رانيا شيخ عبدو
رانيا شيخ عبدو

د

سلبيات شخصيتك من منظور إيجابي

تتكون شخصية الإنسان من مجموعة من الصفات الأصيلة والمكتسبة، فمنذ أن يولد الطفل تولد معه صفاته الأصيلة التي ترسم شخصيته المستقبلية، ثم يكتسب خلال مسيرة حياته العديد من الصفات الأخرى من خلال البيئة التي نشأ فيها، بالإضافة إلى عدة عوامل أخرى مؤثرة في شخصيته كالتعليم والثقافة وبيئة العمل والظروف الاجتماعية والنفسية التي يتعرض لها.

ليس هناك شخص سيئ الصفات بالمطلق، ولا آخر حسن الصفات بالمطلق، فالكمال خاصية لا يتمتع بها الإنسان وهذا أمر معروف للجميع؛ إذن من البديهي أن تجتمع لدى شخصية كل إنسان صفات سلبية وإيجابية في آن معاً.

تُفرز عادةً صفات الإنسان إلى مجموعتين: صفات سلبية (عيوب) وصفات إيجابية (محاسن). لكن هل فكرت يوماً ما بأن صفات شخصيتك السلبية قد تكون سمات إيجابية إذا عرفت تمامًا كيفية استغلالها على النحو الصحيح؟

إن السلوك السائد عامةً بين البشر هو محاولة إخفاء الإنسان سلبيات شخصيته وتجنب التحدّث عنها في مقابل السعي دوماً إلى إظهار الجانب الإيجابي منها أمام مجتمعه، وخاصة الدائرة المحيطة به كالعائلة وزملاء العمل والأصدقاء، …الخ. كل ذلك يعود لاعتقاده الراسخ -وهو أمر فرضته الطبيعة البشرية- أن السلبيات منفّرة للأشخاص المحيطين به، وهنا يخشى الشخص أن يفقد مركزه الاجتماعي أو يخسر علاقاته الاجتماعية أو مكانه في العمل.

ما يجهله الكثيرون أن بعض الصفات السلبية هي صفات إيجابية في الوقت ذاته عندما يتم التركيز على توظيفها في الوقت والموقف المناسبين، واستغلالها واستخدامها بصورة صحيحة، وهنا يستطيع الشخص استخراج نتائج إيجابية وحسنة من صفات بداخله كان يظنها طوال الوقت سلبية بالمطلق وعليه كتمانها. لتوضيح المقصود بذلك، لا بد من ذكر بعض الصفات السلبية –على سبيل المثال لا الحصر- التي يمكن أن تكون إيجابية لأصحابها.

صفات سلبية يمكن أن تصبح إيجابية:

العناد:

على الرغم من أن الرأي العام السائد عن الشخص العنيد أنه شخص سلبي، وأن التعامل معه أمر مزعج، إلا أن الأشخاص العنيدين يعرفون تماماً ما يريدون، وهم أناس مثابرون لا يستسلمون أو يتخلون عـن أحلامهم مهما تعرضوا لصعوبات أو معوقات أو خطط عمل فاشلة، تحفّزهم صفة العناد على السعي الحثيث بإصرار وشغف من أجل تحقيق أهدافهم وطموحاتهم دون كلل أو ملل، معتبرين الأمر تحدياً بالنسبة لهم. لا يتأثر الأشخاص العنيدون بآراء الآخرين بسهولة، فهم منفصلون عن التأثيرات الخارجية مع انفتاحهم لوجهات النظر الأخرى، ولا يسعون إلى إرضاء الناس، بل يتمسكون بمعتقداتهم وقيمهم ويكونون أكثر حسماً في اتخاذ قراراتهم المبنية على قناعة راسخة بها؛ لذا فإن القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة هي من المهارات التي يتمتع بها هؤلاء الأشخاص والتي تؤهلهم لتسلم المناصب والمسؤوليات القيادية، إذ أن التردد والتذبذب في اتخاذ القرارات ليسا من سمات القائد الناجح في مكان العمل.

برودة الأعصاب والغموض:

يفضل الناس عدم التعامل مع الشخص الغامض شديد الكتمان الذي يتصف ببرودة الأعصاب أو البلادة الحسية، ويعتبرونه من الشخصيات المستفزة غير المريحة في التعامل، غير مبالية أو مكترثة لما يدور حولها. ورغم العيوب المرتبطة بهذه الشخصية، إلا أنها تتميز بقدرتها على الإنصات بشكل لافت للآخرين ولفترات طويلة، ويمكن أن توظَّف هذه الميزة في مكان يتطلب القدرة على ضبط النفس كالأعمال التي لها علاقة بالتفاوض، فهي شخصية ليست سريعة الغضب بل إن هدوء أعصابها وحسن إنصاتها يجعلانها الشخصية الأقدر على الوصول إلى نتائج باهرة في المحصلة. كما أن هذا النمط من الأشخاص غير متهور في تصرفاته ولا يعنيه التدخل في شؤون الآخرين. وعلى الرغم من صعوبة التعامل مع هذا النمط من الشخصيات، إلا أن امتلاكها لأعصاب باردة بات ميزة في عصرنا الحالي المليء بالتحديات والمواقف والأحداث العاصفة التي تستوجب التعامل معها ببرود ولا مبالاة، فهنيئاً لهؤلاء الأشخاص!

الإفراط في التفكير:

وهو كثرة التفكير في أمر ما، أو تفاصيل معينة، أو هو إجمالاً التفكير في كل شي طوال الوقت إلى الحد الذي قد يصل إلى تضخيم الأمور في غالب الأحيان بإعطائها أكبر من حجمها، وبأبعاد غير منطقية، ويعود ذلك إلى الشعور المتواصل بالقلق من المجهول أو المستقبل، والندم على مواقف وأحداث معينة في الماضي.

 يؤثر التفكير الزائد أو المفرط سلباً على الشخص نفسه أولاً ثم على محيطه، فالإفراط في التفكير يقلل من مناعة الشخص ويصبح أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والجسدية وهو ما سينعكس أيضاً على الناس المحيطين به والذين يعيشون معه؛ إذ أنه قد يسبب مشاكل في الجهاز الهضمي كالتهاب الأمعاء ومتلازمة القولون العصبي، والإجهاد والقلق، ومن الممكن أن يتعرض الشخص لأمراض في القلب، كما أن كثرة التفكير بشكل مفرط قد تؤثر على خلايا المخ والذاكرة في المستقبل. كان التفكير الزائد أو المفرط يعدّ عيباً من عيوب الشخصية وصفة غير مرغوبة بها، ودائماً ما كان ينصح الشخص الذي يفكر بشكل مفرط بالتوقف عن التفكير، وضرورة تجاوز الأمور، وعدم الوقوف عند كل شاردة وواردة كما يقال، والمضي قدماً في الحياة إلى أن أظهرت أبحاث سيكولوجية لها علاقة بعلم النفس أن هناك العديد من الفوائد التي يمكن الحصول عليها من الإفراط في التفكير، فهي تساعد الشخص في عمله، وعلى الابتكار، وفي الأبحاث والدراسات. لقد تبيّن أن ذوي التفكير الزائد أشخاصٌ خلاقون، ومبدعون، ويستطيعون إيجاد حلول للمشاكل أكثر من غيرهم؛ فهم يدققون في تفاصيل كل شي ويلاحظون الجوانب التي لا ينتبه إليها الكثير ممن لا يمتلكون هذه العقلية والمنهجية في التفكير، فالذي يفكر أكثر يجمع معلومات أكثر ويكون لديه قاعدة بيانات أكثر وآراء وحقائق وقدرة على التحليل أكثر، وإن أي قرار متخذ حينها لا بد أن يكون أقرب للصواب مع توفر هذه المعطيات جميعها. كذلك فإن هذا النمط من الشخصيات لا يمكن أن يكون خاملاً أو كسولاً فهو مشغول بالتفكير أغلب أوقاته، ويضع أكثر من سيناريو وحل لعدة مسائل وقضايا مطروحة أمامه، لذلك من الأجدر توجيه أفكاره نحو التفكير بحلول ونقاط إيجابية، ولعل وجوده في مواقع ومناصب العمل التي تتطلب مهارات كحل المشاكل والتخطيط هو ما يناسبه حقاً ويؤتي ثماره.

ختاماً، ليس الإنسان محكوم بصفاته كما هو شائع، بل إن صفاته هي المحكومة بعقله وإرادته. وإن التسرع بالحكم على الصفات الشخصية السلبية ووضعها ضمن العوامل المؤثرة سلباً على النفس هو أمر غير صائب، ويضيع على الشخص فرص توظيفها إيجاباً في جوانب الحياة العملية المختلفة. وإن استغلال هذه الصفات إيجاباً يعتبر أحد أنواع تطوير الذات وبناء الشخصية من خلال التحايل عليها بإعادة توجيهها نحو المسار الهادف والبنّاء. المفارقة أن كلمة “التحايل” في الجملة الأخيرة هي مفردة ذات مدلول سلبي؛ إلا أن السياق الموضوعة فيه جعل دلالتها إيجابية في هذه الحالة الاستثنائية!

وأنت عزيزي القارئ: هل فكرت يوماً بإيجابية عيوب شخصيتك واستفدت منها، أم أن المقال وجه نظرك إلى نقاط كانت غائبة عن ذهنك؟