فادي عمروش
فادي عمروش

د

كيف نحوِّل الاستغلاليِّين إلى مِعطائين؟

قد تدفعنا طبيعة الحياة المادِّيَّة التي نعيشها هذه الأيام إلى الاعتقاد بأنَّ العطاء صفةٌ ضارَّةٌ بصاحبها، أو غير مُربحةٍ، خصوصاً في بيئة العمل، ورغم الانخداع بذلك من الكثير إلا أنَّه غير صحيحٍ كما درسه آدم جرانت وشرحه بالتَّفصيل في كتابه الشَّهير الاستغلال والعطاء.

قرَّر البروفيسور آدم جرانت لدراسة موضوع الاستغلال والعطاء القيام بدراسةٍ تحليليَّةٍ مستفيضةٍ للعديد من الدِّراسات العلميَّة النَّفسيَّة في العالم عن الموضوع، حتَّى وصلَ إلى نتائج غير متوقَّعةٍ، وثوريّةٍ في موازينَ النَّجاح التي اعتدنا سماعها، وتوصَّل البروفيسور آدم إلى أنَّه على المدى الطويل يقع الشَّخص المعطاء في أعلى سلَّم الأشخاص النَّاجحين في الواقع العمليِّ، ويأتي بعده الشَّخص الاستغلاليُّ، أو الأنانيُّ.

تتلخَّص نتائج الكتاب في أنَّ النَّاس من حولنا -في بيئة العمل خصوصاً- يمكن تقسيمهم إلى 3 فئاتٍ:

الاستغلاليّ Taker : الذي يسعى إلى أكبر قدرٍ من الاستفادة ممَّا حوله.

المعطاء Giver : الذي يساعد مَن حوله دون انتظار مقابلٍ لما قدَّمه.

الموازن Matchers : الذي يقع بين الاثنين، ويعطي على قدر توقُّعه، أي يُعطي على قدر ما يمكنه أن يأخذ.

بيَّنت الدِّراسات التي عرضها آدم جرانت في كتابه أنَّه وعلى الرّغم من كون المعطاء عرضةً ليكون في أسفل سلَّم النَّجاح، وللاستهلاك النَّفسيِّ، والصِّحيِّ على المدى القصير، إلا أنَّه على المدى البعيد سيكون الشَّخصيَّة الأكثر نجاحاً، وتأثيراً في العديد من المجالات والصِّناعات! وقد أرجع ذلك إلى عدَّة اسبابٍ أهمّها نوعيَّة العلاقات التي يخلقها المعطاء، والتي تساعد في جعلِ النَّجاح شيئاً مُعدياً يصيب الجميع من حوله، ويدفعهم إلى مساندة نجاحه هو، بعكس الاستغلاليِّ، أو الأنانيِّ الذي يبني نجاحه على إنقاصِ شيءٍ من حوله، ويخلق له الأعداء على المدى الطَّويل، فهو يربح على المدى القصير، ولكنَّه يخسر على المدى الطَّويل.

وصل الكاتب في نهاية المطاف إلى أنّه من المهمِّ للمؤسَّسات أن تشجِّع ثقافة العطاء، وأن تغيِّر الاستغلاليين فيها إلى معطائين لأنَّ في ذلك مصلحة لها على المدى الطَّويل، وهنا يأتي السُّؤال كيف بإمكاننا تغيير الأفراد الاستغلاليِّين إلى مِعطائين؟ والذي نقتبس إجابته من آدم غرانت أيضاً.

من استغلاليٍّ إلى معطاء!

من الأمور المهمَّة التي تجعل الاستغلاليَّ أقلَّ استغلالاً هو عدم رغبته بأن يوصف بأنَّه استغلاليٌّ، لا أحد يرغب بالظُّهور كاستغلاليٍّ، أو أن يصفه الآخرون بالأنانيَّة، وفي الحقيقة متى ما  كان الاستغلاليُّ تحت الضَّوء، وتصرُّفاته محسوبة عليه، يميل إمَّا إلى المشي مع التَّيار، أو إلى السَّخاء بالعطاء، وربَّما يتحوَّل إلى شخصيَّةٍ معطاءةٍ أمام الآخرين، وهذا أمرٌ مهمٌّ يمكن أخذه بعين الاعتبار بإلقاء الضَّوء على الاستغلاليِّين، ووضعهنّ تحت العدسة فيغيِّرون سلوكهم المكشوف للجميع.

يشير آدم ايضاً إلى أنَّه من المهمِّ أيضاً الاعتراف بوجود أسبابٍ متعدِّدةٍ وراء أن تكون شخصيَّة الإنسان استغلاليَّةً؛ ما يستدعي منّا اتِّباع أساليب، واستراتيجياتٍ مختلفةٍ  للتَّعامل معها. ربَّما تكون الشَّخصيَّة نرجسيَّةً ذات أنا متضخَّمة وهشّة، وهذا إن دلَّ  على شيءٍ فيدلُّ على  شعورٍ بعدم الأمان وبالنَّقص؛ لذلك تسارع هذه الشَّخصيَّة إلى نسب كلِّ شيءٍ إليها  كنوعٍ من تعويض النَّقص الذي  تعاني منه. من ناحيةٍ أخرى ربَّما أمضى الشَّخص وقتاً طويلاً في حالة عطاءٍ، ومراعاةٍ للآخرين لدرجةٍ استنزفت قواه، فتغيَّر ووجد الحلَّ في الأنانيَّة، والاستغلاليَّة.

المغزى هو السِّر

يجب أن نغيِّر المعادلة في العمل من خيار استغلال الآخرين أو عدمه إلى خيار الرَّبح معهم، و الحلُّ الأمثل لذلك هو بناء مغزى، وقيمةٍ لما يقوم به الموظَّفون في الشَّركة. بالنَّظر إلى الإحصاءات حول أهمّ الأمور التي يبحث عنها الموظَّفون في الأعمال التي يؤدُّونها، يتبَّين أنَّ المغزى، والقيمة يحتلَّان الصَّدارة. في هذا الشَّأن، ما يعطي العمل قيمته هو شعور الموظَّف بأهمِّيَّة الوقت الذي يقضيه في العمل على حساب حياته الخاصَّة؛ والإحساس بأنَّ عمله يُحدث تغييراً حقيقيَّاً، ويعود بالفائدة على الآخرين. وبرأيي هذه النُّقطة -على أهمِّيتها- يغفلها العديد من القادة والمديرين.

يلجأ معظم القادة والمديرين إلى تحفيز موظَّفيهم، ولا سيما من يمارسون الأعمال الصَّعبة والمُرهقة بطريقةٍ خاطئةٍ في الوقت الذي يكون فيه غالبيَّة الموظَّفين في حالة شكٍّ دائمةٍ إن كانوا يؤدُّون عملهم بالشَّكل الصَّحيح، أو عليهم العمل بجدٍّ أكبر، أي أنَّه يوجد دافعٌ خفيٌّ. أُجريتُ دراسة عن أثر اللُّجوء إلى التَّحفيز بالاستعانة بمصادر خارجيَّةٍ مثل البحث عن زبائن استخدموا المنتج أو الخدمة، والطلب إليهم التَّحدث عن تجربتهم، وكانت نتائج هذه الطَّريقة مذهلةً، وانعكاساتها إيجابيَّةً جدَّاً على الإنتاج الأسبوعيِّ.