هبة الله حمدي
هبة الله حمدي

د

“رفاهيةٌ قاتلة”.. كيف يؤذينا التطور؟

هل تريد أن تجوب الكرة الأرضية؟ الآن يمكنك أن تسافر من شرق الكرة الأرضية إلى غربها في ساعات معدودة، الظلام الليلي مُخيف، الأضواء تمنحك نوراً يضاهي نور الشمس، هل ترغب في انتقال آمن من مدينة لأخرى؟ الآن يمكنك أن تفعل ذلك في أحدث السيارات الفارهة، الجو حار، مع أحدث إصدارات مبردات الجو يمكنك أن تتمع بدرجة حرارة تناسب ذوقك.. الآن واليوم يمكنك أن تتمنى، تمنى فقط..

لقد بلغ إنسان العصر الحديث من الرفاهية ما لم يبلغه الملوك في عصر سابق، ولازال يتطلع إلى تحقق المزيد، فهل تحققت هذه الرفاهية حقاً وما مقابلها، وهل انعكست إيجاباً على حياة البشر وماذا عن الصحة العامة. في هذا الموضوع نحاول تسليط الضوء على تأثيرات الرفاهية وانعكاساتها في ساحة الحياة اليوم.

البلاستيك.. استهلك وألقِ.. لا تلقِ بالاً:

البلاستيك واحد من أهم إفرازات وتجليات العصر الحديث.. ينتج العالم اليوم ملايين القواري البلاستيكية ونظراً لميزاته من رخص ثمنه وخفة وزنه يستسيغه العامة وتُنتجه الشركات بكثافة، منذ أعوام قليلة فقط انتبه العالم لهذا الكم من البلاستيك إذ كشفت أستاذة في إحدى جامعات جورجيا عن خطورة هذه المادة على البيئة والحياة البحرية وأكدت بعد دراسة أن البلاستيك لكي يتحلل فإنه يستهلك مدة تتراوح ما بين 450 عاماً حتى الأبد، تخيل أيها القارئ إلى الأبد!

البلاستيك أين يذهب؟

بِتتبُع قارورة بلاستيكية تُلقى على الأغلب في مياه الأنهار والمحيطات لا تتحلل وإنما بفعل الشمس تتفكك إلى جسيمات صغيرة لتقف في حلق سلحفاة فتميتها أو تأخذها الأسماك في حُلوقها فتصبح حاملة لتلك الجسيمات حتى تصطادها أنت وتصبح في طبقك.. بالطبع للبلاستيك مخاطر عديدة على صحة الإنسان فضلاً عن الحيوانات وكل الكائنات الأخرى، إذ يتسبب في وفاة وانقراض مئات الأنواع سنوياً!

وربما تلقي سنارتك غداً لتلتقط قطعة بلاستيك عوضاً عن السمك، فقد يطغى أعداد البلاستيك على الكائنات البحرية خلال فترة ليست بالطويلة..

المواصلات.. سُرعةٌ كلفت أعماراً

إن السيارة التي تقودها يومياً إلى عملك أو المركبة التي تصعدها أيا كانت والتي تعمل بالبنزين لها بالغُ أثرٍ لا تتخيله، لكنه للأسف ضرر عظيم على صحتك أولاً.

تتراوح الغازات المُنبعثة ما بين غاز أول أكسيد وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وغازات أخرى ومواد كربونية تتسببُ هذه الغازات بأمراض عدة تتراوح ما بين المشاكل الرِّئوية حتى السرطانات، في دراسة أجريت أكدت أن التعرض لأول أكسيد الكربون يومياً ولو بكميات بسيطة لمدة تتراوح من ست حتى ثمان ساعات من شأنه أن يؤثر على الجهاز العصبي ويؤدي لضعف التركيز والنسيان والدوخة والصداع كما يؤدي لأمراض الضغط المرتفع والقلب والجهاز التنفسي وتابعت أن الهيدروكربون وأهم مركباته البنزين يؤثر على النخاع الموجود بالعظم يؤدي لنقص خلايا الدم الحمراء وعلى المدى الطويل قد يسبب اللوكيميا وسرطان الرئة.

كل هذه الأسقام وغيرها هي نتاج جانب واحد من رفاهية الإنسان الحديث وهي بالمناسبة غيض من فيض.

السدود الضخمة.. الطاقة مقابل الغذاء

حين تضغط زر ضوء غرفتك، هل فكرت كيف يتم توليد الكثير من الطاقة الكهربائية وهل كان لها انعكاس على الطبيعة أم لا؟

تعتبر السدود ذات منفعة عظيمة لإنسان العصر الحديث، لكن بمرور الزمن زادت متطلبات الإنسان وصارت السدود تصل ارتفاعات مهولة إلى مئات الأمتار فكان لذلك أثر سلبي على البيئة والحياة البحرية.

وفق دراسة نشرتها مجلة nature قالت فيها أن 91 نهراً من الأنهار الطويلة في العالم تزيد عن ألف كيلومتر من أصل 242 نهراً فقط هي التي مازالت تتدفق بحرية، وتساعد حرية التدفق مياة النهر على تسهيل الاتصال بين مكونات النظام النهري سواءًا للمياة أو المواد العضوية والأنواع البحرية.

ما يترتب على بناء السد حجز الحصى والطمي اللازم لتخصيب الأرض وما بوارُ تربةِ مصر عنا ببعيد وقد كانت خصبة لأمد طويل، وبالتالي يلجأ الإنسان للمبيدات التي تنعكس سلباً على صحته!

التكنولوجيا.. العالم بضغطة زر

إن الإستخدام الطويل للتكنولوجيا التي باتت تغزو تفاصيل الحياة اليومية ورغم ما يسرته من تواصل إلا أنها تؤثر على الذاكرة خصوصاً لدى الأطفال ولها أضرار صحية أخرى كالعصبية والصداع والتأثير على البصر وما يترتب عنها من أعراضٍ جسيمة كالعزلة والوحدة خصوصاً لدى حديثي السن.

يتجلى كل يوم قدر الأثر البليغ الناتج عن محاولة ترفيه الإنسان وإيصاله لأعلى درجات الراحة والتقدم، وإن كان العالم في بداية الثورة الصناعية لم يدرك كل تلك الأخطار فهو اليوم يدرك ومع مرور السنين والبحث المتواصل يدرك أنه ربما الرفاهية في بعض الأحايين ضرت أكثر مما نفعت، وأن التدخل السافر في الطبيعة ومحاولة تبديل نظامها لتلائمنا بصورة أعظم أضر الكائنات المشاركة لنا على سطح الكوكب وأضرت بالجنس البشري أيضاً.. فهل تقتلنا رفاهيتنا يوماً، أوتتسبب في انقراضنا كما انقرضت أنواع كثيرة أخرى!