ولاء عطا الله
ولاء عطا الله

د

للظلام شياطين أخرى

كم من وقت تأخذوه قبل الغط في النوم؟

أنا أخذ ساعات أتقلب فيها على السرير كأنني طاحونة قد علقت متاريسها، فلا أنام إلا ونور الصباح يداعب عيني في شعور قهري؛ ولا كافيين ولا تفكير متعمد لهما علاقة بهذا الأرق المميت، فأنا عندما أدلف إلى السرير أكون منهكة نتيجة نوم متقطع في الليلة السابقة والتي قبلها، وهكذا يتراكم الأرق عندي مخلفاً إرهاقاً وتعباً دائمين.

وبسبب هذا ألجأ إلى شرب الكافيين، فغير معقول أن أقضي يومي شبه نائمة بينما عندما أذهب إلى النوم، أجدني عدت للوراء عشرة أعوام أيام ما كنا نفكر بنشاط وحيوية قبل تنفيذ مهمة أو مغامرة ما، ويروح عقلي ويجيء بلا فائدة أو هدف، وعندما أقبض عليه عند ذكرى لا فرح فيها، أحاول ترويضه لصالحي، فأحيله إلى التفكير في نص لم أستطع إيجاد نهايته بعد، لكنه سرعان ما يتملص مني ويعود إلى ضلاله الأول، وأنا مضطرة كمسجونة لا حيلة لها أن تلاحق استرساله للذكريات، وتكون ليلة كابوسية لو رجع بي إلى الأزمنة الأشد سواداً.

الأرق هو كائن قائم بنفسه. هو كموظف ياباني مهما خدعته بشرب شاي البابونج سيحضر في موعده. وهذا رأيي عنه بعيدا تماماً عن أي أبحاث ودراسات! وأقول هذا لكثرة ما سُئلت أسئلة ساذجة بسببه، قلت أنه يسحبني ولست أنا الذي أسحبه، الذي نسحبه ونأخذه نحو عوالمنا سواء كانت السيئة أم الجيدة يكون وعينا، فنحن هنا نتحكم بالصور والأفكار التي نختار أن نضجر عقولنا بها، لكن هذا الأرق اللعين بارع في إخفاء أبوابه، نادر جداً لو استطعت الولوج لأحدها للبحث ربما عن إيجاد حلا لمشكلة ما، إن لم يكن يمسكني متلبسة فيرتد عليّ ليزيد الطين بلة.

منذ عدة ليالي زارني وهو حقيقة زائر مقيم منذ فترة، وفي تلك الليلة لم تكن زيارته عبثية كحال كل مرة، إنما كانت شبيهة بالفترات التي كنت أقضيها فقط في البحث عن ماهية الظلام الذي يحاوطني دون سبب، فكنت أقضي الليل مستيقظة كجندي كل خلية من جسده متأهبة لتلقي الأوامر، كنت أتبع بشكل أعمى أي صوت ظنا مني أنه إشارة، لكن لم يكن هناك أي أصوات عدا وساوس عقلي المحمومة ورتابة الصمت. وهذا ما كنت أجابهه.. لا شيء أيضاً عدا الصمت وظلال الكوابيس القديمة، تلك التي كانت تتفنن في الاخراج لتبدو صادقة وصالحة لترك بصمة حتى وإن مر عليها الزمان!

والزمان قد تغير، فالظلام الذي كنا نخشاه قديما أصبح الآن رغبة مستحبة نهرع إليه كلما اصطدمنا بيوم مزري. هناك ضحكة ساخرة أسمعها من هنا.. أنه الظلام! حسنا، للظلام شياطين أخرى. الأرق أحدها بلا شك، ولكننا لن نعرف من أين تحضر ولا كيف تنفذ إلينا إلا عندما تعيدنا إلى ذات المخاوف بذات الفزع والرهبة، كأننا لم نفقد سنوات في كيفية تجاوزها وحسب.
أيعقل أن يكون كل هذا مجرد كابوس مركب؟ أرق، إرهاق فهذيان، هذا يبدو منطقيا.
ألستِ بكاتبة لكِ مخيلة المفترض أنها جديرة بتأليف جنة أو خلق حديثا رومانسيا يُنقذك من هذا الوحل الذي ليس له قرار؟
عقلي مجهد، غير قادر على خلق أو تكوين شيء، الجنة التي اعتدت التقافز على أنهارها، والتسلق نحو غيومها متنقلة بخفة فوق كواكبها. باتت مهجورة ومطمورة المعالم، والأحاديث المتخيلة لا تزيدني إلا حسرة لأنني بلا حب.
والآن ليس أمامي سوى أن أدع عقلي بصحبة الأرق والظلام يفعلان به ما يشاءان، ولأترك جسدي الذي أمسى كدودة من كثرة الرقدة ينعم في تقلباته وعبثه في سلام!
فكم ظنت أمي وأختي أنني أنعم بنوم هانئ، بينما وعيي المتشنج يحاول عبثاً تنبيهي، فثمة كابوس يوشك على النيل مني. أستيقظ، ومن ثم محاولات بائسة للعودة بتواطئ، لكن لا نوم حتى بعد منتصف الليل بكثير، ليتكرر ذات السيناريو في اليوم التالي.