فادي عمروش
فادي عمروش

د

أفكار متناثرة من كتاب “كيف تعيش” لـ ديريك سيفرز

يقصُّ الكاتب  ديريك سيفرز في كتابه الجميل كيف تعيش سبعة وعشرين إجابة مختلفة على سؤال كيف تعيش حياتك، يفصّلها في فصول متفرِّقةٍ ينشد فيها التناقض لشحذ تفكيرنا خارج الصندوق بشكلٍ أو بآخر.

ديريك سيفرز هو موسيقي، مغنّي، ورائد أعمال، باع شركته بـ 22 مليون دولار بعد رحلة طويلة من الجدّ والمثابرة والإبداع وريادة الاعمال. يكتب ديريك عبر مدونته بانتظام، ويتميز بأنه يرد على الرسائل البريدية التي يتلقاها بانتظام، كما أنّ لديه مجموعة من الأحاديث الملهمة والرائعة ضمن قناته على يوتيوب. وقد كتب الدروس المستفادة في كتابه “كيف تحقق أي شيء تريده“.

يضم كتاب كيف تعيش  في سبعة وعشرين فصلاً يمكن التهامهم بشكلٍ متتابعٍ أو متفرقين دون ترتيبٍ، وتتضمَّن الفصول مجموعةً من الإجابات الصادمة نوعاً ما، وغير المتوقَّعة، وبعض الإجابات المرضية أحياناً، والمستفزّة غالباً، جلُّ أفكار الفصول من خارج الصندوق دون اقتراحاتٍ أو توجيهاتٍ واضحةٍ إنَّما يكتفي الكاتب بطرح جمل متبعثرة عن عيش الحياة بشكلٍ مختلفٍ عن الآخرين.

يتميَّز الكتاب بكثافة وسلاسة طرحه، فلا يعتمد أسلوب السرد بل الجمل المباشرة القصيرة التي بالكاد يتجاوز طولها سبع كلماتٍ، لكنك غالباً ستجد نفسك مجبراً على الجلوس وإعادة قراءة كل جملةٍ عدَّة مرَّاتٍ لاستيعابها وفهمها.

كن مستقلّاً

كن مستقلَّاً، فكل مآسي الحياة تأتي بسبب اعتمادك على الآخرين، إنَّ الاستقلال شقيق الحرية إن كان تحرَّراً من تبعية فردٍ أو تَقنيةٍ مُعينةٍ، أو اعتمادٍ على مصدر دخلٍ معينٍ. تسعى كل أطراف المجتمع من السوق الاستهلاكي والأفراد في حياتك الشخصية والعاطفية وحتى الشركات وسوق العمل أن تجعلك تابعاً لها، ومحتاجاً وغير متحكِّم بقراراتك، انتبه من فخِّ التبعية وتخلَّص من اعتمادك على المجتمع ما استطعت، وتجاهل التقاليد والعادات التي لا تقنعك، بل وتجاهل حتى أخبار السياسية والرياضة وكل ما يشغل تفكيرك ويأخذ من مساحة استرخائك، وابتعد عن كلِّ هذا الضجيج الذي يُضيّع وقتك ويقتل دماغك تشويشاً.

تجنب الغوغاء

لا تكن جزءاً من أيِّ مذهبٍ، لا تكن جُزءاً من أي مجموعةٍ أو حشدٍ ولا حتى مجموعة تواصلٍ اجتماعيٍ، افعل ما تؤمن به حقَّاً، ولا تعتمد في حياتك على المتغيرات التي لا تستطيع التحكُّم به، وابحث عما يشبع حريتك، ولا توقِّع التزاماً مع أي جهةٍ وليكن لك الحرية في أن تترك كلَّ شيءٍ في لحظةٍ!

حتى تكون حُرَّاً ينبغي تَعلُّم ما يساعدك في الحصول على دخلٍ في أي مكانٍ في العالم، تعلَّم المهارات التي تجعلك معتمداً على نفسك، تعلَّم قيادة السيارة، والتجديف، والزراعة، وصيد السمك، والعيش لوحدك في مخيَّمٍ، وتعلَّم الإسعافات الأوليَّة، وأي مهارة حياتية أخرى.

التزم

إنَّ الالتزام والانضباط مفتاحك للنجاح، لا تقضِ حياتك دون التزام أو انضباط، اختر أي أمرٍ لا على التعيين، مهارةً كانت أو هواية لا فرق، والتزم بها وناضل في سبيل تحقيقها، ليس المهم أن تختار أفضل الأمور أو القرارات، ما هو مُهمٌّ فعلاً هو أن تتَّخذ قراراً لا يقبل التراجع ومن ثمَّ تلتزم به وتنضبط في أدائه، إنَّ القوَّة الحقيقية هي قوة التراكم إذا لم يكن لديك التزاماً دائماً لن تستطيع المضي قُدماً في الحياة.

حتَّى تلتزم اخلق العادات الصحيَّة الصحيحة التي تُساعدك على الالتزام، وبالمقابل لتُحافظ على الالتزام ألغِ جميع العادات التي تُشجِّعك على عدم الالتزام، وتعلَّم فالتعلُّم هو مفتاح الالتزام، وتزوج فالزواج مفتاحٌ للالتزام، ولا تحرم نفسك الحب فهو يدفعك للالتزام، وفي جميع الأحوال يجعل الالتزام منك شخصاً أقوى ويُعلِّمك كيف تعيش.

اشعر بما حَولك

اشعر بما حولك، أمعن النظر بما حولك، اسمع ما حولك، تذوَّق ما حولك، كن ممتنَّاً لما تقدِّمه الحياة لك، استمتع بالطعام بتذوِّقه برويَّةٍ وليس على عجلةٍ، استمع إلى الموسيقى بهدوءٍ ولا تجعل منها خلفية موسيقية فقط، استمع للناس بإنصاتٍ وليس لإمضاء الوقت، اشعر بما حولك فعلاً.

لا تقضِ وقتك في عجلةٍ مُسرعاً ماضياً دون انتباهٍ، ماذا لو جرَّبت مرةً المشي دون هاتفٍ وأمعنت النظر في الناس من حولك متفكِّراً في التفاصيل الصغيرة؟ ماذا لو تذوَّقت مرَّة على الغداء وجبتك مُمتنَّاً مُتذوِّقاً كل مكوِّناتها عِوضاً عن التهامها على عَجلٍ؟ اشعر بما حولك وتمهّل.

جرِّب ألا تفعل شيئاً

تجري الحياة ونعيشها بسرعةٍ لتحقيق الإنجاز، يُريد الكل أن يُنافس الآخرين وأن يتفوَّق عليهم، ماذا لو وقفتَ لبرهةٍ ذات يومٍ لتفعل لا شيء!؟ ماذا لو قرَّرت أخذ استراحة وعُزلة  دون أن تفعل أي شيءٍ؟ فقط لتصمت وتراقب، وأن تتوقَّف عن كلِّ الضجيج الذي حولك من وسائل التواصل الاجتماعي أو العائلة أو الأصدقاء.

ليس المطلوب منك أن تتَّخذ قراراً كلَّ يومٍ ولا أن تُنافس كلَّ يومٍ، إذا سألك أحدهم أمراً تستطيع أن تقول لا أعرف فلست مجبراً على معرفة كلَّ شيءٍ، ويستحيل بداهةً تحقيق ذلك، جرِّب أن تعيش يوماً دون فعل أيَّ شيءٍ، استيقظ فقط لتُراقب وتتعلَّم من حولك وتعيش اللحظة بكلِّ هدوءٍ.

التفكير طويل الأمد

إنَّ التفكير طويل الأمد هو سبيلك الوحيد للنجاح المادي، لا أعني التفكير لشهرٍ، أو شهرين أو لسنةٍ أو سنتين! وإنَّما لسنواتٍ طويلةٍ من التراكم الطويل، لأنَّ التراكم هو فقط ما يصنع المُعجزات، ضع أموالك في صندوقٍ استثماريٍّ بشكلٍ تراكميٍّ، ولا تسحبها، وحافظ على أن تقتطع مبلغاً دوريَّاً من دَخلك مهما كانت ظروفك، لا تجادل ولا تحاول إقناع نفسك أن ليس لديك المال، ما دُمت تأكل وتشرب وتدفع فاتورة الإنترنت وتقرأ هذا النص فأنت تملك المال، جرب اقتطاع 10% من كل ذلك وضعه  في صندوقٍ استثماريٍّ طويل الأمد.

لو بدأت بأيِّ مبلغٍ بسيطٍ سيصيّره التراكم ثروةً في نهاية المطاف، تحتاج فقط إلى ميزانية إنفاقٍ عقلانيةٍ دون شحٍّ أو تبذيرٍ، وتحتاج إلى توظيف الفائض من دخلك في مصادر الاستثمار المختلفة، استثمر في التعلُّم مثلاً، أو التدريب، أو في كلِّ ما يبني ذاتك. استثمر قوة التراكم لصالحك. إنَّ 25 دولاراً بشكلٍ يوميٍّ هو مبلغٌ ضئيلٌ للاستثمار لكنه يعادل نحو عشرة آلافٍ سنويَّاً، ومئتي ألف بعد عشرين سنة، وهذا دون أن نحسب قوة الفائدة المركَّبة.

ينطبق الأمر ذاته على مستوى المهارات، فإذا قررت تعلُّم العزف في سِن الأربعين ستصبح عازفاً في سِن السِتين، أي لا مشكلة إن بدأت في سِن العشرين أو الأربعين أو السِتين حتَّى، ففي جميع الأحوال ستلعب قوة التراكم دورها حتماً.

والعكس بالعكس أيضاً، لذا ينبغي عليك أن تحافظ على العادات الصحية لأنَّ قوة التراكم السلبية ستطيح بك لو استمرَّيت بسلوكٍ سلبيٍّ معيَّنٍ، إذا ما التهمت مثلاً الكثير من السعرات الحرارية سينتهي بك الأمر إلى السُّمنة، حذارِ من التراكم بشقِه السلبي، واسعَ إلى التراكم بشقِّه الإيجابي.

احترف تخصُّصك المهنيِّ، وطوِّر نفسك فيه حدَّ الإتقان، فالاحتراف فقط من يصل بك للدخل الذي تطمح إليه، وسيجعلك شخصاً سعيداً، ومستمتعاً بعملك، ومُنجزاً أكثر، ويعطيك أريحيةً في العمل من أي مكانٍ في العالم، فهو سبيلك إلى لحياة.

دع العشوائية تتدخَّل

لا تُفكِّر بالسبب والنتيجة، ولا بما ستؤول إليه الأمور فالحياة أكثر عشوائيَّة ممَّا نعتقد، وأكثر احتماليَّة ممَّا نظنُّ، لذلك دع الاحتمالات تتدخَّل في حياتك ولا ضرورة لاتِّخاذ القرارات كلَّ يومٍ بدقَّةٍ، فالعشوائية تصنع أفضل الفرص.

كن مشهوراً واسع الصيت، وحسن السمعة في مجال عملك، وروِّج لنفسك في دائرتك المهنية حتَّى يتواصل معك من ينوي الحصول على خدماتك بدلاً من أن تبحث أنت عن عملٍ.

تعلَّم

تعلَّم فالتعلُّم هو طريقك للحياة، لن تصبح غنيَّاً دون أن تتعلَّم، ولن تصبح صحيَّاً دون أن تتعلَّم العادات الصحيَّة، فلا تأخذ أي مسلَّماتٍ في حياتك دون أن تتعلَّم، لا تُؤمن بظنونٍ واعتقاداتٍ هشّةٍ، واسال الأسئلة ولا تطرح إجاباتٍ، وشكّك في معرفتك ومعرفة من حولك دون أن تسقط في دائرة العدمية والنسبية حتَّى لو شعرت أنَّك قليل المعرفة، فذلك أفضل من ثقتك الفارغة بنفسك الجاهلة.

كلما تعلمت أكثر فهمت أكثر وفُتِحَتْ أبواب لك أكثر، تعلَّم كيف تتعلَّم بالشكل الصحيح، وكيف تصل إلى المعلومة الصحيحة، وكيف تبحث بشكلٍ صحيحٍ، وكيف تستمع وأنت تتعلَّم، وكيف تأخذ ملاحظات، وكيف تراجع ما تعلَّمته وتختبر ما تعلَّمته، فالتعلُّم فقط ما يجعلك شخصاً أفضل، ويجعل من العالم مكاناً أفضل.

اتَّبع كتابك المقدَّس، وحاول أن تتبعه وتعود له إن كان القرآن الكريم، أو الإنجيل إن كنت مؤمناً، أو أحد الكتب الملهمة إن كنت غير ذلك، المهم أن تؤمن بأنَّ هذا الكتاب حكيم وهو أعلم منك وأكثر دراية منك، اتبعه وعد إليه وليكن مصدر امتنانك، وشغفك وتعلَّم منه دوماً.              

استمتع بحياتك واضحك

استمتع بحس السخرية والدعابة، فالحياة أقصر وأهون من أن تأخذها على محمل الجدِّ في كلِّ أمرٍ، وكن مرحاً، واستمتع، وتعلَّم كيف تعيش، وتعلَّم كيف تضحك وكيف تبتسم.

حضِّر نفسك للأسوأ، لن يكون المستقبل مُشرقاً كما تتوقع دوماً، أنت تعيش في زمن مليء بالمتناقضات فتوقع الأسوأ وتحضَّر له، لا تقلق فالقلق شعور عاطفي أنا لا اتكلم عن العواطف وإنَّما التحضير للأسوأ.

ماذا لو حدث أسوء سيناريو؟ كيف ستتعامل معه، وما هي خطَّتك في الحياة؟ يقودنا هذا السؤال للحديث عن الرفاهية التي هي عدوُّك الدائم في سبيل التحضير للأسوأ، فإذا اعتدت على الرفاهية -مهما كانت- ستؤدِّي بك إلى الفشل حين حدوث المشاكل.

جرِّب أن تنام على الأرض دون سريرٍ عدَّة مرَّاتٍ، وجرِّب النوم في جوٍّ غير مريحٍ، ولا تجعل الرفاهية جزءاً أساسيَّاً من حياتك، ولا تجعلها من المُسلَّمات في حياتك، ولا يعني هذا بالتاكيد ألا تستخدم الأدوات التي توفِّر عليك الوقت، ولكن لا تستخدم ما يصعب عليك التخلِّي عنه لاحقاً.

اسعَ إلى الثراء

اسعَ إلى الثراء وجمع الأموال، ولا يعتبر ذلك أمراً شريراً، أو طمعاً، وليس أمراً يمكن الخجل منه، إذ تجعلك الأموال حُرَّاً، وآمناً، وقادراً على العيش بصحَّةٍ وعافيةٍ، ويمكنك أن تصبح غنيَّاً إذا ما استطعت ادِّخار الأموال واستثمرارا في مجالٍ ذي عائدٍ دوريٍّ يراكم لك المال عبر الزمن.

لكي تصبح غنيَّاً ابحث عن نقاط قوَّتك، وعمَّا يميُّزك عن الآخرين، تجنَّب التنافس ما استطعت، وامتلك مشروعك الخاص إلى جانب عملك، أو امتلك أسهماً، أو جزءاً من شركةٍ إذا كَبُرت ستكبر معها.

تعلَّم الاستثمارات التي تدرُّ عائداً سنويَّاً، أو شهريَّاً بشكلٍ دوريٍّ، تعلَّم الاستثمار لا القمار، ولا المضاربة، ولا الانتظار. لا تُضارب ولا تتنبَّأ ولا تشترِ شيئاً على أمل ارتفاع سعره لأنَّه ليس استثماراً، بل اشترِ ما تؤمن بنموِّه ويمكن الاستثمار به للأبد.

استمتع بالأخطاء

تعلَّم من أخطائك فأفضل عمليَّة تعلُّمٍ هي التعلُّم من الأخطاء، جرِّب كلَّ شيءٍ عبر الزمن، جرِّب وافشل وتعلَّم، وتجاهل تلك التحذيرات التي تبطئك وتثبّط عزيمتك، جرِّب كلَّ جديدٍ فإذا لم تُجرِّب لن تتعلَّم. إنَّ الأخطاء هي التي تجعلك متوازناً عاطفيَّاً وتقضي على القلق، كلَّما خضت تجارب أكثر، تصالحت مع الواقع أكثر، وقلَّ توتُّرك أكثر.   

ختاماً

ستكتشف مع نهاية الكتاب قدرتك على التعلُّم من جميع جوانب الحياة، وستستشعر تناقض النصائح ووجهات النظر التي ستساعدك على إدراك أنَّك تحتاج حقًاً إلى بعض التوازن في حياتك، عد خطوةً إلى الوراء واعرض المواقف من وجهات نظرٍ مختلفةٍ، وتفكّر.. فقط تفكّر بتلك النصائح المتناقضة.