مدونات أراجيك
مدونات أراجيك

د

تأثير الأغلبية: ما بين قناعاتك الشخصية و ما يعتقده الآخرون

تدوينة: سلمى البكري

في ظل هذه الموجة العارمة من تنوع الآراء و المفاهيم في العصر الحديث، و انسياق الجموع وراء الأحدث و الأجمل ربما ننسى أن نسأل أنفسنا إن كنا نرغب حقًا فيما نعدو وراءه.

تعبث المعايير الرائجة باختياراتنا و تولد فينا الشعور بالدونية و الظلم إن اخترنا طريقًا عاديًا، الأمر ليس أن السعي للأفضل شيء سيء، بل السيء هو التقليل من شأن من يسلك الطريق كما قال الكتاب فقط، لم يخرج عن السرب قط، لم يفكر خارج الصندوق، هو فقط فضّل الأمور كما هي عليها، و لكن للمجتمع رأي آخر، رأي دمر مفهوم البساطة بشكل ساحق، بطريقة تجعل كل من يذهب إلى عمله سيرًا على الأقدام و ليس بطائرة نفاثة غير طبيعي بل و مثيرًا للسخرية أيضًا!

أو ربما هكذا يعمل عقل الإنسان محاطًا بالأغلبية!

تجربة دكتور سلمون آش، الطبيب و رائد علم النفس الاجتماعي في الولايات المتحدة، حول الامتثال الجماعي

في تجارب آش للامتثال، أجريت التجربة على 50 طالبًا من كلية ساوثمور، يخضع متطوع و مشاركون آخرون لتجربة بصرية، و لكن ما لا يعلمه المتطوع أنه المشارك الحقيقي الوحيد في التجربة و بقية المشاركين ممثلون، تلقوا تعليمات من الباحث حول أدائهم في التجربة.

ثم يعرض الباحث مجموعة من البطاقات المصورة لخطوط مختلفة الأطوال و سؤالهم بعض الأسئلة عنها، في البداية تكون الإجابات صحيحة، ثم تبدأ مجموعة الممثلين بتقديم إجابات خاطئة. و هنا كان عنصر المفاجأة!

إذ أن المتطوع أقدم بدوره على تقديم نفس الإجابة الخاطئة، و خالف ما تراه عيناه بشكل واضح و امتثل لرأي الأغلبية.

فيديو يوتيوب

75% من المشاركين امتثلوا لرأي الأغلبية على الأقل مرة واحدة، و 25% فقط لم يمتثلوا أبداً.

في تجربة مشابهة أجريت على مجموعة أخرى و لكن بدون ضغط، أو تأثيرات خارجية من ممثلين، أقل من 1% أعطوا إجابات خاطئة .

بعد ما تمت مقابلة المشتركين بعد التجربة، و سؤالهم حول إجاباتهم، معظمهم قالوا أنهم لم يكونوا على اقتناع بإجاباتهم أصلاً، و لكنهم فضلوا التماشي مع رأي الأغلبية خوفاً من أن يتم الاستخاف بإجاباتهم أو اعتباراها غريبة! وقليل منهم اعتقدوا حقاً بصحة إجابات المجموعة.

و يترك لنا هذا الاستنتاج احتمالين لتأثير الجماعة على رأي الفرد، الأول هو التأثير المعياري: و هو تأثير الآخرين على الفرد بالشكل الذي يجعله مرتبطا بهم و مقبولا من قبلهم، و الثاني هو التأثير المعلوماتي: و هو قبول المعلومات من الآخرين كدليل على الواقعية.

هل مازلت تعتقد أنك صاحب قرارك الأول و الأخير؟

تجارب آش للامتثال ما هي إلا حقيقة المجتمعات في العصر الحالي، تأثير الأغلبية على الفرد أصبح قوة عظمة تفوق أي مؤثر آخر.

في دراسة أجرتها RSPH | The Royal Society for Public Health حول تأثير الأفراد في منصات التواصل الاجتماعي يعد انستجرام أسوا منصة اجتماعية تؤثر بالسلب على الصحة العقلية للشباب.حسب ما تقلو الدراسة فإن متابعة المشاهير و مقارنة جودة حياتهم بالواقع، تجعلهم يضعون نمط معين للسعادة و تصيب الشباب بالاكتئاب و الأرق.

تلك الصدمة ما بين الواقع و أنماط حياة الآخرين، تزرع في الفرد خوف أنه يفتقد شيئا ما سيجعل حياته أفضل.

عزيزي القارئ، للمجتمع قدرة خارقة على تحويل كل ماهو رائج إلى أيقونة من يخرج عنها لا يتم حسبانه و يعاقب بالتجاهل و التهميش، لكن دعني أؤكد لك أنه لا ضير من المعايير البسيطة، لا داعي لأن تعدو وراء مجتمع تتفاقم فيه المبالغة كورم خبيث، بشكل يبعث على الخوف لما سيصبحون عليه يوماً ما… ثقوب سوداء متحركة، لا تمتلئ أبداً.