فادي عمروش
فادي عمروش

د

تصميم حياتك: كيف تبني حياةً رائعةً، ومبهجةً

تصميم الحياة! قد تجد هذا العنوان غريباً بعض الشَّيء! إنّه تشبيه التَّخطيط للمستقبل النَّاجح، وللحياة الجيّدة برحلة التَّصميم. ينظر المصمِّمون إلى الحياة بطريقةٍ تختلف عن نظرة الآخرين لها، فحين يتجنَّب النَّاس العاديُّون المُشكلات، نجد المصمِّمين يبحثون عنها، ويسعون إلى الخوض في غمارها، ومن ثمَّ محاولة حلِّها! وحين يشعر النَّاس بالفشل، وربَّما يستسلمون أمام مهمَّةٍ ما، يبدأ المصمِّمون بعمل مسودَّاتٍ، ونماذج أوَّليَّة للحلول، وهكذا حتَّى يجدوا أفضل مسارٍ ممكنٍ للعمل، وبالتَّالي تجاوز الصُّعوبة. لذا من خلال تطبيق طريقة تفكير المصمِّمين الفريدة في التَّعامل مع المشكلات، يستطيع النَّاس تحقيق المزيد من السَّعادة، والإنجاز.

ومن هنا انطلق كتاب تصميم حياتك: كيف تبني حياة رائعة ومبهجة، من تأليف كلٍّ من المدير التَّنفيذيِّ لمدرسة التَّصميم في جامعة ستانفورد “بيل بورنيت” الذي كانت خبرته في التَّصميم أساسيَّةً في تطوير أجهزة PowerBooks من Apple، و”ديف إيفانز“وهو مؤلفٌ مشاركٌ في الكتاب، ومحاضرٌ مساعدٌ في تصميم المنتجات في جامعة ستانفورد، وأحد مؤسِّسي شركة ألعاب الفيديو Electronic Arts.

كيف أفكِّر مثل المصمِّم؟

في البداية، إنَّ أهمَّ الأجزاء في رحلة التَّفكير هوتعلٌّم صياغة الأسئلة! وجوهر عمل المصمِّم هو القدرة على إعادة صياغة الأسئلة، عندما يُطرح أي سؤالٍ أو مشكلةٍ معرفيَّةٍ أمام النَّاس العاديّين، ينشغلون بالسُّؤال نفسه، بتراتبيَّته نفسها! ممَّا قد يصل بهم إلى استنتاج أنَّ هذا السُّؤال غير قابلٍ للحلِّ أحياناً! بينما لو طُرح السُّؤال نفسه أمام المصمِّم، ستجده يدخل في تفاصيله، وخفاياه، وقد يُعيد قولبته، ويبدأ بالتَّفكير بإجاباتٍ أوَّليَّة، ثمَّ تصحيحها، ثمَّ البناء عليها، وهكذا يُصبح السُّؤال أكثر مرونةً، وبالتَّالي تزداد احتماليَّة معرفته للجواب.

يتمُّ تدريب المصمِّمين على اتِّباع نهجٍ منفتحٍ في التَّعامل مع المشكلات

بدلاً من تجنُّب المشكلات، أو البحث عن حلولٍ فقط، يعرف المصِّممون أنَّ تحديد المشكلات هو خطوةٌ حيويَّةٌ نحو اكتشاف الإجابات المبتكرة، وبنفس الطَّريقة يجب أن يفكِّر النَّاس، ويتَّخذوا نفس الموقف أمام مشاكل الحياة بعدم النَّظر إلى المشكلات على أنَّها مأساويةٌ، أو أنَّها محضُّ مشكلات لا حلَّ لها! وحينها لن يتمكنَّوا من إيجاد حلولٍ، أو بمصطلحٍ أدقَّ من تصميم حلولٍ تجعلهم أكثر سعادةً.

يتعثَّر الكثير من الأشخاص في محاولة حلِّ المشكلات، ولكن لا يمكن أن تكون هناك إجابةٌ صحيحةٌ إذا كان الشَّخص ينظر إلى السُّؤال بطريقةٍ خاطئةٍ!

عقليةُّ النمو، والعقليَّة الثَّابتة

 يتّسم المصمِّمون بعقليَّة النُّموِّ، أي الاعتقاد بأنَّهم قادرون على تطوير، وتنمية نقاط قوتهم. ومع ذلك، فإنَّ معظم النَّاس مقيَّدون بالعقليَّات الثَّابتة التي تقودهم إلى الاعتقاد بأنَّهم موهوبون، أو غير موهوبين. يتمثَّل الاختلاف بين المنظورين في أنَّ الأشخاص الذين لديهم عقليَّة نموٍّ سيسعون من أجل تحسين معارفهم، وتعزيزها. بينما من يتَّصف بالعقليَّة الثَّابتة لن يفعل ذلك. بهذه الطَّريقة يصِّمم المصِّممون عقليَّة النُّموِّ؛ هم أقلُّ عرضةً للإحباط، والتَّوقُّف عن محاولة حل المشكلات. إنهم يدركون أنَّه حتَّى الفشل هو فرصة للتَّعلُّم.

ليس لتصميم الحياة أي نهايةٍ محدَّدةٍ، أو أي خطَّةٍ ثابتةٍ، فهو عمليَّةٌ مستمرَّةٌ

لا يتعامل المصمِّمون مع المشكلات عند حلِّها على أنَّها قد انتهت، بل يستمرّون في ضبطها بمرور الوقت، ويؤمن المصمِّم أنَّ مشكلة اليوم لها أحد الحلول اليوم، ولكن قد تحتاج إلى إعادة النَّظر فيها، وإعادة تقييمها غداً لجعل هذا الحلّ أفضل، بينما يتعامل النَّاس العاديُّون مع المشكلات على أنَّ لها بداية، ولها نهاية. مثال على ذلك المسار المهنيِّ، والوظيفيِّ للشَّخص، فنظراً لأنَّ تصميم الحياة يؤثِّر على الحياة برمَّتها، فغالباً ما يؤثِّر على المسار الوظيفيِّ للشخص بشكلٍ مباشر،ومن المفيد فحص الطَّريقة التي ينظر بها معظم النَّاس إلى اختيارهم المهنيِّ باعتباره قراراً لمرَّةٍ واحدة. اليوم السُّؤال ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟ قد تحتاج إلى أكثر من إجابةٍ.

يجد معظم النَّاس أنفسهم غير راضين عن وظائفهم لأنَّهم لم يختاروا مهنتهم بعقليَّة المصمِّم. للتعامل مع الحياة كمصممٍّ، يجب على الفرد أن يتبنَّى خمس عقليّاتٍ هي” الفضول، والاستباقيَّة، وإعادة الصِّياغة، والوعي، والعمل الجماعي. يمكّن الفضول الأشخاص من التعامل مع المشكلات بعقلٍ منفتحٍ على الاكتشاف. الاستباقيَّة تدفع النَّاس إلى شقِّ طريقهم إلى الأمام. تساعد إعادة الصِّياغة المصمِّمين على مواجهة عقبةٍ لا يمكن التَّغلُّب عليها، وتغيير وجهة نظرهم نحوها، فيرونها منفتحةُ على الحلول. إنَّ الوعي بأنَّ الحياة عمليَّةٌ يساعد المصمِّمين على تقدير، وتقبُّل الأخطاء، والفشل. يعني العمل الجماعيُّ أنَّه يجب على الأشخاص العثور على مجموعة دعمٍ، وعدم التَّعامل مع مشاكلهم بمفردهم لأنَّ التَّصميم بطبيعته رياضةٌ جماعيََّةٌ.

التطوير المستمر

لا يضيِّع المصِّممون الوقت في مجرد التَّفكير في المستقبل. إنَّهم يبنون ويعيدون بناء مستقبلهم باستمرارٍ بمرور الوقت، وتتجسَّد عمليَّة البناء بالنَّماذج الأوَّليَّة، أي يقوم المصمِّمون بإنشاء نماذج أوليَّةٍ لاختبار نظريةٍ حول سؤالٍ معيَّنٍ، وإيجاد الحلِّ المحتمل. إذا كان النَّموذج الأوَّليَّ جيِّداً، فهذا رائعٌ، وإذا لم يكن كذلك، فلن تكون خسارةً كبيرةً؛ فالنَّموذج الأوَّليُّ مخصَّصٌ فقط لتعزيز عمليَّة التَّعلُّم، ومع ذلك يجب أن تتضمَّن النَّماذج الأوَّليَّة عنصراً واقعيَّاً من أجل أن تكون اختباراً جيِّداً لفكرةٍ ما.

في النَّموذج الأوَّليِّ يتمُّ انتاج أكبر عددٍ من الأفكار دون الحكم عليها، ثمَّ يتمُّ تقليص هذه الأفكار إلى الأفضل بينها، وتنظيمها في فئاتٍ.

لا يحتاج النَّاس إلى معرفة شغفهم لتصميم حياةٍ يحبِّونها، ويخطئ معظم النَّاس في تحديد ما هم متحمِّسون له حقًا، والعديد من المهن غير السَّعيدة مبنيَّة على هذا الخطأ المبكِّر. من خلال التَّفكير كمصممٍ يبحث الشَّخص عن حلولٍ، ويجيب بشكلٍ متكرِّرٍ بدلاً من اتِّخاذ قرارٍ بشأن مهنةٍ، ثمَّ يتورَّط بلالتزام بها مدى الحياة.

إن تصميم حياة جيِّدةٍ يدور حول أكثر من مجرَّد اختيار المهنة المناسبة. بدلاً من ذلك، للحصول على السَّعادة، والحفاظ عليها على المدى الطَّويل، يجب على المرء تحسين أربعة مجالاتٍ رئيسةٍ في الحياة: الصِّحَّة، والعمل، واللعب، والحب.

ختاماً

يتَّخذ الكثير من الأشخاص نهجاً خاطئاً في البحث عن وظيفة أحلامهم عبر الإنترنت، ونادراً ما تؤدي إعلانات الوظائف عبر الإنترنت إلى التَّوظيف الحقيقيِّ. يضيِّع الكثير من النَّاس وقتهم دون جدوى في التَّقدم إلى الوظائف عبر الإنترنت بناءً على اعتقادهم الواهم بأنَّ وظيفة أحلامهم موجودةٌ في انتظارهم لرؤيتها على لوحة الوظائف. هذا لا ينفي أهمِّية البحث عن الفرص، واستكشاف الخيارات الوظيفيَّة كما يفعل المصمِّم. ومع ذلك، فإنَّ الإنترنت ليس مضيعةً كاملةً للوقت للعثور على وظيفةٍ. يمكن أن يكون أداة تواصلٍ مفيدةٍ للتَّواصل مع الآخرين وفتح افاق جديدة وصولاً للوظيفة المنشودة.