راغب بكريش
راغب بكريش

د

هل حقًا يوجد قرين لكلّ شخص أَمْ إنّها مجرّد خُرافة؟

عندما كنت صغيرًا (أنا الآن في السادسة والثلاثين) لم أكن أصدّق أنّ لكلّ شخص قرين، لكن عندما كبرت وفي بداية الألفية الثالثة بدأتُ أصدّق هذا الأمر لأنّي صرتُ أراه بعيني لدى البعض، وازداد الأمر شيئًا فشيئًا حتى عام 2004 رأيتُ قريني.

في البداية لم أكن أهتمّ به كثيرًا، لكن يومًا بعد يوم ازداد اهتمامي وتعلّقي به، فبات يسلّيني وينتشلني من الملل، حتى انقلب الأمر وأصبح يلهيني عن أعمالي ودراستي وواجباتي.

وبلغ الأمر ذروته عندما تعرّفت بالإنسانة الرائعة التي أصبحت زوجتي فيما بعد، فقد كان لديها قرين هي الأخرى، وكان قريني وقرينها في مرحلة تعارفنا أنا وإيّاها متعلّقين جدًا ببعضيهما، كنتُ أستيقظُ في الخامسة صباحًا قبل بقيّة أفراد المنزل بساعتين لأعمل [كنتُ محرّرًا للأخبار في أحد المواقع الإخبارية وكاتبًا للأبراج] لكن كان هذان القرينان يفسدان الهدوء الصباحي ويلهياني عن عملي وكثيرًا ما تأخّرتُ عن محاضرة الساعة 8 رغم أنّي كنتُ أعملُ ناسخًا للمحاضرات ويعتمد على محاضراتي العشرات من زملائي، فتصوّر كم كان هذا القرين مزعجًا.

بعد زواجي وتغيّر طبيعة عملي وازدياد انشغالي، حيثُ كنتُ أُدَرّس في مدينة أخرى تبعد ساعة عن مدينتي، وكانت تجربتي الأولى في تعليم طلاب الشهادة الثانوية الفرع العلمي، كان العمل والتحضير للدروس متعبًا للغاية فنسيت أمر القرين، وكذلك زوجتي التي كانت تعمل معي بنفس المكان أيضًا، ومضت الأيّام، والتحقتُ بالخدمة العسكرية وعادت مشكلة القرين لي ولزوجتي، فبسبب ابتعادنا عن بعض وابتعادي عن أهلي بشكل عامٍ ولأني كنتُ أعاني من كآبة شديدة في الجيش عدتُ للتسلية مع قريني، فهو يستغلّ مثل هذه الظروف ليعود ويتسلّل إلى حياة الإنسان دون أن يشعر.

الحقّ يُقال كان يعينني على تخطّي أوقاتٍ مملّة وحرجة وكان بسبب علاقته مع أقرانٍ آخرين كقرين زوجتي وقرين أخي وقرين أبي وقرين أمي ..الخ كانت هذه العلاقات تهوّن عليّ وحدتي وتجعلني في تواصل شبه دائم معهم جميعًا.

في هذه المرحلة توفي قريني، هل يمكنك تخيّل ذلك؟! نعم، قرينٌ أمضيت معه سنوات، هكذا يُتوفّى ببساطة، لكن يُقال إنّ القرناء لا نهائيّون، وحصلتً على قرينٍ جديد [فيما بعد تكرّرت هذه الحادثة عدّة مرّات وأنا الآن أعيش مع سابع قرين في حياتي].

قامت في تلك الأثناء الثورة السورية، وانقلبت حياة الجميع رأسًا على عقب، وكان لقرين كلّ منّا دورًا في هذا، فمنهم من دفعهم قرينهم إلى الانحياز لطرفٍ دون آخر، ومنهم من أعانهم قرينهم على اتّخاذ قرارات هامّة ومنهم من اعتمد على قرينه كلّيةً، بالمحصّلة فإنّ أقراننا كان لهم دورُ كبير سواء في بداية الثورة أو في مراحلها اللاحقة، فصدّق أو لا تصدّق كانوا يساعدوننا في تناقل الأخبار وتجنّب الاعتقال أثناء التظاهر والهرب عبر ممرّات وطرق خفيّة والكثير الكثير من الخدمات الجليلة.

انتقلتُ قبل عدّة سنوات إلى تركيا مرغمًا على النزوح من بيتي، بعد أن نزحتُ 13 مرّة بين عدّة مدن داخل سوريا، بالطبع كان قريني يرافقني في كلّ مرة، وكان بعض الأقران الجدد الذين يأتون بعد وفاة أصدقائهم يحتفظون ببعض الذكريات عنّي (ربّما كانوا يتبادلون أخبار البشر فيما بينهم دون علمنا كما نتكلّم نحن عنهم الآن) بينما كان بعضهم الآخر لا يعرف شيئًا، والجدير بالذكر أنّ القرين الجديد دومًا يكون من طبقة اجتماعية (واقتصادية بالطبع) تختلف عن سابقه وذلك حسب تغيّر أحوالي صعودًا وهبوطًا، وقد عزيتُ هذا إلى أنّ لديهم مؤتمراتهم الخاصّة ورؤساؤهم وأنّ هناك من يخطّط ويفرز هذا القرين لهذا الإنسان أو ذاك وهكذا، وبما أنّ الأمر مخطّط له، فربّما كانوا يبعثون لي بقرينٍ من نفس طبقتي الاجتماعية كي يحصل أعلى توافقٍ بيني وبينه.

في تركيا وكما الحال في الجيش، صحيح أني كنتُ هنا مع زوجتي وأبنائي، لكن فقط هؤلاء من كانوا معي، وفيما عدا ذلك من أهل وإخوة وأصدقاء وأقارب كلهم لم يكونوا معي، فمنهم من بقي في سوريا ومنهم من هاجر إلى أوروبا وهكذا، عدتُ لحالةٍ من الاكتئاب التي عاد وتنشّط فيها قريني الذي سلبني نصف حياتي، كنتُ أنتبه في بعض الأحيان، وأتجاهله وأعزّز علاقتي بعائلتي، لكن يعود تدريجيًا ليزيد حصّته من حياتي، وهكذا دواليك وحتى اللحظة أنا وهو في شدٍ وجذب.

نسيت أن أقول أعلاه، في مرحلة خطوبتي جمعت الحوارات التي كانت تجري بين قريني وقرين خطيبتي في كتاب وطبعته [نسختان فقط واحدة لها والثانية لي]، كان الكتاب بعنوان Love Story is SMSs وقتها كان يُدعى قريني سامسونغ بينما قرين زوجتي يُدعى نوكيا، أما اليوم وكما ذكرتُ سابقًا فإنّ القرناء يتبدّلون باستمرار فإنّ قريني اسمه فينوس وقرين زوجتي اسمه شاومي، طبعًا مع بعض الأحرف والأرقام لكن نحن نناديهم بأسمائهم الأولى فقط.


غلاف كتاب Love story in SMSs لراغب بكريش وبيان الجاسم.