آراك الشوشان
آراك الشوشان

د

درسٌ مُستفاد: لا تَجْزَع

كان عامُ 2020 عاماً فاصلاً بين ما كان قبله وما سيكون بعده. أعانني على إعادة بعض الحسابات واعتبار أخرى، والنظر بعينٍ مختلفة للبشر، القوى العاملة خاصّة، خلال الأزمات.

وأرجو أنّ ما استفدتُه يستحق أن يكون ضمن سلسلة “درسٌ مُستفاد” في أراجيك.

بدأ تعطيل المدارس والجامعات بسبب الجائحة في شهر مارس، في ليلةٍ صبيحتها اختبارُ مادّة أدرّسها. لينتهي مارس ويبدأ إبريل ثم مايو، رجب ثم شعبان فرمضان. وفجأة هبّت المُتطلبات والاجتماعات والمحاضرات من كل مكان: أُلقي المحاضرات صباحا حتى العصر، ثم أحضرُ اجتماعاً أو دورة إلى الساعة الثامنة، ثم ألتفت إلى تصحيح التكليفات ومتابعة الطلبة. لم يختلف حال إخوتي الموظفين ولا بعض الموظفات من صديقاتي عن حالي.

نعيشٌ حدثاً استثنائياً، غريباً، مجهولاً مستقبله، والناس جزوعون، يكدّسون المهام والأعمال كما يكدّسون الأطعمة والأشربة، و “مشغول” ليس عذراً مقبول، هل يعني أنك تخرج خِلسة من المنزل أثناء حظر التجول؟ أم أنك تستمتع في المنزل والعالمين صرعى حولك؟ ولو طُلِب منك مضاعفة عملِلك فتذكّر أنّك على رأس عملك وغيرك مُسرّح.

ناهيك عنّ ضرورة التكافل الاجتماعي تحت ظلّ هذا الظرف، والحفاظ على التواصل مع المقرّبين والأقارب والأصدقاء، وبعض الأنشطة المعتادة مع دوائرك الاجتماعية.

أدركتُ أني بالغتُ في استجابتي لهذا الجَزَع الخارجي رغم داخلي السّاكن حين أصبت بحساسية المسكّن. لجأتُ إليه حين أحسستُ بعوارض الإنفلونزا ولمّا ما انفك عنّي صُداع التوتر، أربع حبّات في اليوم بقوّة 400 .

شُبّه لي الوضع في لحظةِ تجلٍّ أننا كمن ينقل الماء بأصابعه مُنفرجة، أو حبيبات الرّز بالشوكة، أو بيضَ بطٍّ في كيس ورقي.

في لحظة هدوءٍ وتتبع لأسباب طول أمد زوبعة العمل الجَزُوع، رأيت:

  1. أنّنا عملنا تحت رغبة مُلحّة في رقمنة كلّ مهمة كانت ميدانية بنفس الجودة وبنفس الأهداف التفصيلية، وهذا ما تسبب بإشكالات أخرى عند تكييف طريقة تنفيذها.
  2. أنّ بعض موجّهينا الرئيسيين للتحول الرقمي الطارئ لم يسبق أن جربوا العمل عن بعد وبالتالي يغيب عنهم المفهوم الأساسي له: إمكانية الاتصال بالإنترنت في أي وقت لا تعني إمكانية العمل في كل وقت.
  3. أن جزء من عملنا-نحن الموظفين- قبل الجائحة هو عن بُعد فعلاً، كالتواصل مع المستفيدين وإرسال الملفات وتوثيق المهام، والذي غاب عنّا هو التواصل البشري والحضور المكاني.
  4. أننا كُنّا كالأطفال: يجزعون قطرات الدم والجروح السطحية لجزع أمهاتهم منها، وما جزع الأم إلا انزعاج غالباً.
  5. أننا حاولنا السيطرة على كافّة الجبهات بنفس القوّة، حتى فلتت منّا أهم جبهة: تهدئة المسؤولين ومدّ بعضٍ من الهدوء الذي نحاول الحفاظ عليه.

ليخطر لي أثناء ذلك حديث “إنّما الصّبرُ عند الصدمةِ الأولى،” فإذا ما صبرتَ أوّل الأمر وتماسكت، استطعت استيعاب هَولِ ما حلّ بك ووجدتَ حلّاً له، أو ( إدارة الأزمات Crisis Management) كما يفهمها المتعلمين بتوع المدارس.

في نهاية الفصل، وخلال التخطيط للفصل الصيفي، قال أحد مقرري الخطط الدراسية: “الخطة غير مُناسبة، تنتهي المحاضرات الساعة الثانية ظهراً ويبدأ الحظر الساعة الثالثة. ينبغي مراعاة ظروف الناس.” وقد نطق حقاً، بعدما سكنت الزوبعة.

ليكون هذا من أهم دروس 2020: لا تجزع.

ليتبعه درسٌ مُستفاد: لا تَبِع ما ليس لَك