فادي عمروش
فادي عمروش

د

ملخّص كتاب “HYPE” كيف هيمن المخادعون على الإنترنت؟

 في عالم أصبح فيه للتسويق محلّ الصدارة على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وأصبحت وسائل التواصل تربةً خصبةً لعمل المحتالين والمخادعين، يأتي كتاب “HYPE” كيف هيمن المخادعون على الإنترنت؟” للكاتبة غابرييل بلوستون لتحليل أسباب قابلية الناس للخداع عبر الإنترنت. وقد اعتمدت الكاتبة في هذا الكتاب على تجارب ودراساتٍ مهمة حول الموضوع، وتحدّثت عنها بشكلٍ مسهب يصل إلى حد الإملال أحياناً، فهي تركز على قصة الخداع الشهيرة لمهرجان  Fyre  الاحتيالي حيث تم إقناع الآلاف من اليافعين الأثرياء بشراء تذاكر مهرجان Fyre المهرجان الوهمي الذي لم يحدث والذي أنتجت نتفلكس عنه مسلسلاً وثائقياً لاحقاً، وتبحث الكاتبة خلال سرد تلك القصة عن أسباب تجاهل الناس لاحتمالية حدوث احتيال رغم وجود بعض الإشارات التي تدلّ على أن هناك عملية احتيال وشيكة.

العدوى وتقليد الآخرين

لعلّ أحد أهم أسباب تقبلنا للخداع هي رغبتنا بالتماهي مع الآخرين وتقليدهم، والأنكى من ذلك اعتقادنا بأنّ ذلك أمرٌ صحيحٌ فقط لأنّ أشخاصاً آخرين يقومون به. لعلّ إحدى التجارب الشهيرة في علم النفس هي تلك التجربة التي عرض فيها عالم النفس على المشاركين سلسلة من ثلاثة أسطر، وطلب منهم تحديد الخط الذي يطابق طول السطر الرابع؛ والمفاجأة بأنّ أحداً من المشاركين لم يكن لديه مشكلة في اختيار السطر الصحيح؛ ولكن وضعهم في غرفة من الممثلين الذين اختاروا عمداً إحدى الإجابات غير الصحيحة، دفع حوالي 75 بالمائة من الأشخاص إلى اختيار الخط غير الصحيح مرة واحدة على الأقل، كل ذلك بفضل ضغط الأقران. ويزداد الضغط سوءاً عندما يكون الكاذبون أصدقاء لنا أو أشخاصاً نرغب في أن نكون أصدقاء لهم.

خلق شخصيات وهمية على أنها شخصيات حقيقية

ندرك تماماً بأنّه يمكن لأي شخص تنظيم حياته لتبدو وكأنها حياة مثالية ولو أنها في الواقع ليست كذلك، وفي هذا السياق يوضح الدكتور روبرتو كافازوس، الاقتصاديّ بجامعة بالتيمور، من خلال مجموعة من الدراسات حول سوق المؤثرين، يناقش فيها ما يشير إليه بـ “مشكلة المؤثر – The Influencer Problem”، ويذكر بأنّ الهوية شيء مرن جداً، برغم اعتقاد الناس بأنّ هوياتهم الحقيقية ثابتة؛ لكن بعض الأشخاص الناجحين للغاية قادرون على صناعة هوية جديدة،فهم يدركون مرونة الهوية. 

من السهل أيضاً صياغة هوية وبيع المنتجات، وذلك عندما تحظى بمساعدة الوكلاء ومدراء العلاقات العامة، بالإضافة إلى بعض من خبراء الإنتاج التلفزيوني والتحكم بتحرير كامل على كيفية ظهور صورتك، وقد تصعد إلى مستوى مثل كارداشيان ودونالد ترامب، الذين استخدموا برامجهم لتدعيم هوياتهم المصممة بعناية على أنها حقيقة.

إنّ متابعة واستهلاك واستيعاب أقوال هؤلاء الأشخاص المشهورين دون سبب وجيه هو شيء استمتعنا به كبشر كشكل صالح من أشكال الترفيه. يمكن القول: إن النموذج الأوليّ لمشكلة المؤثر موجود منذ عهد الإمبراطورية الرومانية قديماً؛ فإذا كنت أميراً أو أميرة فإنك ستسير قدماً لتفتح مطاعم والمشاركة في مشاريع مختلفة، ومن ثمّ تعير اسمك للمنظمات، وهكذا يبدو الأمر موجوداً منذ عصور، إلا أن التكنولوجيا قامت بتطويره قليلاً.

السوشال ميديا والهويات الوهميّة

تشير الدراسات إلى أن استخدام الشبكات الاجتماعية مرتبط بزيادة المقارنة الاجتماعيّة والحالات العاطفيّة السلبيّة مثل الحسد والغيرة، وأنّ هذه المشاعر تتضخم عندما تقوم فقط بالـتنقّل بشكل سلبيّ. لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي شيئاً يمكننا الاشتراك فيه فقط، فقد أصبحت امتداداً طبيعياً لحياتنا؛ ومع انتشار كوفيد -19 وعمليات الإغلاق الإلزامية في جميع أنحاء الكوكب، أصبحنا نستخدمها للبحث عن المعلومات، لتشكيل هوياتنا، وغالباً ما تكون هذه الهويات الافتراضية أكثر تفضيلاً من هوياتنا الحقيقية، وبالطبع، نستخدمها أيضاً للترفيه في أوقات الملل أو التوتر للحصول على بعض المرح والمتعة.

مواقع التواصل الاجتماعي وتسلسل هرم ماسلو للحاجات

بما أنّ الشبكات الاجتماعية أصبحت في يومنا هذا تلبي احتياجات الأمان والانتماء والتقدير وتحقيق الذات؛ أضحت تلبية احتياجات الأمان قائمة من خلال إمكانية تخصيص الشبكات الاجتماعية فيما يتعلق بالخصوصية، مما يسمح للمستخدمين بالتحكم في الأشخاص الذين يشاركون المعلومات معهم. وأيضاً أصبحت تلبية الاحتياجات للانتماء متاحة من خلال وظيفة الاتصال مع الآخرين عبر مواقع الشبكات الاجتماعية، مما يتيح للمستخدمين بخلق صداقة ومتابعة للأفراد ذوي التفكير المماثل. 

إضافةً إلى ذلك أصبحت تلبية الحاجة إلى التقدير مرتكزة إلى قدرة المستخدمين على جمع الأصدقاء والإعجابات ومقارنة أنفسهم بالآخرين، وبالتالي فهي مرتبطة بحاجة التقدير لدى ماسلو. أخيراً، يمكن الوصول إلى الحاجة إلى تحقيق الذات، والتي تُعدّ الهدف الأعلى الذي يمكن تحقيقه، هذا الهدف لا تستطيع سوى أقلية صغيرة من الأفراد تحقيقه من خلال تقديم الشخص نفسه بالطريقة التي يريدها، ومن خلال دعم الأصدقاء على هذه المواقع؛ وبناءً على ذلك، تستغل الشبكات الاجتماعية احتياجات الإنسان الأساسية للغاية من خلال توفير إمكانيات الدعم الاجتماعي والتعبير عن الذات.

 الوصفة السحرية في تجربة الحفل Fyre الوهمي

في القصة التي ذكرناها سابقاً عن بيع التذاكر لحفل لم يحدث أبداً، كانت العوامل المحركة الرئيسة لمبيعات التذاكر هي: المؤثرون، ندرة التذاكر والجوائز والمواهب ومجموعات السفر والأصدقاء؛ وأيضاً الاستفادة من التسويق عبر المؤثرين بشكل فعّال، وذلك بعملية مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي مع 400 من المؤثرين المختارين (عارضات أزياء، فنانين، رياضيين، كوميديين). في الوقت نفسه إرسال بيان صحفيّ يتضمن النقاط الرئيسة حول المهرجان والتغطية الصحفية المنسّقة لمشاركة المؤثرين. بعد صياغة هذه القصة وإرسالها بالتعاون مع وكالة العلاقات العامة؛ تمّ إطلاق عدد هائل من الرسائل عبر البريد الإلكتروني من خلال الشركاء التابعين والمروجين.

نحن ضعفاء أمام التكنولوجيا

بالرغم من روعة التكنولوجيا، إلا أنّه يمكن لها أيضاً أن تضعف غرائزنا، ويمكن أن تخلق مواقف لا يمكننا فيها معالجة المعلومات بشكل صحيح. والفكرة تختصر بأننا كمن وقع في السراب، لأننا نريد أن نشعر بشعور أفضل؛ حيث يوجد من يريد أن يتغذى على تعاطف الناس وافتراس رغباتهم؛ بالإضافة إلى أنّ هؤلاء الأشخاص لديهم ملف تعريف وديمغرافية يعملون على استقطابها -في حالة مهرجان Fyre تم استغلال رغبة الناس في المرح، استغلال حب الناس للمؤثرين وقضاء وقت سعيد، واحتيال على أشخاص يريدون أن يكونوا جزءاً من هذه الإثارة ومن هذا العالم- وهكذا خُلِق هذا الخيال الذي لبّى ذلك. 

خاتمة

نتميّز نحن كبشر بوجود طبيعة خاصة بداخلنا تدفعنا بعمق لتقبّل ما يقوله الناس من حولنا على أنه صحيح، حتى عندما يكون من الواضح أنّه ليس كذلك، ورغم معرفتنا لذلك، ولكن تبدو أنّ هذه المعرفة لا تساعدنا بالمقاومة البتة؛ ولذلك نرجو توخي الحذر دائماً والانتباه للخداع حيث يعتمد نجاح المحتالين على موهبتهم في سرد قصص مقنعة للمستثمرين، وعلى توقّع الاتجاهات الثقافية، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا باستغلال حاجات الناس الغريزية؛ وعلاوة على كل ذلك ضعف مقاومة الضحية الذي تم الاحتيال عليه.