زمردة والذئبة الحمراء
زمردة والذئبة الحمراء

د

حينما يهاجمك جسدك… عن تجربتي مع الذئبة الحمراء أتحدث!

دعوني أعترف أنها المرة الأولى التي أتحدث فيها علانية عن مرضي، فمنذ إصابتي بالذئبة الحمراء منذ خمس سنوات تقريبًا وأنا أخفيه عن غالبية أصدقائي وأقاربي، فقط دائرة صغيرة للغاية من المقربين مني يعلمون بأمره، وربما هذا ما دفعني لإخفاء هويتي والكتابة تحت اسم مستعار، الأمر ليس له علاقة بالشفقة كما تظنون بل هو بالخوف!

فالهلع الذي أراه في أعين المحيطين بي يربكني ويخفيني كثيرًا، فحينما تكون رافضًا للمرض مثلي تحاول على قدر المستطاع أن تتناسى وتتعايش حتى أنك قد تصدق الكذبة التي نسجتها حول نفسك بأن الأمر بسيط كنزلة البرد الموسمية في الشتاء القارص ولكن نظرات الخوف والقلق التي تواجهها في كل مكان تعيدك إلى الواقع بسلاسل من حديد، وتضعك في مواجهة مخاوفك التي لطالما حاولت الاختباء منها.

في البداية لنتحدث قليلًا عن المرض، فهو يبدو غامضًا للكثير ليس فقط بالنسبة للناس العادية بل يمتد للعديد من الأطباء الذين قابلتهم وعجزوا عن التعامل معي واعتبروني حالة نادرة لابد من دراستها، وربما سُلط عليه بعض الضوء بعد إصابة المغنية الشابة سيلينا غوميز وانتشار صورتها الشهيرة بجوار صديقتها التي تبرعت لها بكليتها بعد إصابة غوميز بالفشل الكلوي.

ببساطة ما هي الذئبة الحمراء؟

هي مرض مزمن يصيب الجهاز المناعي فيحدث خللًا في أداء وظيفته الأساسية ألا وهي حماية الجسم من العدوى الخارجية المتمثلة في الفيروسات والبكتريا والجراثيم…الخ، ليبدأ الجهاز المناعي بمهاجمة أعضاء مختلفة من جسم الإنسان بدلا من حمايتها، بمعنى أخر الجهاز المناعي في الجسم يلعب دور المدافع عن الإنسان في حال تعرضه لأي أجسام غريبة ولكن في حالة الذئبة يحدث خللًا في نظامه فيبدأ الجهاز المناعي باستهداف ومهاجمة خلايا وأنسجة الجسم بدلًا من الدفاع عنها.، وبالتالي يفقد أحد أهم خواصه والتي تتمثل في التمييز بين الأجسام الغريبة المؤذية وأنسجة الجسم الطبيعية.

الأسباب الرئيسية مازالت مجهولة حتى الآن و لكن هناك عدة عوامل تؤثر في الإصابة بالمرض:

العامل الوراثي: فهناك أشخاص يحملون استعداد وراثي أكبر للإصابة بالمرض في جيناتهم عن غيرهم، وغالبًا ما تضم عائلتهم مريض أو أكثر بأحد الأمراض المناعية (لا يشترط أن يكون مريض ذئبة).

عوامل النوع: وفقا لمؤسسة الذئبة الحمراء الأمريكية (Lupus Foundation of America) هناك ما يقرب من 1.5 مليون شخص في الولايات المتحدة مصابون بالمرض بينما هناك أكثر من 5 مليون شخص مصاب بشكل من أشكال الذئبة المرضية حول العالم.

وسكان أفريقيا وآسيا والسكان الأصليين الأمريكيين (الهنود الحمر) هم الأكثر عرضة للإصابة بمرض الذئبة وعلى الرغم أن المرض قد يصيب كلًا من الرجال والنساء إلا  أن 90٪ من المصابين بالمرض هم من النساء، وغالبا ما يستهدف المرض  النساء في سن (14-45 سنة) .

عوامل بيئية: قد يؤثر التعرض لمادة كيميائية أو الإصابة ببعض الفيروسات – كما حدث لي- بتحفيز أو تنشيط مرض الذئبة الحمراء للأشخاص الذين يحملون استعدادًا وراثيًا.

الهرمونات: الهرمونات الأنثوية قد تلعب دورًا في تطور مرض الذئبة وتعد السبب وراء إصابة النساء بنسب أكبر من الرجال في كثير من الأحيان. وهذا ينطبق بشكل خاص على النساء خلال سنوات الإنجاب أو الخصوبة.

هناك عدة أنواع لمرض الذئبة الحمراء..

ربما أخطرهم على الإطلاق الذئبة الحمراء الجهازية أو (systemic lupus erythematosus (SLE والتي تم تشخيصي بها، مشكلة هذا النوع من المرض أنه يهاجم الأجهزة الحيوية في الجسم في البداية قد يستهدف المفاصل والعضلات ثم مع الوقت قد يصيب الكلى أو الرئتين أو القلب.

لماذا أكتب اليوم؟

أكتب اليوم عن الآلام.. تلك الآلام التي لا يستطيع الجميع فهمها، فمريض الذئبة يكافح طوال الوقت لكي يبدو طبيعيًا قدر المستطاع، المحيطون به لا يتفهمون آلامه وكفاحه اليومي من أجل القيام بأبسط الأنشطة البدنية، أتحدث اليوم عن تلك الآلام اللعينة التي تنهش جسدي كل دقيقة بلا هوادة، لأشاطر الملايين من المرضى مثلي تلك المخاوف القلقة حيال قدراتنا البدنية المنهكة، عن تقبل المرض وأوجاعه…عن تلك الأعراض التي غيرت حياتي إلى الأبد.

قبل اكتشاف المرض

لا أعرف كيف يمكنني وصف شعوري حينما عجزت عن القيام عن المقعد بمفردي للمرة الأولى، تخيل معي يا سيدي فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها تملأ الدنيا مرحًا بأحلامها التي لا تنتهي تنام أكثر من أربع عشرة ساعة متواصلة دون جدوى، آلام متفرقة تغزو جسدي النحيل وتجعلني كعجوز في أواخر الشيخوخة، شهور طويلة قضيتُها على سريري على أمل أن يزول هذا الإرهاق البدني المتواصل، ولكنني لم أكن أدرك حينها أن النوم لا يسبب سوى مزيد من الآلام!

تخيل معي…أن عضلات الفك تؤلمني باستمرار لدرجة أنني بت أشعر أنه ثُقل كبير يصعب علي حمله، زجاجات المياه الغازية تحتاج إلى قوة خارقة من أجل نزع غطائها، والسلالم هي عدوي الأكبر في الحياة، تلك كانت البشائر الأولى لظهور المرض التي لم أعلم حينها إصابتي به.

ستة أشهر مضت على تلك الأوجاع وأبت أن ترحل عن جسدي، فلم يكن هناك مفر من اللجوء للأطباء، فمرت ستة أشهر أخرى لكي يستطع أحد الأطباء حل لغز المرض، لا أعرف لماذا استبعد عدد كبير من الأطباء الذين زرتهم احتمال الأمراض المناعية وظلوا يتحدثون باستمرار عن متلازمة التعب المزمن والروماتيزم!

بعد اكتشاف المرض

في الواقع حين اكتشفت مرضي لم أفهم ما يعنيه جيدًا أن تكون مصابًا بمرض مزمن، تصورت أنني بمجرد تناول الدواء سأتعافى وأعود إلى سابق عهدي، ولكنني كنت مخطئة فمع تناول الأدوية لم تذهب الآلام كليةً بل أصبحت أخف وطأة عن ذي قبل.

هناك سؤال يدور في أذهانكم…ماذا عن المسكنات؟

المسكنات يا أعزائي هي حل مؤقت لا يستمر سوى لساعاتٍ معدودة والاستمرار في تناول المسكنات دون حساب سيكلفني الكثير من المتاعب في المستقبل، ناهيكم أن المسكنات المتداولة المعروفة لا تتناسب مع حجم الآلام التي أشعر بها، لذا يصف الأطباء لي أنواع أخرى من مضادات الالتهاب الغير ستيرويدية يتناولها مرضى الروماتويد والروماتيزم وربما مرضى الفيبرمالجيا أيضًا.

التأقلم مع المرض صعب ولكن مع الوقت أدركت أنه جزء لا يتجزأ من حياتي، شئت أم أبيت سيظل داخل خلاياي ينهش عظامي ويُهلك مفاصلي وربما مع الوقت قد يتسرب إلى أجهزتي الحيوية، وأعلم أن المواجهة بيني وبينه ستحتدم حينها!

لا شك أن إصابتي بالمرض غيرت نظرتي للحياة بأكملها، فما عدت أستطيع العمل يوميًا لفترات طويلة كما في السابق، ما عدت أحب الشتاء وأكره الصيف، فالشتاء لمريض الذئبة يعني مزيد من البرد الذي ينخر في عظامه، لم يعد لدي صبر لاحتمال مزيد من الشخصيات اللزجة في حياتي بينما أدركت قيمة الأسرة التي ربما ثُرت عليها في مراهقتي الساذجة، لقد أكسبني المرض نضجًا قبل الأوان ومنحني القدرة على تمييز بين ما هو ضروري حقًا للحياة وما هو زائف.

لو يسمح لي الزملاء في أراجيك أن أكتب عدة مقالات عن رحلتي مع المرض مرورًا بالحمل والولادة وأيضًا عن أعراض المرض، وأنواعه، ونوباته، والاكتئاب الذي يسببه سأكون ممنونة للغاية، واسمحوا لي أن أطلق على تلك المقالات اسم قد يبدو طفوليًا ولكنه الأقرب إلى قلبي.. (زمردة والذئبة الحمراء) وعلى غرار (ماشا والدب) سنحاول أن نهزم الذئاب سويًا ☺.