سمانا السامرائي
سمانا السامرائي

د

الدليل العملي لاجتياز ألم الانفصال

ملاحظة: استمع إلى مقطوعتك الموسيقية التي تفضلها أثناء القراءة، أقترح “canon in D”

الانفصال، وداع الأحبة جزء أصيل من تجربتنا الإنسانية على هذا الكوكب، وعلى الرغم من ذلك نحن نتحاشى الحديث عنه خوفاً من الظهور بمظهر الفاشلين، فنحن لا نريد أن نعترف إننا المذهلون المميزون قد نمر به ذات يوم، إن مجرد التفكير بذلك حظ عاثر،

إلا إننا ننفصل باستمرار عن الأماكن، الأعمال، والأصدقاء، والأهل، والأحبة، الأزواج، وهذه التدوينة مكرسة للانفصال بين المحبين أو من تشاركوا أياماً من العمر على أية حال.

ألم الانفصال يحدث بنفس الشدة عندما نترك أشخاصاً أو يتركوننا هم، سواء إن كان الحب ما زال قائماً أو انتهى، وبشكل يدعو إلى دهشة الألم سيكون حاضراً أيضاً عند الإنفصال عن الأشخاص الأكثر إيذاءً لنا، لا يهم ظرف الإنفصال وأسبابه، إنه يحدث، ولهذا سنتحدث عنه.

1- اعترف

كلنا نحب تقديم أنفسنا على إننا الأفراد الأكثر قوة ومناعة ضد إساءات الآخرين، إننا أشخاص مركزون على الأهداف ولا نكترث بإغراءات الحب التافه.

لكن في نقطة ما نعي إننا قلعة من الضباب، إن هناك أشخاص يمرون في حياتنا ويضربون بكل ما نعرفه عن أنفسنا عرض الحائط، إنهم ينمون مع الأيام في حواسنا وآلة التفكير والمنطق لدينا، ويتخذون لهم عرشاً في قلوبنا، وذلك لأننا بشر.

تقبل هذه الحقيقة، واعترف بها لنفسك على الأقل.

2- تألم

لا تتظاهر بأنك بخير، أنت بعيد جداً عن أن تكون بخير، أنت قريب للاختناق، للجنون، أقرب ما تكون من الهاوية والدمار الشامل، لذا تألم، تألم بقدر ما تشاء، ادخل في كهف الصمت، استلقِ لأيام متواصلة، تغيب عن دراستك أو عملك، حدق في السقف، اصرخ، كن عدائياً ومنعزلاً عن البشر، تحمل تقلبات مزاجك المصاحبة لهذا الألم.

3- ابكِ

ثم سيأتي وقت البكاء، سواء هَجرت أو هُجرت، عليك أن تبكي، لأن بعض الكليشيهات صادقة، فالبكاء يخفف الروح من أحمالها، أنت لستَ درامياً، لم تبالغ عندما بكيت لأسابيع، لا تحتقر سبب بكائك، ففقدان شخص كان جزء من حياتك اليومية يولد فراغاً عظيماً، كأنك كرسي يقف على ثلاثة أرجل، إطار دون صورة.

4- عد إلى الله

لأننا نظن إن شريك الحياة أتى ليبقى معنا للأبد، وإن الفكرة السائدة هي إن الحب هو نهاية الآلام والتخبط والنور في آخر النفق، لذا نميل لأن نستند بكل ثقلنا على الطرف الآخر، وكأننا ضمنياً نؤمن بأن الأشخاص هم مصدر الخير لا الله، والأشخاص واقعاً صور من رحمة الله وسبل لتجسيد لطفه، وقد يكون فقداننا لهم لنتذكر هذه الحقيقة، حقيقة إن الله هو المصدر.

وحين نعود للمصدر حاملين آلامنا وضياعنا يغلفنا تبارك وتعالى بعنايته، ويرينا آيات قدرته، ويربط على قلوبنا.

5- اعتني بالجزء الملموس منك

إن الانفصال عن الأحبة يولد آلام شبيهة بقطع أحد أطراف الجسد، وهذه الآلام حقيقية وليست مجرد وهم، لذا أنت بحاجة إلى الاستعانة بالمسكنات حين تحتاج لها، وعليك أخذ مكملات غذائية لمساعدة الجسم على مواجهة هذه الآلام، ويمكنك أيضاً اتخاذ إجراءات غير طبية مثل شرب الأعشاب التي تدعم الجهاز العصبي بلطف مثل الميرمية واليانسون والبابونج وغيرها، والحصول على تدليك وحمام بارد أو ساخن، ودعنا لا ننس الرياضات البدنية الخفيفة واليوغا.

6- اعتني بمظهرك

عندما نفقد من نحب لا نعود نشعر بأهمية وجودنا فنهمل مظهرنا، وقد نتعمد أن نبدو بمظهر سيئ لنثبت للآخر إننا نعاني، أو ربما لأن شكلنا الحسن والعناية بأنفسنا يذكرنا بأيامنا معهم، كما قد نتجنب المظهر اللائق لأننا لا نريد أن نخوض بعلاقة جديدة ونخشى أن نكون جذابين للجنس الآخر، لكن علينا أن نتذكر إننا نحن من نبقى مع أنفسنا، وإن مظاهرنا تعود لنا نحن المميزون، وكل ما يعود لنا جميل ويستحق أن نعتني به، فإن لم نفعل نحن ذلك من سيفعل؟

7- ابتعد عن المحتوى الشاعري

هل أنا بحاجة حقاً إلى توضيح هذه النقطة؟ جراحك مفتوحة وأنت لا تريد سكب الملح عليها، لذا لا قصائد ولا أغاني ولا أفلام ولا روايات شاعرية خصوصاً تلك التي تحمل ذكريات تجمعك بالطرف الآخر.

رفقاً بنفسك، وسيأتي الوقت الذي يمكنك أن تراها مجدداً دون ألم حين تتعافى بالكامل ويختفي المعنى.

8- تعافى بالفن

يمكن لفيلم أو عمل درامي جيد أو رواية أدبية مميزة أو موسيقى كلاسيكية أن تنتشلك من الكثافة الشعورية والفكرية، ينقلك من عالم إلى عالم آخر لا تكون أنت ولا شريكك جزء من معادلته، وفي حالات أخرى قد يساعدك الفن على العثور على سبب للبكاء، البكاء الذي أنت بحاجة إليه ولا تجرؤ على القيام به.

اقرأ أيضأ في تقدير فن حمود الخضر

9- كن بطلاً ثانوياً

انخرط في خطط الآخرين، ادعمهم في مشاريعهم، تطوع للمساعدة في الأعمال التي تحتاج إلى جهد بدني، اسأل جيرانك الذين يقومون بحملة تشجير، اسأل أصدقاءك الذين يخططون للانتقال إلى منزل جديد، اسأل أحد أفراد عائلتك الذي يخطط لزيارة طبيب لكنه بحاجة إلى مرافق ليشجعه، الجميع سيحتاج يد العون، وأنت ستستطيع رؤية العالم من زوايا أخرى.

10- اعد صياغة القصة

اروي حكايتك لنفسك وللآخرين بأكثر من طريقة، مرة تكون فيها عاشقاً ولهان تعرض للهجر، ومرة كن أنت الشخص الذي رغب بالمغادرة، ولعلك أيضاً تستطيع أن تروى الحكاية حيث الفراق حل اتفاقاً وكلاكما تسعيان لإيجاد حياة تلائمكما أكثر.

كل هذه الحكايا ومئات غيرها صحيحة، أن تكون قادراً على رؤية تجربتك من زوايا مختلفة يجعلك تتيقن من إن هذا الارتباط لم يكن ليبقى بل لتتعلم أمراً، وتعيش ذكريات ثمينة.

11- لا تكن مهذباً على الدوام

يلي الانفصال أعراض انسحاب كالتي تحدث للمدمنين، سيكون مزاجك متعكر، سترغب في كسر الأشياء، ستكبح نفسك التي تريد أن تتواصل مع الآخر بقوة جبارة وهذا سيجعلك حانق ومتوتر، لذا وفي أوقات كهذه لا داعي للتظاهر بالتهذيب، كن مضطرباً وعدوانياً ومنعزلاً.

ولإبعاد الناس عنك احمل كتاباً دائماً، أو استعن بسماعة أذن، وسيدرك الناس إنك منغمس بشيء ما ولن يحاولوا تعكير صفوك.

12- احجبه في مواقع التواصل الاجتماعي

نحن نعلم جيداً إن علينا أن نركز في أمر آخر، أليس كذلك صديقي؟

إن الألم النفسي هو نشاط استثنائي في الجهاز العصبي وتفاعلات كيميائية مجنونة تحدث داخل عقولنا، ومتابعة أخبار الآخر على مواقع التواصل يهيج الجهاز العصبي ويتلاعب بالهرمونات، فلماذا قد تختار فعل ذلك؟

ولأن “عدم المتابعة” أسهل قولاً من الفعل، استعن بالخاصية المثالية “الحجب” لتعين نفسك، وضع على نفسك شرطاً جزائياً، فكلما فتحت حساب تويتر أو إنستغرام عليك أن تمشي ألف خطوة، أو تكتب رسالة اعتذار لنفسك، أو تدعو صديقاً على العشاء، أو تكوي كل ملابس أسرتك، وهكذا، ابحث عن أفكار مبتكرة، أشياء ترغب بفعلها لكنك لا تقوم بها عادة.

13- اعمل من أجل نجاحك الشخصي

قضيت وقتاً طويلاً من أجل إسعاد الآخر ،ومنحت جهوداً لإنجاح العلاقة، الآن وفي وقتك متسع وجهودك حرة وعقلك متقد، أعد توجيه هذه الطاقات لتصب في صالحك.

إن إنجازك لأمر مؤجل ومعلق سيجعلك تشعر بالخفة والفخر بنفسك، كما إنك تستحق النجاح ولديك الإمكانات اللازمة لحصول عليه.

استغرقني أسبوعين لكتابة هذه التدوينة، لذا يمكن التخمين بأن رحلتك للتشافي لن تكون سهلة، لكنها رحلة حتماً أنت بحاجة إلى خوضها، ستكتشف في نهايتها إن الحياة جميلة وإنها تستحق العيش، وإن أسباب العيش كثيرة ومتنوعة وكلها مهمة، وإن كونك بمفردك لا يعني نقصاً بل ربما هو الاكتمال الذي تنشده، سترتاح أكثر مع نفسك بما فيها من مزايا وعيوب، وستكون أكثر تسامحاً مع من حولك، ستشعر كما لو إنك تطفو، وإن تفاصيل الحياة اليومية المعتادة تكتسب معنى شعرياً أخاذاً، وستدرك إنك لستَ نادم على مشاعرك، وإنك ستحب مرة أخرى بشجاعة أكبر حتى وإن كان الانفصال هو النهاية، لأنك ابن اللحظة، ويكفيك مجداً أنك كنت صادقاً، وستكون صادقاً.

١٢:٢٦م

٣/٩/٢٠٢١

سمانا السامرائي