فادي عمروش
فادي عمروش

د

الصيام المتقطع – ملخَّص كتاب صوموا بهذه الطَّريقة

يُعرَّف الصيام ببساطة على أنَّه الحرمان من شيءٍ معيَّنٍ من الطَّعام، أو المادَّة، أو العمل، أو الجنس، ويتضمَّن الابتعاد عمَّا نعتقد أنَّنا لا تستطيع العيش دونه، لكن ذلك لا يعني الامتناع عنه بصورةٍ نهائيَّةٍ، يقيس الصيام درجة التَّعلُّق، والارتباط بالشَّيء الذي تحرم نفسك عنه، ولا يتعلق الأمر بالرغبة بفقدان الوزن ولكن للصيام فوائد كثيرة منها تأخير الشيخوخة على سبيل المثال لا الحصر.

يتناول الكاتب ديف إسبري _كاتبٌ أمريكيٌّ في كتابه “صوموا بهذه الطريقة Fast This Way” ممارسةً قديمةً تُعرف بالصِّيام المتقطِّع، يشرح فيه فوائد الصِّيام التي تتجاوز خسارة الوزن، ويعتبره رحلةً روحيَّةً، وعاطفيَّةً، وجسديَّةً، وإلى جانب ذلك يُقدِّم الكتاب الصيام بكونه خطَّةً ملموسةً، ومرنةً توضع حسب حاجة الفرد، وغايته من الصِّيام بغضِّ النَّظر عن عمره، وزنه، وعرقه وليس مجرَّد عمليَّة حرمانٍ، ومعاناةٍ، ويصف الصِّيام أنَّه مرحلةً في رحلة الوصول إلى حياةٍ أفضل جسديَّاً، ونفسيَّاً، وذهنيَّاً، وروحانيَّاً.

يمتاز الكتاب بلغته البسيطة السَّهلة التي تخاطب جميع العقول، وبمناقشته للموضوع مستشهداً بحقائق علميَّةٍ مرتبطةٍ بالجانب البيولوجيِّ والجانب النَّفسيِّ. أخيراً، يتوجَّه الكاتب إلى جميع المهتمِّين في الصِّيام، إن كانوا مبتدئين، أو متمرِّسين مقدِّماً خبرته الشَّخصيَّة في هذا الشَّأن.

في عام 2004، صمَّم الكاتب نظاماً جديداً للصِّيام المتقطِّع، يُنشّط جميع فوائد الصِّيام دون الشُّعور بالجوع الشَّديد أثناء الصِّيام. يقوم النِّظام على بدء اليوم بشرب كوبٍ من قهوة البوليت بروف، وهي مشروبٌ يحتوي على القهوة، والزَّيت، والزِّبدة، ويدَّعي مروِّجو هذا المشروب أنَّه يحتوي على مجموعةٍ من الفوائد الصِّحيَّة، وحسب الكاتب فهي تحفِّز جزيئات الدُّهون-الكيتونات داخل الجسم حتَّى تمدَّ الجسم بالطَّاقة اللَّازمة، وتبقيه في حالة يقظةٍ. ينصح الكاتب البدء تدريجيَّاً بحمية البوليت برووف للتَّخيف من التَّوتُّر في البداية، والإنصات إلى الجسم. على سبيل المثال، إذا لم تستطع العيش دون بروتين، جرِّب حينها نظام الكيتو مثلاً الذي يعتمد على تناول البروتين، والدُّهون فقط.

شخصيَّاً لست من أنصار اتِّباع نظامٍ غذائيٍّ معيَّنٍ مثل نظام الكيتو، ولكنَّني أنقل الأفكار مع الرَّغبة باسقاطها، ولو بشكلٍ مختلفٍ.

لم يُعتبر الصِّيام مهمَّاً في الحياة؟

تسعى الشَّركات الغذائيَّة إلى خلق صورةٍ ذهنيَّةٍ في عقول المستهلكين أنَّ الجوع، والشَّهوة، وجهان لعملةٍ واحدةٍ، وتلبية الشَّهوة أمرٌ ضروريٌّ لتجنُّب الألم، فتبقي زبائنها حبيسي الأطعمة طوال الوقت. تستطيع تحرير نفسك من سطوة الطَّعام بممارسة الصِّيام، وتعلُّم أنماط الصِّيام المتنوِّعة، واختيار الأنسب منها من شأنه أن يأخذك إلى حياةٍ أكثر صحَّة جسديَّاً، ونفسيَّاً. يخالف الصِّيام بأنماطه المختلفة الاعتقاد الشَّائع بأنَّه معاناةٌ، وجوعٌ، بل هو ممارسةٌ تقلِّل من الشُّعور بالشَّهوة، وحتَّى أنَّه يخفِّف من الإحساس بالجوع المستمرِّ.

على صعيد آخر يساعد الصيام على إبطاء معدل الشيخوخة في أجسامنا، من خلال تحفيز جينات طول العمر في جسمك للحفاظ على الإبيجينوم وبالتالي الدخول في وضع “الإصلاح والحماية” بدلاً من “النمو والتكاثر”، يمكنك التفكير في تناول كميات أقل، مثل تقييد السعرات الحرارية.

تثبت تجارب الفئران نجاعة ذلك بالفعل، إنّ أفضل طريقة لجعل الفأر يعيش لفترة أطول هو تقليل مقدار الوقت الذي يأكله، لذا فإن الصيام الدوري، والصيام المتقطع، وتقييد الأحماض الأمينية، هي وصفة العمر الطويل للفأر. وهذا صحيح أيضًا للقرود، حيث أدت الحميات المقيّدة بالسعرات الحرارية إلى إطالة عمر القردة التي كانت تأكل بشكل محدود مقارنة بتلك التي تلتهم الطعام متى أرادت، لقد كانت النتائج مذهلة لم تشهد القرود فقط تقدماً في العمر أبطأ، إنّما لم يصابوا بنفس القدر من مرض السكري وأمراض القلب، لقد كانوا في الواقع يتمتعون بلياقة بدنية وصحية جيدة، عندما كانت المجموعة الضابطة من القردة تأكل ما يريدون وتكبر في السن وتمرض بشكل أسرع.

لكن ما هو الصِّيام المتقطع؟

يُعرف الصِّيام المتقطِّع بالتَّناوب بين الصِّيام لفتراتٍ قصيرةٍ، والسُّلوكيَّات العاديَّة، ويعدُّ أفضل أنماط الصِّيام لتطبيقه بشكلٍ دوريٍّ، كما ينظِّم الصِّيام مستويات الأنسولين في الجسم، ويحفِّز عمليَّة التَّنظيف الذَّاتي داخل الجسم (الالتهام الذَّاتي)، وينشِّط جزيئات مضاد الشَّيخوخة، ويُحسِّن إعادة توليد الخلايا الجذعيَّة. على صعيد آخر تتحكَّم  بكتريا الأمعاء بالنِّظام الدَّاخليِّ في الجسم، فعندما لا تستقبل الطَّعام، تحرق الدُّهون الفائضة من أجل إنتاج الطَّاقة. يفيد الجوز، والحبوب، والشُّوفان، والنخالة بكتيريا الأمعاء، وتبقيها بحالةٍ جيِّدةٍ، ووفق الكاتب يخفِّف الصِّيام من الالتهابات الدَّاخليَّة، إذ يأخذ الصِّيام الطَّاقة التي تُستخدم لهضم الطَّعام، ويعيد توجيهها إلى تصليح، وشفاء الأعضاء الدَّاخليَّة.

يشير الكاتب إلى أنماط الصِّيام الشَّائعة منها: صيام 16:8 (الذي امارسه شخصياً)، وصيام 5:2، وصيام الوجبة الواحدة ( أمارسه بشكل متكرر)، وحمية بوليت برووف. يوضِّح الكاتب بعض الفروقات؛ يقلِّل صيام 8:16 عدد الوجبات إلى اثنتين فقط في اليوم حيث يمكنك الأكل خلال نافذة 8 ساعات، والامتناع عن الطعام لمدة 16 ساعة؛ وفي صيام الوجبة الواحدة، يحصل الجسم على حاجته من السِّعرات الحراريَّة من وجبةٍ واحدةٍ بين السَّاعة 4 و7 مساءً، ولا يُنصح به للمبتدئين؛ أمَّا صيام 2:5 فيقتصر على يومين في الأسبوع يحصل فيه الجسم على 500، أو 600 سعرة حراريَّة فقط، ويكون التَّركيز الأكبر فيه على خسارة الوزن.

يفرِّق الكاتب بين الصِّيام، والحمية، نعم هما متشابهان، ولكن ليسا الشَّيء ذاته. يتعامل الصِّيام مع الشَّهوة، والرَّغبة الشَّديدة، أمَّا الحمية قد تؤثِّر سلباً عليهما. يؤكِّد الكاتب على أهمِّيَّة دعم المحيط، ومشاركة الآخرين في تحقيق أفضل النَّتائج من الصِّيام، إذ يساهم في تخفيف التَّوتُّر، ويزيد من دافع الاستمرار، ولا نغفل تأثير الموقف الشَّخصيّ من الصِّيام؛ فيجب اعتباره وسيلة تغييرٍ للأفضل، وليس أمراً واجباَ فقط يزيد من فاعليَّته.

نصائحٌ، وإرشاداتٌ حول الصِّيام:

  • خلال الصِّيام، تناول البروتين، وبعض الكاربوهيرات، وتجنَّب السُّكر، وإذا شعرت بأعراض العدوى البكتيريَّة خلال العدوى الفيروسيَّة أثناء استخدامك الدُّهون الثُّلاثيَّة متوسِّطة السِّلسلة، أو زيت الجليسيريد الثُّلاثيَّة الذي يكون دهوناً مصنَّعةً.
  • عندما تبدأ الصِّيام، يبدأ الجسم بإصدار التَّحذيرات، والشَّكاوى، والذُّعر. تحتاج عندئذٍ إلى فصل الحقائق عن الاستجابات البيولوجيَّة التِّلقائيَّة التي تخبرك أنَّك قد تموت إذا لم تأكل. تستمرُّ هذه  المخاوف حتَّى تمرَّ فترةٌ قصيرةٌ بسلامٍ، فتتلاشى كلُّ هذه المخاوف.
  • الأفكار، والمشاعر تؤثِّر عليها اللغة التي نستخدمها. تجنَّب استخدام كلماتٍ تشعرك بالضَّعف مثل: لا أستطيع، أو أحتاج. تعلَّم أن تفصل حاجاتك عن رغباتك.
  • أثناء الصِّيام، مارس نشاطاتٍ مثل يوغا، تأمَّل، والرِّياضة لتخفيف التَّوتُّر.
  • تشكيل أيِّ عادةٍ يحتاج إلى 6 أسابيعٍ، لذا من المهمِّ أن تبحث، وتختار نمط الصِّيام الذي يناسبك، وإلا سوف يكون عادةً تضرُّ بجسمك.
  • عند الصِّيام، والشُّعور بالجوع، خذ نفساً عميقاً، وبطيئاً، وذلك سوف يهدِّئ جسمك، ويركِّز، عقلك، وطاقتك.
  • الانضباط، وضبط النَّفس، والتَّحكُّم الذَّاتيّ، وليس الحرمان هو جوهر عمليَّة الصِّيام. 
  • الانخراط مع المحيط، وتحسُّن الحواس، وتغيير منظورك العام للأمور هي نتائجٌ حتميَّةٌ للصِّيام. 
  • في الصِّيام تضعف سلطة الأنا على جسدك وعقلك، وتتسلَّم أنت الدَّفة، ويزداد تعاطفك مع الآخرين، ويتعزَّز إحساسك بالانتماء، وتشعر بالحاجة إلى التَّواصل مع الآخرين، ومع نفسك، ومع العالم.

يُطلق الكاتب بعض التَّحذيرات منها: تجنُّب الأطعمة التي تتسبَّب في الشُّعور المستمرِّ بالجوع مثل الحليب، والمشروبات الغازيَّة، والذُّرة، و الباذنجان؛ إذ يجعل ذلك عمليَّة الصَّوم أكثر صعوبة. إضافةً إلى ذلك، الحذر من الإدمانات البيولوجيَّة الشَّائعة تتضمَّن الغلوتين -حساسيَّة القمح- مثل القمح، ومنتجات الحليب، ومشتقَّاته إذ تؤدِّي إلى حصول  تأثيراتٍ التهابيَّةٍ.

يشبه تناول كميَّاتٍ كبيرةٍ من هذه الأغذية إدمان العقاقير. كما ويحذَّر من الأكل في أوقاتٍ متأخِّرةٍ من الليل، فذلك يسبِّب زيادةً في الوزن أيَّاً كان عدد السُّعرات الحراريَّة التي تأكلها. تناول الطَّعام ذاته ظهراً بدلاً من الليل، والمس الفرق بنفسك.

يعزو الكتاب كسر الصِّيام في بعض الحالات مثل المناسبات احتماعيَّة إلى عدم القدرة على الانضباط الذاتيِّ، وصعوبة التَّحكُّم العقليّ؛ لذلك يدعو الكاتب إلى التدرِّب على ضبط النَّفس، والتحكُّم بها، وعلى تجاهل مطالب الجسم العاجلة، والتي قد تكون مخادعةً في كثيرٍ من الأحيان. من ناحيةٍ أخرى، يقول الكاتب إنَّ البدانة لا تعني بالضَّرورة وجود مشكلةٍ في قوَّة الإرادة، ولكن تعني أنَّ الجسم لا يحوٍّل الطَّعام، والهواء إلى طاقةٍ.

ختاماً، العنصر الأساسي لنجاح الصِّيام هو فهم الآليَّة، والشُّعور بالأمان عندما تحرم نفسك من الشَّيء الذي تصوم عنه أيَّاً كان. يغيِّر الصِّيام عاداتك، ويجعلك أكثر هدوءًا ويجعلك تشعر نوعاً ما بأمانٍ أكثر من دون الأشياء التي كنت تشعر بالأمان معها في البداية، علماً أنَّك لا تحتاج إليها طوال الوقت. ينقلك تغيير العادات في الصِّيام إلى النُّموِّ الشَّخصيِّ، ويعطي الصِّيام الجسم فرصةً لتنظيف نفسه على مستوى الخليَّة، ويخلق نمط حياةٍ أفضل، وأكثر انضباطاً، ويشعر بالسَّلام الدَّاخليِّ. طبِّقه الآن، والمس النَّتائج بنفسك.