سهام محمد
سهام محمد

د

خاطرة “غير رسمية”

قبل أن أسترسل في الكتابة، دعونا نتفق على أن هذه التدوينة هي مجرد خاطرة، والخاطرة من وجهة نظري طريقة من طرق التهرب من عبء الرسمية التي تحملها كلمة “مقال”، فأنا هنا أسرد بعفوية، أو هذا ما سأدعيه تخففًا وتهربًا مما قلته. أما الاتفاق الآخر فسأعقده مع ذاك المترجم الفذ الذي سبر أغوار هذا الحقل، ذاك المبدع الذي يقضي ليله ونهاره في ‘نقل النص من ضفة النهر إلى الضفة الأخرى” كما يقول المترجم هارتموت. فبينما هو والعديد من المترجمين يسبرون أغوار هذا العلم، ويتسلحون بالكفاءة اللغوية، والمعاجم الثرية دون أن ينبسوا ببنت شفه عن تجاربهم تاركين لأعمالهم الحديث . هؤلاء المساكين الذين إن ترجموا وضعت أسمائهم على زاوية الكتاب أو ربما في الصفحة الثانية، ويسقطون من أحاديث الغالبية…هؤلاء ال….

مهلًا، لا أود أن تتحول هذه الخاطرة إلى رثاء، فلربما لا يرى بعض المترجمون ما أراه، ولربما حصدوا من التقدير مالم أشهده لهم .. وأنى لي أن أشهد وأنا لم أبلغ العامين بعد في هذا المجال ولم أعطه حقه بعد ..

لنعد إلى اتفاقنا الذي أردته أن يقرأ بين السطور تحاشيًا لهذه الحقيقة المرة، ولكن سأبلع مرارتها وأكتب .. بينما يسطرون هم ترجماتهم وتُنشر كتبهم، قررت أنا على حين غرة أن أختلس النظر لعالمهم وأجرب “الترجمة” ويالها من خطوة !

قلت أني لم أبلغ العامين ثم وصلني سؤال يقول: كيف نترجم؟ وكان علي أن أجيبه، السؤال بسيط جدًا ولا حرج إلا أن صاحبه طلب استرسالًا في تجربتي مع الترجمة .

بصراحة، في البداية عدلت جلستي، تنحنحت، أردت أن أبدأ في السرد وفجأة قلبت عيناي أعد المقالات التي ترجمتها فوجدت أنها لم تصل “الخمسين بعد”. يالها من حقيقة سلبت مني شعور المترجم المخضرم فجأة، كان علي أن أتذكر أني لست محمد عناني !

وسر آخر وهو مكمن اعتذاري من أهل الاختصاص وهو أني لم أدرس الترجمة ولا تخصصت في اللغة الانجليزية ولم يخطر ببالي التوسع إلا بعد التجارب التي خضتها مع النصوص، والمعارك الشاقة مع اللغة، والحمل الثقيل الذي خلفه محاولة “حمل نص من ضفة إلى أخرى”.

لهذا فسؤال التجربة يضيف مشقة أخرى على من دخل بلا أسلحة فعلية. ولكن لا أستطيع منع نفسي من الإجابة ، لا سيما وأني قدمت اعتذاراتي 🙂. سأغامر..

حسنًا عزيزي السائل، ما كنت تحسب ولا كنت أعلم أني سأخط كل هذا لأتحدث عن تجربة عابرة قد لا تكتمل، وأرجو انك مازلت تنتظر الإجابة، أرجو ذلك حقًا ..

وبصراحة أيها السائل العابر كل ما أعرفه أنها كانت فكرة ولدها العجز، والكسل المعرفي والتقطتها من اقتراح عابر، كنت أترجم لأني لا أريد أن أكتب مقالًا، لا أريد أن أبحث، لا أريد أن أقارن بالكُتاب ولا أن أجود قلمي .. كنت أشعر بعبء الكتابة و أهميتها في نفس الوقت.

ومالم يخطر ببالي أني وجدت مترجمًا غاب عني اسمه يرى ما أرى، وينظر للترجمة أنها نوع من أنواع الهرب من الكتابة. حيث نتوارى خلف شخص آخر وأفكار منظومة جاهزة نعيد صياغتها بعد نقلها “للضفة الأخرى”.

هكذا بدأ الأمر، إلا أنه لم يستمر .. فالمقال الثاني كان وعرًا والمقال الثالث كان يحتاج للتخصص والرابع لم يكن أفضل منهما، لتتحول بهذا الترجمة من طريقة هرب إلى مأزق آخر ولأني كنت قد هزمت في معركتي الأولى مع القلم، كان لزامًا علي الوقوف هنا والتجربة والتأمل والتباكي وأيًا يكن .. المهم هو الصمود أمام وعورة هذا المجال والتمادي في التطفل على أهل الاختصاص ، التمادي للحد الذي يجعلني أكتب هذه التدوينة .. أقصد الخاطرة الصغيرة العابرة و “العفوية” التي لا تحتمل الرسمية . أظن أني أوضحت قصدي هنا أو آمل ذلك .

وسأقول إنصافًا لنفسي ، -وأنا من المولعين بإنصاف أنفسهم من أنفسهم- سأقول أني تطورت، تطورت طالما أني لا أترجم عنوان المقال ترجمة حرفية، ودعوني رجاءً أتعصب لفكرتي هذه عن العناوين وسأتجاهل قدراتي اللغوية التي تتقدم ببطء، أو غيرها من التراكيب الوعرة .. فلابد أن نخرج بلمحة منصفة حتى لا ندع مجالًا للشامتين ولا نعلن الهزيمة هنا أمام الملأ . ولا أود أن نتطرق كثيرًا لما يراه المترجمين جوازه بخصوص العناوين وغيره. سأتطرف وأعيش تطرف المبتدئين حتى إشعار آخر، سأعيش هذا الجو بما يحمله من أفكاره وقفزاته المتسارعة.

وأخيرًا؛ لا أعلم بصراحة ما إذا كان سيكتمل برؤيتي لاسمي في زواية كتاب مترجم أو في صفحته الثانية، ولا أعلم كيف يحدث ذلك لشخص دخل هذه التجربة هاربًا من “كسله الكتابي” ؟

ولكنها تجربة، ولا رسمية أبدًا في كلمة “تجربة”
أليس كذلك؟