هادي الأحمد
هادي الأحمد

د

التدوين لا يحتاج موهبة، ويمكن لأي أحد أن يخربش على الانترنت

يمكنني القول أنني أدين للتدوين بالكثير في حياتي؛ الكثير من الأصدقاء، عملي الذي أعيش منه، وتقريبًا نصف ما أعرفه أو ثلاث أرباعه من معلومات تقنية وثقافية. سنتين قضيتهما في التدوين وصناعة المحتوى بشكل احترافيّ كانتا كفيلتين بتعريفي على الكثير من الشخصيات المميزة، بعضها تحول لأشخاص أعرفهم عن قرب، وبعضها دخل حياتي وأصبح جزءًا منها.

ولكن بأي حال، وبغض النظر عن المقدّمة الدراميّة القادمة من المرّيخ، واستنادًا للكثير من الأصدقاء المجهولين الجالسين وراء الشاشات في بقاع مختلفة حول العالم؛ التدوين لا يحتاج موهبة، التدوينات ليست قطعًا أدبية، ويمكن لأي أحد أن “يخربش” على الانترنت ليقرأ الناس هذه الخربشات ويمجّدونه عليها… الأمر بسيط جدًا ولا يتجاوز انشاء حساب على غوغل ومن ثمّ مدونة على بلوغر وبعدها الكتابة.

أستطيع الشعور بأحدهم وهو يقرأ الأسطر السابقة متحسسًا لوحة المفاتيح تحت أصابعه مستعدًا لخوض معركة انترنتّية حامية وربما لرمي بعض الاتهامات والشتائم بحجّة النقاش المنطقيّ، تمهّل يا صديقي، لا يزال الليل في أوله ولا يزال لدينا الكثير من الأمور لنقاشها… لنبدأ بالحديث عن التدوين قليلًا.

كيف تصبح مدونًا 101: دليل التدوين المختصر لمن لا يمتلكون وقتًا للقراءة

لنقلّ أنك اخترت البداية في التدوين لسبب ما، ربما لأنه من أسهل الأمور التي يمكنك فعلها على الانترنت لاكتساب شهرة سريعة، أليس كذلك؟ انظر لكل أولئك المدونين في أراجيك، أراهن أنهم وصلو لذاك المكان بالصدفة المحضة وبعض الواسطات. لذا لنقل أنك قررت البدء في التدوين، وأردت أن تتخذه -لسبب لا يعلمه إلا الله- وسيلة لكسب المال، ماذا عليك أن تفعل؟

أولًا: انشئ حسابًا في كل منصة وكل موقع وكل وسيلة تواصل اجتماعي تخطر في بالك. أجل، حتى ماي سبيس، وتأكد أن تختار اسم مستخدم مختلف في كلّ منها.

ثانيًا: اقرأ بعض المقالات عن تنظيم محركات البحث SEO، في الحقيقة مقال واحد يكفي، المقال التعريفي الذي يشرح لك معنى الكلمة وما الذي يهدف له المفهوم… هذا كل ما تحتاجه.

ثالثاً: انشئ مدوّنة على بلوغر، قم بتحميل قالب معرّب، ثبّت القالب، وانسخ بعض التدوينات من بعض المواقع الأخرى لتملئ الموقع كي لا تشعر بالفراغ، أو ربما اكتب بعضها من يكترث لن يقرأها أحد بأي حال.

رابعاً: يمكنك الآن رسمياً تغيير وصف حسابك على فيسبوك -وأي شبكة اجتماعية أخرى انشأت حساباً عليها- إلى “مدوّن محترف وخبير SEO”.

لاحظ صديقي ان خبرة السيو هي أمر مترافق دائمًا مع التدوين لذا لا تخطأ يومًا بذكر أحدهما دون الآخر، إذا لم تكن تعرف معنى “سيو” حتى الان فلا مشكلة، نصف من ستتفاعل معهم لا يعرفون أيضًا.

في الحقيقة وبعيدًا عن السخرية التدوين يتطلب الكثير من الجهد، ولا يمكنني تلخيص مقدار العمل اللازم لإنهاء مقال -حتى لو كان ساخرًا مثل هذا- في فقرة أو فقرتين، ولكن يمكنني تقريب الأمر لحلقات البحث التي كنت أقوم بها في الجامعة، فقط تخيل أنك تقوم بحلقة بحث يومياً على الأقل كل يوم على مدار العام، عليك قراءة الأطنان من المحتوى باللغتين العربية والانجليزية للوصول للفكرة التي تريدها، وعليك بعدها التدقيق في هذه الفكرة للتأكد من صحتها. الأمر ليس سهلاً على الإطلاق.

وبعيدًا عن الجهد المبذول في إنشاء المقال بين الجمع والتحليل والتدقيق والكتابة، الجزء الأصعب في هذا كلّه هو النشر، تخيل أنك تتحدث أمام جمع غفير من الناس، الفرق هنا فقط أنك لا تتكلم أمام جمع غفير بل امام البشرية بأكملها -أو نسبة كبيرة منها بحسب اللغة التي تكتب بها- وأن كل واحد منهم يمتلك القدرة على الردّ عليك بشكل مباشر دون أن ترى أنت وجهه… إن لم يرعبك هذا التخيّل فلا أدري ما يمكن أن يرعبك.

وهذا ليس كل شيء، التدوين الشخصي ربما يكون بهذه “البساطة” ولكن عندما ترغب “بالعمل” كمدوّن ستواجه جدرانًا أعلى بكثير، الطلب المنخفض، كثرة العروض، شروط العمل الظالمة في كثير من الأحيان والغريبة دائمًا، والأهم من هذا وذاك المنافسة المثيرة للسخرية التي تجري في المجال وبائعي الجملة الذين يمكنهم كتابة “عشرين مقال متوافق مع السيو بخمس دولارات” والّذين -وبرأيي المتواضع الذي لا يكترث له سوى عشر أشخاص في هذا العالم- هم من يجعلون آراءًا مثل تلك الموجودة في العنوان أكثر وأكثر شيوعًا.

هل ذكرت أيضًا عدد المرات التّي ستتعرض فيها للرفض في البداية، عدد المرّات التي ستفشل فيها، عدد المرّات التي لن يكون بحثك عن المعلومة فيها كافيًا وصحيحًا حّتى بعد ساعات من القراءة، عدد المرّات التي سيتجاهلك فيها أشخاص تحاول التواصل معهم، عدد رسائل البريد الإلكتروني التي لن تتلقى ردًّا عليها، وعدد المواقع التي ستجرب العمل معها.

بأي حال، البداية ربما تكون صعبة ولكن بعد بضع سنوات من المحاولة والعمل يصبح الأمر أسهل فعلًا مما كان، القراءة تصبح أسهل، تصفح الملايين من المواقع شهريًا والتهام البلايين من الحروف والاستماع للاخبار أثناء تناول الفطور يصبح أمرًا روتينيّاً، زر النشر يصبح أكثر وأكثر لطفًا والاكتراث لرأي الآخرين يصبح أقل وأقل أهميّة، ولكن في النهاية لا يختفي شعور الرهبة أبدًا. وبالطبع لن تصل بسهولة لهذه المرحلة.

في النهاية يمكنني أن أتفق مع “مسفّهي التدوين” إن صحّت تسميتهم بشيء واحد، يمكن لأيٍّ كان أن يخربش على الانترنت وينشر هراءه ليراه العالم، التدوين الحقّ لا يعني أن تنشر على الانترنت فحسب، بل يعني أن تنشر شيئًا يستحق أن يستثمر الناس من وقتهم في قراءته. وأنا مذنب من هذه الناحية ربما.

أما بالنسبة لنقطة “التدوينات ليست قطعًا أدبيّة حقيقية”، حسنًا:

المدوّنة