لينـا العطّار
لينـا العطّار

د

نهاية عام وبداية جديد.. كيف نخدع أنفسنا بذلك!

ديسمبر شهر النهايات..يناير شهر البدايات..هذا ما تعارف عليه الناس وما اجتمع عليه فكرهم بشكل تناقلوه بينهم وازدحمت به وسائل التواصل الاجتماعي وأصبح فيسبوك عبارة عن منشورات تتحدث عن نهاية العام، الشهر الأخير منه…حسابات نهاية السنة..إحصاءات..كآبات..أسى..ألم..حسرة على ما فات..وبعض المتفائلين جداً والذي ينسون هذا ويتحدثون عن البدايات الجديدة..الأهداف العظيمة..الخطط الخطيرة..الحياة المبهرة التي تنتظرهم أن تبدأ في العام المقبل وكأن الدنيا ستفتح لهم أبوابها المغلقة وتكشف لهم كنوزها المخبأة كلها عندما يدخل العام الجديد وستنقلب الدنيا وتتحول الحياة عند دقة الثانية عشر ليلة الأول من شهر يناير..حين ينقلب التاريخ ويتحول إلى 2019..

لكن الصدمة أنه لا شيء يتغير..تستيقظ صباحاً في نفس المنزل، مع نفس الأشخاص، تكتشفت أن المشاكل التي تواجهك مازلت لم تختفي، وأن عملك لم يتحسن أو تتحول إلى مدير أو صاحب عمل..كل شيء كما هو..

هنا سيقوم أغلب الأشخاص بخطوتين

الأولى حيث يقوم بتسجيل أفعاله وإحصاءاته وإنجازاته في العام السابق وغالباً سيؤدي به هذا إلى الندب عليها وملء صفحته بالمنشورات التي تتحدث عن المقالب، والمطبات والكبوات التي واجهته ولم يخرج منها بسلام على ما يبدو.

الثانية هي تسجيل أهداف العام الجديد والتي غالباً ستكون نسخة من أهداف العام السابق والذي قبله والذي قبله ربما بعض التعديلات الخفيفة والتي ستتضمن لعب الرياضة والريجيم وقراءة عدد كبير من الكتب ثم يقوم بتوثيق هذا العدد على موقع goodreads، طبعاً لا بد من تعلم ثلاث لغات على الأقل والمواظبة على العبادات وربما كان الوقوع في الحب هو أحد هذه الأهداف المكتوبة، ولا أدري كيف يضع المرء لنفسه هدفاً أن يقع في الحب..لكن يبدو أن أحدهم يفعلها.

عن خدعة النهايات والبدايات..

نعم هي خدعة، نحن نخدع أنفسنا، لا يوجد نهاية في الحياة سوى الموت، ولا بداية سوى الولادة، وبينها ولادات معنوية لكل منا، وأشكال متعددة للموت نعيشها كل مرة، لكن طالما أن تلك الولادات لم تبدأ من عدم وذاك الموت لم يفضِ بنا إلى القبر، فهذا يعني أن كل التغيرات إن صحت تسميتها ما هي إلا مجرد استمرار للحياة، قد لا يكون هذا الخط مستقيماً ويميزه أنه لا يستقيم إلا بعد الموت، وما يجعل الحياة تحمل معناها هو ذاك التقلب فيها والتحول من حال لحال، والاستمرار مهما بدت النهاية وشيكة.

نحن نصنع البدايات، في كل لحظة وكل نفس تأخذه هي فرصة لبداية جديدة، فليس العام الجديد بداية وبداية الشهر السادس نهاية، لكن كما تصنع نهاية العام فاعلم أن عامك الجديد سيكون من نفس الشكل لأنه مجرد استمرار لما كنت عليه، فإن قضيت شهر ديسمبر تندب حظك وتشكو حالك الأليم والحياة القاسية معك فغالباً لن يتغير شيء مع بداية يناير، وإن قررت أن تكون البداية من اللحظة التي تحصي فيها ربحك وقدرتك على التغيير وتضع أهدافاً منطقية ليست من المريخ بناء على وقتك ومهاراتك وقدراتك ورغباتك، فلا تضع الرياضة لأنها جيدة بل لأنك ترغب أن تعيش حياة صحية، ولا تتعلم الاسبانية لأنها لغة عصرية، بل اكتف بتحسين لغتك الانكليزية، وضع هدفك هذا العام أن تفهم كيف تكون الحياة الصحية وجد طريقة لتكون الرياضة رغبة نابعة منك وليس فرضاً لازماً لأنها موضة العام.

لا تحتاج لتعلم عشرين مهارة ومعلومة، لغات برمجة مع تصميم وتسويق وإدارة أعمال، وربما بعض المونتاج والغناء..بل احرص على تطوير نفسك في مجالك الشخصي وإن كنت لا تعرف طريقك بعد ليكن هذا هدفك هذا العام، معرفة النفس ليست هدفاً بل هي الحياة بحد ذاتها، لكن السير على طريق واضح لك تعرف أين ينتهي يجعلك تقطع نصف المسافة نحو ذاتك..