زمردة والذئبة الحمراء
زمردة والذئبة الحمراء

د

زمردة والذئبة الحمراء: الرياضة ليست مستحيلًا!

أعلم أنني قد تغيبت لفترة طويلة؛ ربما مرت أربعة أشهر أو أكثر منذ آخر مقال كتبته، في الحقيقة كنت أواجه نوبات متتالية من الإحباط والاكتئاب، يومًا ما سأروي لكم عن هذا الوحش المخيف الذي يلاحقني باستماتة ولكن لا.. ليس الآن، كما يؤسفني إبلاغكم أن بحَسبِ أحدث تحليل دم أجريته؛ فقد بلغت كريات الدم البيضاء لدي حد مخيف؛ فعددها لا يتجاوز 2200، لذا كان من المنطقي أن أصبح في مهب الريح.. يكفي أن يعطس فلان حتى أغرق في نوبة طويلة من السخونية والكحة والرشح، فظللت شهرين أكافح أعراض الأنفلونزا المتتالية وأمراضًا أخرى لا داعي لذكرها، ولهذا شعُرت بأنني بحاجة لدفعة من الأمل، فوجدت نفسي أعود إلى الكتابة لا إراديًا، فتلك هي تعزيتي الوحيدة.

اليوم سأحدثكم عن أمرٍ قد يظنه البعض خيالًا! كيف يمكن لمريض الذئبة الحمراء الذي تئن مفاصله ألمًا أن يمارس الرياضة؟ ألم يكيفه ما يعانيه من أوجاع العضلات والإرهاق المتواصل.. ترى لماذا قد يُقدم إنسانٌ مريضٌ على زيادة آلامه المزمنة بممارسة نشاط بدني دوري كالرياضة؟ في الحقيقة الرياضة مفيدة للغاية لمريض/ة الذئبة الحمراء للأسباب الآتية وفقًا لمنظمة الذئبة الحمراء بالمملكة المتحدة:

1- تجنب مشاكل القلب: مشاكل القلب والأوعية الدموية (النوبات القلبية والسكتات الدماغية والجلطات الدموية) هي واحدة من المسببات الرئيسية للوفاة للأشخاص المصابين بالذئبة الحمراء، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام خاصة (الايروبيكس) يقلل من فرص الإصابة بتلك المضاعفات من خلال تحسين صحة القلب والأوعية الدموية وانخفاض الكولسترول السيئ (LDL) وزيادة الكولسترول الجيد (HDL) مع السيطرة على نسب السكر في الدم.

2- الحفاظ على وزن صحي للجسم: مشاكل الوزن مثل السمنة يمكن أن تواجه الكثير من الأشخاص المصابين بالذئبة لعدة أسباب على رأسها تناول الكورتيزون والتقليل من النشاطات البدنية في محاولة تلقائية للحد من الألم والتعب، وبالتأكيد أنت تعلمون مخاطر السمنة وكيف ينصح الأطباء حول العالم بتجنبها قدر المستطاع. 

3- محاربة هشاشة العظام: مرضى الذئبة الحمراء معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بهشاشة العظام بسبب استخدام الستيرويدات (كورتيزون)، ولكن يمكن للأنشطة الرياضية المنخفضة إلى متوسطة الشدة كالمشي وحمل الأثقال الخفيفة وتمارين اللياقة البدنية (الايروبيكس) أن يساعدوا في تقليل تلك الأخطار مع نظام غذائي صحي معزز بالكمية الكافية من الكالسيوم وفيتامين د وفيتامين سي.

4- لنومٍ عميق: من منا لا يعاني من الأرق والقلق؟ فليس مستغربًا أن يعاني مريض الذئبة من اضطرابات في النوم، والتي ترجع إلى عدة أسباب منها: المحاولات المضنية للتغلب مع الألم والأدوية التي تسبب مشاكل في النوم والاكتئاب وفيبروميالجيا والإجهاد، فنحن نتحدث عن أشخاص يتناولون بصفة دورية أدوية مثبطة للمناعة مع تركيز محدد من الكورتيزون، التدريبات المنتظمة قد تساعدك في الحصول على نوم أعمق بشرط أن يتم التمرين قبل النوم بساعتين على الأقل وإلا سيكون العقل نشطًا جدًا؛ مما يزيد من صعوبة النوم.

5- زيادة مستويات الطاقة: يعتبر الإرهاق من أكثر المشاكل شيوعًا في مرض الذئبة والأكثر صعوبة في التغلب عليه، ولكن التدريب المنتظم قد يساعد في تعزيز مستويات الطاقة لدى المريض، الأمر قد يبدو صعباً في البداية على شخص يشعر بالتعب الشديد من ممارسة أبسط الأنشطة البدنية التقليدية، لذا من الأفضل البدء في برنامج تدريجي تصاعدي حسب قدرة المريض على التحمل والتقدم بمرور الوقت.

6- من أجل مزاج أفضل: ممارسة الرياضة بشكلٍ منتظم أثبتت فاعليتها في رفع مستوى الطاقة والروح المعنوية لدى الأشخاص المصابين بالذئبة، وأيضًا الحد من الاكتئاب والقلق، وتعزيز الثقة بالنفس، وتحسين قدرات الذاكرة.

كل هذا رائع..ولكن من أين أبدأ؟

حينما قرأت عن أهمية الرياضة في حياتي كمريضة في عدة مواقع طبية موثوقة؛ اتخذت قرارًا فوريًا بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية؛ بحثًا عن أملٍ جديد، ولكن للأسف واجهت إحباطًا كبيرًا منذ الخطوة الأولى، لو تذكرون في مقالي السابق.. قصصت عليكم العلل المتتالية التي أصابتني طوال العام، ولذلك حين وضعت قدمي على أحد الموازين المتقدمة (Inbody) لمعرفة نسب الدهون والعضلات بالجسم، قالت لي المدربة “أليس لديكِ أية عضلات..ألا تتحركين تمامًا؟” نظرت إليها وابتسمت وتفوهت بعدة مبررات كاذبة، لم أستطع مصارحتها، فقط أبلغتها أنني عانيت من حمى شديدة عدة أشهر جعلتني ملازمة للفراش طوَال الوقت، ثم بدأت الانغماس في غِمار التدريبات وتمارين اللياقة البدنية (الايروبكس) واليوجا والزومبا..الخ، فشعرت أنني كالسلحفاة مقارنة بالأخريات، المدربات أشفقن علي والفتيات لا يصدقن أدائي الضعيف، فانسحبت من صالة الألعاب الرياضية في صمتٍ وتغاضيت عن الأمر لفترة طويلة.

البداية الفعلية

لطالما كانت السباحة بمثابة حلم طفولي تمنيت تحقيقه وإتقانه، فبحثت عبر الإنترنت عن مدى مناسبة هذا النوع من التمارين القلبية (كارديو) لمرضى الذئبة الحمراء، فوجدتها واحدة –إن لم تكن الأفضل بلا منازع- من الرياضات التي يوصي بها الأطباء للأشخاص الذين يعانون من آلام المفاصل والعضلات، ولهذا تجدونني في عمر السادسة والعشرين ملتحقة بكل سعادة في تدريب السباحة للسيدات.

وسأصارحكم..لقد كنت كالسلحفاة أيضًا مقارنة بزميلاتي وبدأت المدربات في تحفيزي بطرق مختلفة “تحتاجين إلى تقوية عضلاتك” “مرة واحدة لا تكفي للتدريب” “حاولي الانتظام بشكل أكبر” “أنتِ تسبحين في مكانك!”..عشرات التعليقات السلبية من المدربات وإن كنت أعذرهن، فأنا لم أخبر أحد بحقيقة مرضي وكيف كانت الآلام تجبرني على عدم الحضور في معظم الأوقات، ناهيك عن زواجي وحملي وفترات طويلة من الانقطاع.

متى شعُرت بضرورة التغيير؟   

كانت طفلتي قد أتمت شهرها الخامس حينما قررت العودة مرة أخرى للسباحة، كنت أعاني من إرهاق وتعب شديدين مع أعراض واضحة لاكتئاب مع بعد الولادة، عدت مع مجموعة جديدة من السيدات والفتيات، وبدأت بالفعل بالتدريب معهن في محاولة لاستعادة لياقتي البدنية المتهالكة، ولكن أصابتني هجمة من هجمات المرض؛ فانقطعت عن التدريب شهر أو اثنين، وحين عدت وجدت زميلاتي قد تقدمن كثيرًا وأصبح باستطاعتهن تحريك أذرعهن بكل قوة في الماء، بينما ذراعي الهزيليتين يطبطبن على المياه دون جدوى، فقالت لي إحداهن “أنتِ مدللة..لديك طفلة واحدة ولا تستطيعين الانتظام في التدريب.. فأنا لدي طفلتان وأعمل بدوام كامل ومع ذلك لا أفوت تدريبًا”، وفي مرة أخرى قالت لي” لماذا تركتِ عضلاتك ضعيفة إلى هذا الحد.. فأنا مارست التمارين الرياضية بعد الولادة مباشرة!” كانت كلماتها قاسية إلى أبعد الحدود لشخص حساس مثلي، في ذلك الوقت كنت هشة للغاية ولم أكن أجيد فن الرد على سخافات الآخرين (الآن أصبحت بارعة في الرد بسماجة على سليطي اللسان)، حينها قررت أن الوقت حان للتغيير وعلي وضع خطة مختلفة من أجل إنجاح الأمر.

الانطلاقة

كنت قد ألممت بأساسيات السباحة؛ حينما قررت التدرب بمفردي لتقوية عضلاتي، وكان هدفي هو إتقان سباحة الصدر لأنها صعبة وتحتاج إلى عضلات قوية وتناغم حركي بين الذراعين والرجلين، ظللت أشاهد باستمرار فيديوهات تعليمية عنها لتطبيقها بمفردي في حمام السباحة مع الالتزام بالتحمية اللازمة قبل كل تمرين، ثلاث أشهر وأنا أحاول تقوية عضلاتي التي سخر منها الجميع على مدار عامين، ثم عدت إلى السباحة مع المجموعة من الجديد، لتُفاجأ المدربة بمدى التقدم الذي أحرزته قائلة “لقد أبهرتني بأدائك، لم أتوقع ذلك منك”، فبفضل الله وإصراري استطعت إتقان سباحة الصدر والظهر بمستوى جيد جدًا وأيضًا السباحة الحرة وإن كنت أعاني مع قِصَر النفس؛ وهي المشكلة التي أعمل على التغلب عليها في الوقت الحالي، لدي خطة مستقبلية لتقوية عضلاتي وممارسة تمارين القوة (رفع أوزان خفيفة) مع تمارين اللياقة البدنية (الايروبكس) أو الزومبا، خاصة أنني حينما عدت إلى صالة الألعاب الرياضية لم أعد سلحفاة ثانية، بل لمحت بعض نظرات الغيرة من عدة فتيات! 

دعوني أقل لكم..أن الأمر متعب وممتع ولكن يستحق، بل وأنصح الجميع سواء مرضى أو لا بممارسة الرياضة قدر المستطاع؛ لأنها ستُخرج شحنات الغضب بداخلك، وستلهي عقلك عن قساوة الحياة، في الحقيقة أنا أغبط الأشخاص سليمي الجسد على قدرتهم على ممارسة الرياضة بشكل أكبر وأطول مني، وإن كنت أحمد الله على قدرتي على ممارستها حتى لو بهذا القدر الضئيل، فالسباحة يا أعزائي هي الرياضة الوحيدة التي أشعر معها أنني سليمة، الماء يُسلبني أوجاعي، ويبث الطاقة في أوصالي، فأذكر شعورًا قديمًا كنت قد ظننته قد ولى بلا عودة..أن أكون طبيعية..أن أكون بلا ذئبة. 

أنصحكم جميعًا مرضى أو غير بممارسة الرياضة قدر المستطاع، ستخرج تلك الشحنة


تدوينات زمردة السابقة:

حينما يهاجمك جسدك.. عن تجربتي مع الذئبة الحمراء أتحدث!

زمردة والذئبة الحمراء: نصف الكوب الممتلئ.. عن الرضا وأشياء أخرى

زمردة والذئبة الحمراء.. ترى هل يطير الطاووس؟!