فادي عمروش
فادي عمروش

د

ملخص كتاب: شركة الشخص الواحد

يحلم كثيرٌ من الأشخاص بالنموّ والتوسّع حين يطلقون أعمالهم الخاصة، ويراودهم حلم إدارة عشرات الموظفين، والحصول على عشرات العملاء، وتساورهم الرغبة في الوصول إلى دول عديدة،  بل إلى قارات عديدة!!! ولكن مهلاً، هل النجاح متوقّف على تحقّق هذا الحلم البعيد؟! وهل النموّ مقياسٌ للتميّز؟

 يأتي كتاب شركة الشخص الواحد Company of One، كيف أصبح البقاء صغيرًا أهم شيء في عالم الأعمال اليوم للمؤلف باول جارفيس لتقديم مقاربة جديدة فريدة، تشككك في أهمية هدف التوسّع والنمو، وتدعوك للإيمان بالبساطة، وتنادي بأن تقتصر الشركة على أقلّ عدد من الموظفين، حتى لو كنت وحدك، وينطلق الكاتب من تجربته الشخصية وتجارب الآخرين الذين نجحوا ببناء شركات ربحية، معتمدة على شخص واحد أو على عددٍ محدودٍ جدّاً من الموظفين الذين لديهم أهداف واحدة.

تعريف شركة الشخص الواحد

يتحدى تعريف شركة الشخص الواحد مفهوم الشركة، أي أنه لا يركّز على نمو خاص لهذه الشركة، وإنّما يركّز هذا المفهوم على الشخص نفسه واهتماماته، أي أنّ  شركة الشخص الواحد تعني بناء عملك حول حياتك، وليس بناء حياتك حول عملك.

تتميز شركة الشخص الواحد بخصائص مهمّة، أبرزها التكيُّف والاستقلالية والقدرة على التحكّم بزمام الأمور، والسرعة والبساطة.

لم شركة الشخص الواحد؟

للحصول على شركة ناجحة تتألف من شخص واحد فقط، من المهم التفكير بالسؤال الصريح: هل النمو مفيد حقاً لعملك؟ وهل النمو يعني مزيداً من الربح فقط أم مزيداً من كل شيء؟ أي المزيد من الموارد، أو المزيد من الموظفين، أو المزيد من النفقات الأخرى، أو المزيد من المشاكل!

البقاء صغيراً هدف لا يقدّره الكثيرون

يمكن تعريف النجاح بشكل شخصيّ ونسبيّ، ولا يجب أن يكون كل نجاح قائماً على الأرباح المتزايدة باستمرار. بالنسبة إلى شركات الشخص الواحد يعدّ تحسين العمل التجاريّ أفضلَ وأكثر أولوية من زيادة حجم هذا العمل. أن تبقى الأعمال التجارية صغيرةً هي خطة طويلة الأمد، وليست فقط مجرد نقطة انطلاق إلى مؤسسة أكبر. وجدت إحدى الدراسات أنّ 74% من الشركات تفشل ليس بسبب المنافسة وخطط العمل السيئة، بل لأنها توسّعت بسرعة أكثر من اللازم، إذ إنّ  وضع هدف النمو على أنّه هدف بحدّ ذاته، هو سبب أساسي للفشل وفق الدراسة، فضلاً عن كونه سبباً محتملاً من أسباب الانهيار السريع.

كيف تنمو بشركة الشخص الواحد دون نمو!

لبدء شركات من شخص واحد عليك أولاً اكتشاف أصغر نسخة من فكرتك، ثم اكتشاف طريقة لتحقيق ذلك بسرعة، ثم يمكن أن تحدث الأتمتة في وقتٍ لاحقٍ، ويمكن تكبير حجم الشركة -إن رغبت في ذلك أيضاً- في وقتٍ لاحقٍ، حتى البنية التحتية وإدارة العمليات يمكن أن تأتي في وقتٍ لاحقٍ أيضاً.

أما الآن ركّز على المكان الذي يمكنك فيه أن تختبر عملك دون استثمار كبير للوقت أو المال، ثم انتبه لما يحدث عندما يتحول المعارف إلى عملاء، حتى وإن كان ذلك قليلاً في البداية، اسأل نفسك “لماذا يشترون؟”، “ما الذي دفعهم إلى القيام بذلك؟”، “كيف يمكنني إسعادهم؟”، والأهم “كيف يمكنني مساعدتهم على النجاح؟”.

يتطلب بدء شركة من شخص واحد أن تتبنَّى العمل على ما يمكن تحقيقه الآن، وهو ما يعني عادة أن تتبنى ما هو أقل من رؤيتك لمستقبلك المثالي، وتذكَّر أنّك في البداية تكون الأصغر والأكثر رشاقة على الإطلاق، ولديك عدد قليل من العملاء، وقد لا يوجد، ولديك عمليات أقل وضوحاً، كما لديك معرفة قليلة بالعلامة التجارية ولا بأس بذلك، أي أن تبدأ صغيراً وتركِّز على النمو الهادف على أساس الأرباح، بدلاً من مجرد التوقّعات، ممّا يضمن مزيداً من الاستقرار.

هناك بضعة أشياء يجب مراعاتها عند إنشاء شركات من شخصٍ واحدٍ مثلاً:

  • كيفية تحديد أولويات العملاء الحاليين أو تحويلهم إلى عملاء متكرِّرين.
  • جعل رؤية أو فكرة عملك صغيرة قدر الإمكان، حتى تتمكن من اتخاذ إجراء الآن باستثمار ضئيل أو من دون استثمار حتى.
  • لن يتطلب منك إنماء شركة  من شخص واحد القيام بأشياء لا تريد القيام بها أصلاً.

المسؤولية المجتمعية ليست عائقاً

يذكر الكتاب مثالاً مهماً وهو شركة باتاغونيا للالبسة التي تأسست عل يد إيفون تشويناردر والذي يعزو أسباب نجاح شركته إلى كونها شركة مسؤولة مجتمعياً، فهي ذات هدف مجتمعيّ يركز  على مجموعة من القيم من  الإشراف البيئيّ إلى الاستدامة، وصولاً إلى تحقيق أجور عادلة للعمّال، بدءاً من كيفية تعيين الموظفين وتدريبهم إلى سبب حصولهم على رعاية نهارية خلال يومهم في مكان عملهم، قد يتعارض هذا النهج مع النهج الذي تعمل به كثير من شركات الملابس، ولكن هدف باتاغونيا هو إنتاج ملابس تدوم لفترة أطول مع تعويض العاملين عليها اجتماعياً وبيئياً، ونظراً لأن هذا الغرض له صدى لدى المشترين ذوي القيم المشتركة، فإنهم يدفعون أكثر في سبيل ذلك.

لم يقف ذلك الالتزام المجتمعي في وجه الشركة وإنّما قاد لربح جيد وبفضل تعهد الشركة بالتبرع بنسبة 1 في المائة من أرباحها، قدمت باتاغونيا أكثر من 100 مليون دولار أمريكي للمنظمات الشعبية وساعدت في تدريب الآلاف من الناشطين الشباب على مدى السنوات الـ 35 الماضية.

هل يستحق النمو حقاً كل ذلك؟

لم تريد النمو حقاً والوصول لأسواق جديدة وزيادة المبيعات وزيادة الموظفين؟ هل النمو في  الإيرادات والموظفين يجعل الأمور أفضل ؟ هل عليك حقاً تصديق الفكرة التي تقول: إنّ الحياة أفضل مع جدول مزدحم ونهار أكثر انشغالاً.

هل عدم النمو  يعني أن أبقى مكاني؟

لا البتة،  إن الهدف الأساسي هو أن تبني نظاماً قابلاً للنمو وفق نفس عقلية الشخص الواحد، دون الاضطرار إلى توظيف موارد أكثر، إنّ الهدف من شركة الشخص الواحد هو التشكيك في ضرورة النمو والتحدي في الحجم فقط، ربما يرى البعض أن النمو والانتشار مطلب أساسي لروّاد الأعمال، ونجيبهم بالموافقة طبعاً عندما يتماشى ذلك مع هدفك العام.

عندما تكون هناك حاجة إلى النمو في الربح أو العملاء أو الوصول إلى شريحة أوسع، يمكن للشركات المكوّنة من شخص واحد أن تطلع على أنظمة بسيطة وقابلة للتكرار؛ لتسهيل التوسّع دون الحاجة إلى بذل مزيد من الموارد أو الحصول على مزيد من الموظفين.

يفترض معظم الناس أن الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا أو شركات البرمجيات هي وحدها التي تستطيع إدارة زيادة الإيرادات بشكل أسرع بكثير من إضافة الموظفين والنفقات؛ وذلك لأن منتجاتهم موجودة على شبكة الإنترنت.

لكن على سبيل المثال شركة (Need/Want) وهي شركة منتجات مادية تبيع كل شيء بدءاً من المفروشات وصولاً إلى أجهزة الكمبيوتر، وتسوّق للأشياء المختلفة من الأجهزة المحمولة إلى حافظات أيفون، تمكّنت من بناء شركة كبيرة مع فريق صغير فقط.

تستخدم الشركة أنظمة وقنوات قابلة للتطوير لزيادة الأرباح، فهم على سبيل المثال يستخدمون المنتجات المجهّزة مسبقاً، أو يشغلون متجرهم عبر الإنترنت، والذي يمكِّنهم من العمل مع طلب واحد أو أكثر في اليوم وربما يصل العدد إلى أكثر من مليون طلب!، كما إنهم بعيدون عن سياق المتاجر الكبيرة، لذا فهم لا يحتاجون إلى فريق مبيعات خارجية متخصّص، ولا يقومون بالعروض التجاريّة، وتنبع كل جهودهم التسويقية من فريق مكوّن من ثلاثة أشخاص، يركزون بالكامل على قنوات الإنترنت، مثل: وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلانات المدفوعة، والنشرات الإخبارية والتي بدورها تزيد من الوصول دون المزيد من الموارد الإضافية لإدارتها.

تعتمد الشركة على مصنع خارجيّ تربطهم به علاقة وثيقة لتصنيع مواردهم الأولية، ويمكنهم التعامل مع أي عدد من الطلبات مهما كان قليلاً، بل يمكنهم التعامل مع عشرات الآلاف من الطلبات في اليوم الواحد، كما تستعين الشركة بمصادر خارجية للشحن والتوصيل عبر شركاء موثوق بهم، بعبارة أخرى تعدّ شركة (Need/Want) مثالاً رائعاً على شركة تستخدم نظاماً قابلاً للتطوير.

العلاقات هي السرّ الحقيقي للنمو

تجد شركة الشخص الواحد نموّها الحقيقي من خلال العمل على أن تكون أفضل وليس أكبر، أي أنّها تصبّ اهتماماتها على الكيف لا الكم، ولعلّ الطريقة المثلى للقيام بذلك هي بناء علاقات طويلة الأمد مع جمهورها وعملائها، ويتطلب هذا النوع من النمو ثلاثة أنواع من رأس المال:

  1. رأس المال الماليّ والذي ذكرناه سابقاً، و يجب أن يكون صغيراً قدر الإمكان للبدء حتَّى يتحقق الرَّبح.
  2. رأس المال البشريّ وهي القيمة التي تجلبها أنت أو فريقك الصغير إلى العمل أو الشريحة المستهدَفة، وتأخذ هذه القيمة شكل المهارات التي ستحتاج إليها، أو التي ترغب في تعلمها لتبني شيئاً ما، وتكون عملياً في تطبيقه.
  3. رأس المال المطلوب هو رأس المال الاجتماعيّ، إذ تحتاج الشركات من شخص واحد إلى التفكير في رأس المال الاجتماعيّ، والتعامل مع هذا المجال من العلاقات والأصدقاء كأنه حساب مصرفيّ، يمكنك فقط أن تأخذ منه ما وضعت فيه.

خاتمة

يؤكّد مؤلف كتاب (شركة الشخص الواحد) بأنّ التوسّع ينسيك الهدف الأساسي، ولعلّ في هذا إشارة خفية إلى أن شركة الشخص الواحد -بما فيها من منهج ونمط إداري- هي الأنسب لروّاد الأعمال؛ فمن خلالها لن ينحرف رائد الأعمال عن عمله، ولن تتشتت همّته ويسير في غير اتجاه، وإنما سيظل متابعاً لهدفه، محقِّقاً لخطته الأساسية واستراتيجيته العامّة التي وضعها للمشروع من قبل الشروع فيه. يؤكد لك هذا الكتاب أنك لست آلة ولا يجب أن تتعامل مع نفسك باعتبارك آلة، فهو يقدم لك طريقة مختلفة ومبتكرة لتحقيق النجاح، ويساعدك على عدم تكبد الكثير من العناء، أو العمل على شيء لن يعود من ورائه أي نفع.