إنجي الطوخي
إنجي الطوخي

د

هل سألت نفسك اليوم: “أنا دلعت نفسي ولا لا؟!”

كانت صديقتنا تجلس بيننا في العمل، ولكن بجسدها فقط، أما عقلها فكان في أماكن مختلفة، في الطعام الذي ستطهوه اليوم، وفي أطفالها الذين يجب أن تصطحبهم من المدرسة والحضانة، وفي مذاكرة ابنتها الكبرى التي اقترب موعد امتحاناتها، ومادة اللغة الإنجليزية التي تعاني منها، وفي جلسة التخاطب الخاصة بابنها لتصحيح قدرته على النطق، ومواعيد التمرين الخاصة بولديها، وفي اجتماعات العمل التي لا تنتهي، وفي المهام الجديدة التي تم تكلفيها بها، وفي صديقتها التى توفي والدها وعليها الذهاب لتعزيتها، ثم فجأة وضعت “صديقتي” رأسها بين كفيها وبدأت في البكاء!.

وبعد أن “فضفضت” لنا، بكلمات بسيطة، سألتها “مش ملاحظة أنك حكيتي احتياجات كل شخص إلا واحد بس” لم تنتبه حتى لما أحاول قوله، فاضطررت للشرح “أنت أنا بتكلم عنك، أنت فين من كل ده؟!”…

افكر مع نفسي “هو أنا لو اتجوزت هيبقى حالي كده؟!”، بعدها بأيام قليلة أتلقى مكالمة من صديقة لي تشكو لي عن أحساسها الشديد بالملل، وأمنيتها بأن تخرج من الروتين الذي تعيشه، بين الذهاب للعمل فى الصباح الباكر ثم العودة للمنزل وقضاء باقي الوقت إما في النوم أو بين الواجبات الاجتماعية، وتنهي الأمر بجملة “أنا فين من كل ده؟! نفسي اعيش حياتي، وادلع نفسي”…..

أدرك وقتها أن الأمر ليس له علاقة بالزواج أو غيره، بل نسيان المرأة لنفسها فى زحام الحياة، ومتطلباتها، أتأكد من الأمر عندما  أحكي لأمي عن بعض المشكلات التي تعترضني، فتستمع إلي حتى النهاية، ثم تخبرني بأن الأمر كله يتلخص فى إعطاء نفسي حقها، بعد أن ركزت كل جهدي على العطاء للآخرين ونسيت نفسي وحقوقها على “فكري فى نفسك شوية، خليكي بخيلة ولو لأيام قليلة وقولي أنا فين من كل ده؟!”….

في أحد محاضرات الدكتورة “هبة رؤوف عزت”، كانت تتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع، فالمرأة كائن معطاء بطبعه، رقيق مقارنةً بالرجل الذي يعتمد على مبدأ القوة في أي علاقة يدخلها، وبسبب ذلك التفاوت لا يفهم كلا الطرفين أنها معادلة ربانية الهدف منها التكامل، بل في أحيان كثيرة يحدث اختلال في الميزان، فالرجل يظل يضغط لكي يأخذ، والمرأة تظل تعطي دون أن تفكر، ويتحول الأمر بعد فترة قليلة إلى حق مكتسب لا رجعة فيه، ولا تعديل له، وكان الحل الذي طرحته هو مقاومة الأمر ببساطة وهدوء وإصرار وفي نفس الوقت دون ضجة…
“أنا فين من كل ده؟!.. أنا عايزة اتدلع شوية”، كلمات تعلمت ألا أخجل من قولها، ومنذ ذلك الوقت أدركت الكثير، فالدلع ليس مجرد رفاهية بل هو شيء مهم لصحة المرأة النفسية والعقلية، والدلع ليس سيئ السمعة كما يحاول البعض الترويج لذلك، بل هو فسحة من الوقت تخطفها المرأة من روتين حياتها اليومي، لتقضيها في شيء تحبه، فتعود إلى دنياها وهي قادرة مرة أخرى على العطاء والحب.

قضاء يوم فى زيارة الأماكن الأثرية القديمة فى القاهرة، ساعتان للعب “البولينج”، غذاء مع صديقتي المفضلة في أحد مطاعم القاهرة المميزة، الذهاب لحفل الفرقة الغنائية التى نحبها والغناء معهم بصوت عال في أحد مسارح القاهرة، الاستمتاع بإلقاء الألوان على بعضنا البعض فى مهرجان للألوان، السفر، وأخيرًا طهي وجبة مميزة ومشاهدة فيلم أحبه على التلفاز هي بعض أنواع الدلع التي اخترتها لنفسي وكنت اقتنصها وسط تفاصيل العمل التي لا تنتهي، والواجبات العائلية المستمرة، وكان تأثيرها عظيما على حياتي حقًا!….

“دلعي نفسك، ركزي على الجمال في حياتك حتى لو كان بسيطًا، اختلسي لحظات السعادة غصبًا عن الجميع” قانون ضعيه لنفسك سيدتي، وإن شعرت بالذنب قليلًا كما يسعى مجمتعنا دومًا، وحجته أنك تستمتعي بوقتك وتتخلي عن عائلتك أو عملك، كأنك آلة دورها الوحيد العطاء والتضحية بلا مقابل، تحصل على كلمات الشكر والتقدير بعد أن يصيبها  العجز والوهن والمرض.

تذكري فجأة -مثل  أفلام الخيال العلمي أو ديزني كما يحلو لك- أنك عضو في “جمعية تدليع المرأة” وهي جمعية سرية شارك فى تأسيسها كل نساء العالم، وليس من حقك رفض الانتماء إليها أو الخروج منها، لأنك تنضمين إليها تلقائيًا بمجرد الولادة والإعلان عن أن المولود القادم للحياة أنثى رقيقة، وتلك الجمعية شرطها الوحيد وهمها كله “أنك تدلعي نفسك.. وتبسطيها!”.