عزة عبد القادر
عزة عبد القادر

د

وسوسة المرآة!

المطاردة الإعلانية!

أصبح فقدان الوزن حلما يراود الملايين، لكن معظمنا لا يريد أن يتعب ويبذل الجهد للتخلص من الوزن الزائد والدهون المتراكمة، ولا يريد أن يعمل بالحكمة البليغة ذات المفعول السحري في تخفيض الوزن (قلل أكلك.. زود جهدك) ، فإن الكثير منا أصبح مصاب بوسوسة المظهر الخارجي ، مما يجعله في حيرة واضطراب في غالب الأحوال ، فكل يوم تطاردنا إعلانات لمنتجات جديدة تتكلم عن الوزن المثالي وكيفية تجنب السمنة ، فالآن يمكنك أن تخسر 10 كيلو جرامات بدون أن تتحرك من مكانك فلا داعي للقلق ، فقط كل ما عليك فعله أن تتناول كوباً من الشاي الأخضر الإنجليزي لتحصل على وزن مثالي ، أو يمكنك الاستعانة بعصير الفحم  لتفقد أكثر من 15 ك (خمسة عشرة كيلوات) ، ولا تنسى أن خليط الردة مع العسل يساعدك تماماً في الحفاظ على رشاقتك .

في خضم زحام العروض الإعلانية لا يعرف العملاء ماذا يجب عليهم  فعله ، حيث يشعرون بالتشتت في اختيار ما يناسبهم ، وفي النهاية ربما ييأسون ويفقدون الثقة في الأعشاب الطبيعية ومنتجات التخسيس رغم  إن بعضها يعد فعالاً في حرق الدهون أكثر من الأدوية الكيميائية ، ولكن القضية تكمن في سوق المبيعات والمضاربة الشرسة بين أصحاب الشركات من الأطباء ورجال الأعمال .

الحبة السحرية تضرب رجال الأعمال في مقتل!

على جانب آخر يبرز الدور الكبير لقنوات اليوتيوب في جذب الزبائن ، وذلك للحصول على ما يرغبون بدون بذل الأموال ، فالغرض يكون اقتصادي بحت لأن السوشيال ميديا تعد أقل كلفة من شراء المنتج الهندي الذي يساعدك في خسارة الوزن ، حيث يجد المتابعين من الشباب كل ما يسرهم من وصفات طبيعية وتمارين رياضية تستطيع ربة المنزل أن تشاهدها ثم تطبقها بسهولة شديدة ، وفي ذات الوقت يمكنها حفظها وإرسالها إلى أقاربها وأصدقائها في أي وقت .

لقد حققت كثير من قنوات اليوتيوب شهرة هائلة من جراء  عرض بعض  خلطات الأطعمة التي تساعد على التخسيس والتخلص من السعرات الحرارية ، فقد تحدثت قناة أسرار الجمال الطبيعي عن أثر شراب الجنزبيل بالليمون على إنقاص الوزن والتخلص من الكرش عند الرجال ، وقناة (وصفات سحرية مع مايا ) التي نشرت فيديو عن الحبة السحرية التي تجعلك تخسر وزنك وفي ذات الوقت تأكل كل ما تريد ولا تحرم نفسك مما تحبه وهي (الحبهان) يمكنك أن تتناول الحبهان  مع الشاي الأخضر في الصباح على الريق ثم تنتظر ساعة وبعدها تسطيع أن تلتهم النشا والحلويات كما تريد ، أما قناة (مازن السقا) فإنها تختص بعمل مشروبات طبيعية تساعدك على سرعة الحرق والتخسيس في ثلاثة أيام .

لقد تصاعدت وتيرة المنافسات الاستثمارية بين شركات إنتاج الأعشاب الطبيعية المستخدمة في التخسيس وبين شركات الإتصالات والانترنت من ناحية وبين الأفراد أصحاب الأفكار الواعدة في مجال الريجيم ، فقد خسرت كثر من الشركات ملايين الجنيهات في تلك اللعبة الخطرة التي عملت على كشف سر المهنة للعملاء ، وذلك نتيجة بديهية للعولمة التكنولوجية التي تعلي فئات إلى أعلى الجبل وتخسف بأخرى إلى هوة سحيقة .

وسواس النحافة!

لقد  زاد الهوس بالمرآة والموضة إبان عهد التسعينات وكانت العادة في تلك الفترة هي  إتباع خطوات محددة والسير على ريجيم معين ، فكانت النساء تتهافت على عيادات التجميل حتى تستطيع أن تصل إلى جسد رشيق ، ثم زادت الهستيريا أكثر وأكثر إبان عام 2000 و2020(الألفينات) إلى أن وصلت المسألة في بعض الأحيان إلى (وسواس النحافة) الذي أصبح يستنزف جيوب المرأة والرجل على حد سواء ، وهو وسواس يصيب المرأة على وجه الخصوص يجعلها تنظر في المرآة بشكل زائد ويتهيء لها أن وزنها في زيادة دائمة ، وترى أنها تبدو سمينة إلى حد ما ، ويتبع ذلك ان تمتنع الفتاة أو المرأة عن الطعام أو تأكل فتات من الغذاء ، والمشكلة في تلك الآفة إنها تؤدي بها في النهاية إلى الإصابة بالأنيميا  الحادة التي من الممكن أن تفقدها حياتها بسبب حدوث بعض المضاعفات في بعض الحالات التي ينتج عنها السكتة القلبية ثم الموت.

 ليكن شكلك متسق مع روحك!

إن العالم الحديث يمتليء بالمتناقضات ، فإما أن تجد الصحة مع الإطمئنان وإما أن تجد الرفاهية مع انعدام الإيمان ، وكأن مجتمع العولمة يخبرنا بأنه من الضروري أن نسير في ركابه وإلا سيأكلنا ويهزمنا ، والمشكلة تنبع من الفراغ وإدمان التسوق والانكباب على برامج الانترنت والقنوات الفضائية ، رغم أن كل تلك الاختراعات هي غاية لراحتنا وإسعدنا وليست العكس ، ولكن الحل ليس مستحيلاً بل الدواء في أيدينا وهو أن نعلم يقيناً إن الآلة التي نكتب عليها هي مسخرة لنا وليس نحن المسخرين لها ، إنها في خدمتنا ولسنا نحن من نخدمها ، فلا يجب أن تحشو في عقولنا إلا ما نريده لأن نحن من يديرها وليست هي ، إذا أيقنا ذلك الأمر فلن نضيع أوقاتنا هباءاً ، ولن تستغرقنا الموضة كل تلك الأوقات ، وهذا لا يعني أن المظهر والشكل الخارجي ليس هاماً ، ولكن هذا يعني أن تلك الأشياء المظهرية لها وقت محدد ولا يجب أن تسرق أوقاتنا ، وفي النهاية فإن الإرادة والإيمان بالله يجعلنا نثق بأشكالنا التي من المفترض أن تتناسق مع أرواحنا وأن نتمسك بتراثنا بعيدا عن سموم العولمة الغربية .