حمود الباهلي
حمود الباهلي

د

تجربتي مع تطبيق كلوب هاوس

إذا كنت تقرأ هذه المقالة من جوال آيفون، فالأغلب أنك دخلت إلى تطبيق كلوب هاوس أو في طريقك لأن تدخل هذا التطبيق وتشارك في نقاشات غرفه المتنوعة، فقد أصبح هذا التطبيق خلال الأسابيع الماضية حديث الناس سواء من كانت أجهزتهم تدعم تحميل التطبيق أم لا.

لِم اندفع الناسُ فجأة نحو هذا التطبيق؟ لا أستطيع أن أتحدث عن الآخرين بالتأكيد لكن السبب الوحيد الذي جعلني أنضم إليه هو طريقةُ الانضمام! حصر أن تكون عضواً فيه من خلال دعوة خاصة وانتشار الدعواتِ الخاصةِ بين المثقفين ضغط علي لأكون أحد أعضاء هذا النادي النخبوي، بعد أسابيع قضيتها في غرفه متنقلاً بين غرفة صباحية ذي عدد محدود تتمحور حول موضوع مهني إلى غرفة ليلة مزدحمة بالأعضاء عن موضوع فكري عميق.

قررت مشاركة قراء أراجيك تجربتي مع هذا النادي النخبوي

بداية غريبة

لا تعجبني أفكار إيلون ماسك السياسية أو الفكرية، لكن لا أستطيع أن أمنع نفسي من متابعة جديده، فالحق يُقال على الرغم من صلفه وآرائه الحادة، فإن طريقة تفكيره غير تقليدية، ولديه آراء في مجال التقنية والاستثمار تستحق أن يلتفت لها.

لما دعا ماسك إلى التحول نحو سيجنال وهجر الواتس أب بعد إعلان الواتس أب عن قراراته الجديدة في الخصوصية، كنت ممن تحول لسيجنال، لكن لم تجد فكرته تفاعلاً كبيراً بالقدر الذي أملته، فتساءلت لما دعم ماسك تطبيق كلوب هاوس في نهاية شهر يناير 2021 هل سيتنجح دعوته أم ستنال مثل مصير سيجنال؟

حصلت تغريدته عن تطبيق كلوب هاوس في 31 يناير على أكثر من 200 ألف تفضيل و19 ألف ريتوت، ثم تبعها بعد ذلك خوضه نقاشاً مع الرئيس التنفيذي لتطبيق “روبن هود” فلاد تينيف” في 1 فبراير في غرفة. Good Time.

 حصل التطبيق على نهاية سنة 2020 على 600 ألف مشترك، لكن بعد دعم الداهية أيلون ماسك له، أصبح التطبيق حالياً لديه 10 مليون مشترك.

ترجع فكرة التطبيق إلى بداية فترة الحظر العام الماضي، فقد بحث الناس عن خيارات تقنية بديلاً عن الحضور الشخصي للاجتماع، فبرز تطبيق زوم وحقق شعبية عالية في اجتماعات العمل ثم لاحقاً في الاجتماعات العائلية.

يشترك تطبيق كلوب هاوس مع زوم في فكرة الاجتماعات الافتراضية لكن مؤسسا تطبيق كلوب هاوس ول دافيسون و روهان سيث فرضا قيوداً فنية على تطبيقهما الذي يصنف علي أنه من ضمن تطبيقات التواصل الاجتماعي.

التقييد الأول: أن التطبيق يعمل في أجهزة تعمل بنظام IOS ، مما يعني أنهم سيخسرون شريحة الذين لديهم أجهرة أندرويد.

التقييد الثاني: أنك لابد أن تحصل على دعوة من شخص لديه حساب مسبق وسيظهر للجميع أنك حصلت على الدعوة منه.

التقييد الثالث: أن التطبيق مرتبط برقم جوال.

عند الوهلة الأولي لم أكن مقتنعاً بهذه التقييدات الفنية، لكن خوض التجربة تبين أن هذه التقيدات هي التي شكلت تميز كلوب هاوس عن غيره.

حفلة كبيرة:

هل تعرف شعورك لما تنظم لحلفة كبيرة جداً، بها عدد من المدعوين موزعين بين مجموعات صغيرة، تتنقل بين هذه المجموعة وتلك، تجلس مع مجموعة لفترة ثم تمل من الحديث لتنتقل إلى مجموعة أخرى يعجبك أحاديثها لكن شخصا معهم يضايقك فتنتقل إلى مجموعة ثالثة..

هذا كان هو حالي لما انضممتُ لغرف الكلوب هاوس.

يدين كلوب هاوس لتطبيق زوم الذي أشاع الاجتماعات الافتراضية بين شرائح المجتمع، وأصبحت مفردة اجتماع خلال زوم جزء من القاموس اليومي في مجال الأعمال، لكن زوم عجز أن يحقق انتشاراً مماثلاً في اللقاءات العائلية وغير الرسمية لماذا؟

أولاً لا تباط الذهن بين زوم ولقاءات العمل غير محببة للنفس، ولاعتماد زوم على الفيديو خلال الاجتماع مما سبب ثقلاً نفسياً خصوصا عند الأشخاص الذين لديهم ثقة مدنية في أشكال وجيههم تحديداً الأنف!

تجاوز كلوب هاوس هذين العيبين بأن جعل التواصل فقط عن طريق الصوت،  فالمشارك لديه الحرية أن يتحدث من سيارته أو فوق السرير! كما أن سهولة الدخول للغرف من دون أخذ إذن ومغادرتها من دون أخذ إذن (لاحظ التعبير اللطيف غادر بهدوء) فهو فضلا على لطافته فهو يقول لك لا بأس من المغادرة.

طريقة مختلفة في التواصل

إذا كان لدينا تطبيقات تواصل اجتماعي متعددة: الفيس بوك، توتير، سناب شات، تيك توك وأيضا يصنف البعض اللينكد إن أنه منها، ما الذي يميز كلوب هاوس؟

تحدثت مع الصديق عبد اللطيف المبارك وهو أحد الفاعلين في غرف كلوب هاوس والمعجبين بالتجربة عن ماذا يميز كلوب هاوس عن غيره من تطبيقات التواصل الاجتماعي؟

فقال: بقية التطبيقات لديك حساب تبث من خلاله ما لديك سواء كان صورة أو كتابة أو فيديو وأفراد الجمهور إما يعلق عليك أو يتابعك أو يضع لك حظر! بينما يختلف الوضع في كلوب هاوس، فلا يوجد هنا مرسل ومستقبلين، الجميع سواسية ف انتاج الخطاب وتلقيه، وهو تغير جذري في وسائل التواصل الاجتماعي.

الناقد محمد العباس يشاطر المبارك هذه النظرة، فهو من خلال عدة تغريدات كتبها بعد انضمامه لعدد من الغرف النقاشية يرى في كلوب هاوس لا نتلقي المعلومة فقط بل أيضا نتعلم أدب الحوار، فضيلة الاستماع للطرف الآخر، كذلك قيم التواضع وتخفيف حدة موافقنا.

أعجبني في غرف كلوب هاوس أن قوتك في حديثك، في منطقك في طريقة عرضك لفكرتك و ليس لوسامة وجهك أو عدد متابعيك.

مع ذلك مازال الطريق أمامنا طويلاً من أجل تحسين واقعنا الثقافي، فقد مر بي غرفة هل يمكن أن تكون المرأة شاعرة؟! وأغلب من تحدث فيه رجال!

 لمن الغلبة للصوت أم الكتابة؟

من خلال تاريخ البشرية، تنقلت المعرفة مع أصناف متعددة من الوسائل، لكن تظل المعرفة المنقولة بالكتابة أسرع في الانتقال، أعمق في التناول وأسهل في المحاكمة العقلية.

البودكاست وسيلة سمعية مع ذلك نجد كلاما مكتوباً تحت كل حلقة يرشد المستخدم لموضع المعلومة في الحلقة واليوتيوب أيضا منصة مرئية مع ذلك نجد التعريف بالفيديو والتعليقات عليه مكتوبة لأن الكلام المكتوب أسهل في البحث والتناول.

لكن للصوت ميزته الخاصة، الكلام الذي تٍقرؤه حالياَ الآن يُكتب به كل مقالات ثمانية، لكن صوتي لا يشابه أي صوت.

يوجد شيء حميمي في الصوت لوحده، يختلف شعوري لما أسمع لحلقة بودكاست ما وإذا شاهدت الحلقة في اليوتيوب، مع أن اليوتيوب يحتوي صوت وفيديو، يوجد في الاستماع للصوت وحده جاذبية لا أستطيع أن أفسرها.

ما زلت أجد متعة في الاستماع للبي بي سي أكثر من مشاهدة القناة أو زيارة موقعهم.

دخلت العديد من الغرف لا لشيء سوى لأستمع لأصوات مثقفين، بالتأكيد أتحدث هنا عن تجربة شخصية لا أعممها على الجميع، لما أستمع لشخص يعرض رأيه لأعضاء الغرفة، ألمس أنه يخاطبني أكثر مما لو عرض رأيه مكتوباً في موقع، أكرر أتحدث هنا عن تجربة شخصية.

للصديق نواف الحربي غرفة ماذا تقرأ الآن؟ يعرض فيها المشاركون كتباً قرؤها، مع أن هذه الفكرة مستهلكة في توتير، لكن وجدت سماع عرض المشاركين له جاذبية خاصة عن القراءة لهم.

تأثرت عدد الساعات التي كنت أخصصها للاستماع للبودكاست، فقد وجدت كفايتي الأسبوعية من الاستماع هل سيؤثر كلوب هاوس على سوق البودكاست؟ يبدو ذلك والله أعلم.

نقاش حقيقي

ترى الباحثة إيمان الحسين أن أحد أسباب انتقال البعض من توتير إلى كلوب هاوس هو بسبب وجود حسابات وهمية في توتير، تسيء هذه الحسابات للحراك العلمي والمعرفي فيه.

لتواجدي في توتير منذ عشر سنوات، أشاطر إيمان هذا الرأي، وإدارة توتير تعلم بهذا الشيء لكنها لم تتحرك إلا ضد حسابات معينة تختلف معها في الخط السياسي وترى أنها تؤثر على المواطنين الأمريكيين.

الصديق ماجد العتيبي انضم مؤخراً لتطبيق كلوب هاوس، وقد استحسن أنه لا يوجد في كلوب هاوس تلاعب في الغرف،

 غرف نقاشات كلوب هاوس ونوعية النقاشات التي فيه مؤشر أكثر دقة علي الحراك الفكري من عناوين الترند بتوتير.

من عيوب النقاش في توتير أو فيس بوك مثلاً أنك لا تدري هل الذي يناقشك شاب أم فتاة؟  العمر، إذا كنت تتناقش عن قضية محلية فهل هو أصلاَ سعودي أم يدعي ذلك؟

في الحقيقة أحسن مصمما التطبيق صنعاً لما ربطا الحساب برقم الجوال وجعلا الحصول على دعوة لفتح تظهر أمام الجميع، هذه سوف تحد من وجود حسابات وهمية تهدف لعرقلة الحوار.

غرف كلوب هاوس فرصة ثمينة لعلماء الاجتماع والنفس للتعرف على نبض الجيل الجديد، مثلا غرف (هل تفضل أن يكون مديرك رجل أم امرأة؟ /وما الفائدة من الانجاب) هي فرصة لأن نستمع لأصوات شعبنا الحقيقة ونتعرف عن قرب على همومهم وتصوراهم بدلا من الاتكاء على ترند وهمي.

طبيعة الرد الآني في غرف كلوب هاوس تعكس رأيك بخلاف المنصات الثانية التي لديك متسع من الوقت للرد، فلا يكون هذا هو رأيك العفوي وإنما المتكلف.

كما أن عدم حفظ اللقاءات، يوفر أريحية للمشارك في أن يقول ما يريد، بخلاف المطالبين بحفظ اللقاءات لا أراها مناسبة، بل إنها سوف تضعف من التلقائية لدي المشاركين.

إذا كنت أعلم أن مداخلتي سوف تخزن، بالتأكيد لن أطرح رأياً عفوياً.

جزء من الأريحية في التطبيق أنك تتشارك آراء عفوية.

يرى المختصون في علم سلوك الأفراد والمجتمعات أن أفضل وسيلة لفهم سلوك ما، هو مشاهدة السلوك يمارس أمامك بكل عفوية وتلقائية وهذا ما نجده في نقاشات غرف كلوب هاوس حتى الآن.

مضيعة للوقت أم تبادل خبرات؟

يُصنف تويتر بالحديقة الخلفية لكلوب هاوس، أقسي نقد وجه لكلوب هاوس ستجده في حسابات توتير خصوصاً التي تعمل من جوالات الأندرويد!

من أطرف ما مر على من نقد لكلوب هاوس أنه تطبيق للفضفضة والاستعراض المعرفي الفارغ وأن أغلب من يتحدث أشخاص بلا علم أو تجربة.

الطريف أن محتوى هذه الحسابات لا يختلف عما ينتقدونه سوى أن هذا مكتوب وذلك مسموع هذه النقطة الأولي

النقطة الثاني أنه لو اكتفي كل واحد منا بألا يتكلم إلا بما يتقنه لأصبحت حياتنا أشبه بمدرسة حكومية يديرها مدير قاس. جمال الحياة أن يكون فيها تنوع، إذا كانت حياتك جادة فالأفضل أن يكون تواجدك في منصات التواصل الاجتماعي للترفيه، أما إذا كان دخلك من هذه المنصات فالأفضل أن تتعامل معها باحترافية، هذا هو المنطق.

ذكر المؤرخ الإسرائيلي يوفال هراري في كتابه الإنسان العاقل أن البشرية مدينة في تقدمها للدردشة والتطفل على شؤون الآخرين(gossip) فهي قد لا تفيدنا كأشخاص لكنها ضرورية تقدم البشرية.

شركة الفيس بوك يعمل بها عشرات الألاف من مبرمجين ومحللي سلوك مسوقين بدأت من فكرة سخيفة كيف يجذب طالب هارفرد إعجاب فتاة له، لكن تحولت إلى امبراطورية إعلامية.

الدردشات الكثيرة والمتنوعة في غرف كلوب هاوس التي يظهر للمتابع السريع أنها لغو لا فائدة منه، ستغير من أفكار وتنتج مشاريع لكن علينا أن ننتظر.

أدار الصديق إبراهيم آل سنان غرفاً عن تجارب التأليف ونشر الكتب واستفاد منها كثيرون.

لاحظت في بعض الغرف لغة غير مهذبة لكنها على خلاف الطابع العام لغرف كلوب هاوس التي يسودها اللغة الراقية (هل يمكن إرجاع اللغة الراقية إلى تعود اجتماعات العمل في زوم أن نكون مهذبين في لغتنا؟)

يذكر أن أحدهم دخل بيته فوجد زوجته بين ذراعي رجل على الكنبة، فباع الكنبة ظانا إذا لم يجدا كنبة فلن يكررا فعلتهما،

لما رجعت إلى بعض الحسابات التي سمعت منها لغة غير مهذبة وجدتها أسوء في توتير! المشكلة في بعض الأشخاص وليس التطبيق نفسه.

كما أود أن أهمس في أذن كل شخص يحذر من التطبيق ويطالب بحظره! كثرة التحذير منه سوف تدفع الناس له أكثر، رجاء تعلم من تجاربك السابقة، هل حذرت من تطبيق وكف الناس عنه؟

  أما إذا حظر التطبيق، سوف يبحث البعض عن بديل له ويشتركون فيه من دون أن تعلم السلطات عنهم.

هل هو مناسب للجميع؟

من خلال مروري على الكثير من الغرف لاحظت أن أكثر مفردتين متداولة فيهما: تجربة، رأي.

غرف الكلوب هاوس مناسبة لمن يريد أن يطلع على تجربة إنسان في مجال يفضله أو يسمع رأي خبراء في قضية معينة، ليست غرفاً للتسلية أو توفير معلومات، يوجد وسائل أخري لهما.

لاحظت أن نشاط التايم لاين في توتير قد خف كثيراً بسبب هجرة من يحبون النقاشات لكلوب هاوس، وهذا أمر جيد بالنسبة لي، ما أجمل الهدوء وتبادل المعرفة والنقاش الهادئ!

بعض الناشطين في توتير كان حديثه غير جذاب في غرف الكلوب هاوس وهذا ليس غريباً يجيد البعض الكتابة ويتقن الآخرون صناعة الفيديو، ليس لازما أن أكون متميزاً في كل المهارات التي تتطلبها وسائل التواصل الاجتماعي.

لذلك حالياً بدأت أتفهم لم جعل مؤسسا التطبيق فكرة الانضمام له من خلال دعوة، فهو ليس منصة مثل توتير تستطيع أن تكتب في حسابك ما تريد، هو تطبيق من أجل مشاركة الآخرين تجربتك والأفضل أن تحصل على دعوة من شخص لديه اهتمام مقارب.

لكل واحد منا طريقة معينة لمشاركة الآخرين تجاربه، شخصياً أفضل مشاركة الآخرين تجاربي من خلال الكتابة (هذا المقال نموذجاً) وأيضاً الاطلاع على تجارب الآخرين مكتوبة، بالتأكيد لا أدعي أنها الأفضل لكن الأنسب لي.

بينما يفضل آخرون النقاش الصوتي مع آخرين والتفكير بصوت مرتفع فتكون غرف كلوب هاوس أنسب لهم.

هذه تجربتي، كرما ممكن تشاركني تجربتك؟