عبد العظيم واوية
عبد العظيم واوية

د

الإله كصانع لفيروس كورونا

هذه التدوينة موجّهة بشكل حصري لأولئك الذين لا يرون إلا أنفسهم. لأولئك الذين يجدون في انتشار وباء عالمي وجائحة مرضية هنا وهناك، عذاب مقيم وسخط أليم كعقاب إلهي لمجموعة من الناس جزاء ما كسبت أيديهم من قبل.

التدوينة لا تهدف إلى نقدهم بشكل مباشر لأن صراحةً النقد يكون لشيء فكري قيم، وهو ما لا يقدمونه ولا يقتربون حتى. فليس أي شيء يستحق أن يعلّق عليه. يمكن أن نقول أنّ ما سأكتبه عبارة عن عصف ذهني سريع لعل أحدٌ ما يعيد التفكير أو يرى الموضوع من زاوية أخرى لم يعتد النظر منها.

جميعنا رأينا في الآونة الأخيرة انتشار فيروس كورونا في الصين وعدّة نقاط أخرى من العالم، وجميعنا شاهدنا أن البعض يقول بلهجة استكبار حاقدة أن هذا الفيروس هو عقاب إلهي للصينين جراء أفعالهم.

هذه هي وجهة النظر التي نريد وضعها تحت الاختبار، وسنبدأ بعرض النقاط التالية.

عندما تتحدث عن فيروس كورونا بأنّه عقاب إلهي للصينين فنحن أمام مفهوم فلسفي يسمى الانخراط الإلهي المباشر أو العناية الإلهية، الذي يتجلى اختصاراً بأنّ الإله يتابع بدقة مجريات الحياة اليومية ويتدخل بها ويقوم بالتعديل.

عندما تريد حشر الإله في علم الأمراض والأوبئة، فأنت عملياً تقوم بتشويه صورة الإله وليس تقديمه بشكل الإله العادل الذي يعاقب الظالمين. لأنك بهذا الفعل مباشرةً تطرح التساؤل التالي: ماذا عن بقية الأمراض؟ طالما أن الإله يتدخل ويعاقب الناس بصنع فيروسات. ماذا يمكنك أن تقول عن السرطان؟ ماذا يمكنك أن تقول عن الذي يولد بتشوهات ولادية؟ ماذا تقول حتى عندما ينتشر الفيروس نفسه كورونا ليصيب دولاً وأناساً مؤمنين ليس لهم دخل في شيء؟

أليس لا تزر وازرة وزر أخرى؟ ما الذي يحدث هنا برأيك؟

ولمَ التدخل دائماً يكون بشكل سلبي فقط، لم لا يكون إيجابي؟ مثلاً المجاعات في إفريقيا، ينتشر فيروس بمواصفات خارقة، يسبب الشعور بالشبع للناس وتتحسن أحوالهم؟

ثم إن الموضوع يفتح النقاش على باب لن يغلقه أحد وهو معضلة الألم ومشكلة الشر الفلسفية، المعضلة باختصار طرحها أبيقور قبل ثلاثة آلاف عام ولا تزال مفتوحة إلى الآن. وهي بإيجاز عندما يتساءل أبيقور بالقول: لماذا يسمح الإله بالشر؟

حسب وجهة نظرك الحاقدة فأنّ الشر هنا هو فيروس كورونا وهو عقاب إلهي للصينين، فأنت تقول أنّ الإله يسمح بالشر؟ أي وفقاً لأبيقور أنك تقول أنّ إلهك شرير لأنه يسمح بالشر، فهو إذن غير عادل، أي لا ينبغي عبادته.

أو قد تقول الإله لا يسمح بالشر. لكن الشر يحدث والفيروس ينتشر. وهنا أنت أمام أزمة ثانية يطرحها أبيقور وهي أنك تصف إلهاً عاجزاً، أي إله يرى الشر لكنه لا يستطيع أن يفعل شيء حياله. أي أنه متفرّج، فلا ينبغي حينها أن تعبده.

وهكذا تبقى القصة مُعلّقة.

لكن لماذا؟

لأنك أردت حشر الإله في موضوع لم يقل أنّه موجود فيه مسبقاً، الإله وفق الفيلسوف الإسلامي سيد حسين نصر، خلق العالم وتركه يدير نفسه بنفسه. حالة شبيهة بنموذج إسحاق نيوتن للعالم الميكانيكي، بحيث يكون الإله هو واضع القوانين ولا يُعنى بنتائج هذه القوانين وما يترتب عليها، بل هي نتائج طبيعية بشرية عادية. هذه قوانينكم وهذا عالمكم، لا دخل لي به، مرجعكم إليّ في يوم آخر بعد نهاية الزمن.

حياة الإنسان وما فيها من حروب وكوارث وزلازل وبراكين وأوبئة ونجاحات علمية وإخفاقات وفترات سلام ومعاهدات وأفلام ومواثيق، أشبه ما تكون بدراما حشرات تعاش في نطاق زماني ومكاني ضيق يكاد لا يرى في أبعاد كون سحيق مترامي الأطراف. أن تقوم بحشر الإله، ليتدخل في هذه الدراما القذرة، وغالباً ليحدث تدخلاً سلبياً فقط، يعكس توجهات حاقدة لفئات معينة تعطي صورة عن إله محدود جداً وليس إله كوني شامل، فهو تشويه لصورته أكثر من كونه تجميلاً لها.

ثم لنفترض أن حدث وتدخل، ماذا ستصبح أهمية يوم الحساب مثلا؟ إذن فلتقضى الأمور هنا في هذه الحياة. هذا نعطيه زلزالًا، ذاك نعطيه فيروسًا، ذلك الآخر نسلّط عليه ظالماً وينتهي الأمر. أليس كذلك؟

هل الإله معنا أم معهم؟ الإله مع صاحب المدافع الأكبر! -نابليون

لا يا عزيزي لا، العالم يدير نفسه بقوانين فيزيائية طبيعية واضحة. صاحب السلاح الأقوى دائماً سينتصر مهما كان إيمان الطرف الآخر. سيارة المارسيدس ستسبق سيارة الخردة مهما كانت سيارة الخردة “موقنة” بالفوز. لأنه عندما تنطق قوانين المادة، تلعب الميتافيزيائيات دوراً ثانوياً داعماً وليس مركزياً محورياً.

في هذا السياق تذكّرت أحد اقتباسات جبران خليل جبران عندما قال:

صحيح أن الملحد لا يؤمن بإله. لكن المتدين يفعل ما هو أسوأ. يشوّه صورة الإله!

وأنت الآن تفعل كذلك. تقوم بحشر الإله في سياقات لا تناسبه. وإن حدث وناسبته، فإنها وفقاً لأبيقور تعطي صورة لإله ليس رحيم عادل؛ بل على العكس من ذلك تماماً.

فنحن بكل ما لدينا، نعيش أشبه ما يكون بـ دراما السيئين أو ما يمكن أن نسميها الحياة الدنيا بلفظ ديني. لذلك رجاءً دع الآلهة تمارس عظمتها بعيداً عن تفاهتنا. رجاءً لا تحشرها في صندوق صغير من الإدراك الخاص بنا يسمى الوعي البشري. رجاءً لا تفعل ذلك.