ماهر رزوق
ماهر رزوق

د

النفاق الأخلاقي


يشير مصطلح «الفريسيين» في الإنجيل إلى الذين يطالبون الآخرين بمعايير أخلاقية عالية، لكنهم في السر لا يتبعونها. وفقًا لبحث جديد في مجال علم النفس، لدينا جميعًا خط من النفاق، لكننا غير قادرين على التعرف عليه في أنفسنا.

ونحن أكثر حرصًا على تطبيق معايير مزدوجة على الأشخاص البعيدين أكثر من أولئك القريبين منا.

كما أثبتت العديد من الدراسات النفسية في السنوات الأخيرة، فقد غرس التطور فينا دافعًا لا يقاوم لتقييم سلوكنا وسلوك الآخرين وفقًا للمعايير الأخلاقية.
مع نفس الطبيعة الغريزية التي نتنفس بها ونأكل، فإننا ندين بشكل قاطع بعض السلوكيات على أنها “سيئة”.

هذا الاتجاه الأساسي، كما يدعي عالم النفس «بينوا مونين» من جامعة ستانفورد، تولّده قوتان دافعتان عميقتان: الرغبة في ترك انطباع جيد على الآخرين والرغبة في رؤية أنفسنا من منظور إيجابي.

في الحياة اليومية، تغرينا هذه الدوافع المتضاربة مرارًا وتكرارًا للدفاع عن مزاعم أخلاقية عالية مع أننا نتجاهلها في السر.
على مستوى أكثر عمومية، هذا يعني أننا نميل إلى انتقاد الآخرين على نفس السلوك الذي نتغاضى عنه في أنفسنا. وبما أن هذا النفاق يحدث في بقعة عمياء من أذهاننا، فإننا نرى الإخفاقات الأخلاقية للآخرين تتضخم كما لو كانت تحت المجهر الإلكتروني، بينما نتغاضى عن انتهاكاتنا الأخلاقية. ويشير مونين إلى أن هذه “المعايير المزدوجة” قد تم الكشف عنها بالفعل في استطلاعات متعددة.
معظم المستجيبين مقتنعون بأنهم يساهمون أكثر في الصالح العام ويتخذون قرارات أكثر عدلاً من أقرانهم. 86٪ من الأشخاص على يقين من أن معاييرهم الأخلاقية أعلى من تلك الخاصة بزملائهم. إذا طُلب منهم مقارنة قدراتهم أو مهاراتهم أو سماتهم الشخصية مع شخص عادي، فإن معظم الناس يعتقدون أنهم أكثر ذكاءً وأكثر جاذبية وأخلاقية بعبارة أخرى، أفضل من معظم الأشخاص الآخرين.

من الواضح أن هذا التأثير “الأفضل من المتوسط” هو الأكثر وضوحًا في المجال الأخلاقي، كما وجد علماء النفس بن «إم.تابين» و«ريان تي ماكاي»: “بتكييف أساليب جديدة ، نكتشف أن جميع الأفراد تقريبًا قد بالغوا في صفاتهم الأخلاقية بشكل غير عقلاني، وكان الحجم المطلق والنسبي لهذه اللاعقلانية أكبر من ذلك في المجالات الأخرى للتقييم الذاتي الإيجابي”.

والأهم من ذلك، أن وهم التفوق الأخلاقي هذا لم يُترجم إلى سلوك أخلاقي. الأشخاص الذين أظهروا قدرًا أكبر من التعزيز الأخلاقي للذات لم يكونوا أفضل من فاعلي الخير في الحياة الحقيقية.

قد يرجع هذا الخداع الذاتي جزئيًا على الأقل إلى حقيقة أننا عندما نحكم على أنفسنا، فإننا نضع وزنًا أكبر على نوايانا، بينما عند الحكم على الآخرين، فإننا نأخذ في الاعتبار السلوك الفعلي بشكل أكبر. في إحدى الدراسات، أُعطي الأشخاص الفرصة للتبرع لأغراض خيرية عن طريق غمس أيديهم في ماء بارد مؤلم. تراجع معظم الأشخاص أسرع مما توقعوا. ومع ذلك، فقد ربطوا “صلاحهم” بقوة أكبر بنواياهم السابقة، في حين أنهم قاسوا الآخرين بعدد الدقائق التي ثابروا فيها بغمس أيديهم.

علاوة على ذلك، فإن أحكامنا على الأفعال غير الأخلاقية مشوهة بسبب تحيز منهجي يسمى “خطأ الإسناد الأساسي“: عند الحكم على السلوك الأخلاقي أو غير الأخلاقي للآخرين، غالبًا ما يعزو الأفراد انتهاكات القيمة على أنها تشخيص للشخصية. أما عند الحكم على انتهاكات القيمة الخاصة بهم ، يتم تحفيز الأفراد على إرجاع إخفاقاتهم إلى عوامل ظرفية خارجة عن إرادتهم.
.
المصدر: مقال علمي للمؤلف Rolf Degen
ترجمة ماهر رزوق