تثنيها عن اى نجاح تمتعت به طوال تلك المده.

ترجع لايزى للمدرسه لترى انها ليست بموضع ترحاب كما كان بالسابق بعد ان فقدت يديها وفقدت معها هبتها بالعزف. تقرر لايزى الإنتقام من شارلوت على ما فعلته بها فتخطفها وتحضرها للمدرسة رغبة بتحقيق العداله بها على ما فعلتة بها.

الحقيقة ليست دوما بهذا الوضوح، صدقني!

يعنفها بالبدء صاحب المدرسة بوازع ابوى ان ما فعلته بلايزى يعد جنونا بينما اقنعتها بقطع يدها بنفسها! لتفاجئه وتفاجئنا شارلوت بحقيقة الامر! ان ما فعلتة بلايزى كان فقط بغرض إنقاذها منه ومن تلك المدرسة! فبينما كانت تستمع لعزفها المثالى على حد قوله حتى إجترت كل ما حدث لها داخل هذة المدرسه بينما كان يتناوب على إغتصابها وهى طفلة صغيره كنوع من العقاب”دفع الثمن” حتى تحسن من نفسها وعزفها وتجعله كامل ومثالى ولا يشوبه خطأ. كانت تعلم شارلوت ان لا مجال لإخراج لايزى من قبضة هؤلاء المختلين الا بجعلها معطوبه وغير مثاليه فيتعففوا عنها ويتركوها ترحل بما تبقى لها من حياة قد يكون حظها سعيد وتعيشها. وقد يكون حظها افضل من شارلوت التى قضت حياتها بعد خروجها من هذة المدرسه متنقلة بين المصحات النفسية لتتعافى مما تكبدته وعانته داخل اسوار هذا المكان وعلى يد هذا المجرم المتنكر بهيئه ملائكية.

يثور صاحب المدرسه مريض المثالية والمنزه عن الخطأ ليضربها ويفقدها وعيها, لتستيقظ مكبلة بنفس المكان الذى اعتاد به إغتصابها كعقاب حين تخطأ بالعزف فى محاولة منه لإقترار شعورة بالقوه . يطلب منها العزف بمثالية غير قابلة للتهاون وإلا…… تتصاعد الاحداث وتحتد بعد ان تخطأ شارلوت بهفوة بسيطه ليحكم عليها بما إمتثلت الية قديما مرغمة. تحتد اللحظة اكثر واكثر بينما تشترك لايزى معهم متشفية من شارلوت لما فعلته بها بحرمانها من هبة العزف التى لا تفقة غيرها.

بينما نتخبط كمشاهدين فى الحكم على كل من بالمشهد من شارلوت بفعلها الدنىء بما يحمل من نوايا حسنه ,ومن فعل مدير المدرسة الذى يبدو للوهلة الاولى مثالى ولكن يحمل بين طياتة اقذر النوايا ,وبين غضب لايزى المبرر الذى ساقها لهذا الإنتقام المشين !وبينما يلوح الانتصار بالافق لصاحب المدرسة ومدرسية اللائى لا يختلفون عنه مرضا حتى تنقلب الاحداث رأسا على عقب . يظهر لنا كمشاهدين طبقة اخرى من القصه لم يكن قد تم الكشف عنها سابقا؛ توضح ان شارلوت قد بررت للايزى ما فعلته بها بعد ان جعلتها تقطع يديها واكدت لها انهم سيهملونها بعد ان صارت غير مثاليه باعينهم وان ما كان بيدها الا هذا الفعل الفظيع لتحميها من الإستمرار فى هذا المكان المسمم!ونعرف ايضا ان قدوم شارلوت للمدرسه مكبله على يد لايزى ما كان إلا خطه اتفقا عليها سويا للانتقام من مدير المدرسه الذى سمم افكارهم واجسادهم الطفولية البريئه متدعيا انه يقومهم ليلتمسوا سبيلهم للكمال. ينتهى الفيلم بمشهد موحش ولكن يعلن عن انتصار البطلتان رغم خساراتهما التى لن تعوض.

لن انكر كون الفيلم دمويا ولا تصلح مشاهدتة لمن هم اقل من 18 سنه, لكن ما وراء كل هذا الدم لا يقل دموية. فالمثالية تقتل وتبيد شعوبا نفسيا وجسديا , فلا تحتاج ان تكون جبارا ذو جاه لتقهروتظلم لكن يكفى ان تكون مدمن على المثاليه لتتشارك مع هذا الجبار فى وحشيتة. الإشكالية الاكبر إنك ستظل بوسامة الأبرياء بينما تمارس ظلم الجبابرة وحينها تكون اخطر. فاحذر يا صديقى من ان تدمن المثالية واحذر كذلك مصاحبة المثاليين.