عزة عبد القادر
عزة عبد القادر

د

صندوق الأسرار المغلق!

الصداقة الملائكية….

صداقة الطفولة قديماً واحدة من الصداقات التي نتذكرها بمزيد من الفرح والحنين والأماني.. فرح لمجرد الاحتفاء بهذه الصداقة وسنوات عمرها، وحنين إلى مواقفها وذكرياتها، والأماني بعودتها مجدداً للخلاص من الحياة الآلية المعقدة والمثقلة بالمصالح والأنانية.. تبقى ذكريات الطفولة عالقة في أذهاننا رغم مرور السنوات ، وكثيرا ما نذكر تفاصيل تلك المرحلة وما تحمله من مغامرات فتجدنا كثيرا ما نرجع بذاكرتنا الى أصدقاء الطفولة والذين كانوا يشاركوننا اللعب والدراسة وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية.

كانت الحياة بالنسبة لنا مثل الحلم ، فلم نكن نحمل أعباء أو مسؤوليات وننظر إلى المصروف الشخصي (الخمسون قرشاً) وكأنها حق مكتسب لنا لا يستطيع أحد كائناً من كان أن يأخذه منا ، وحتى يوم الأجازة نأخذ المصروف لنضعه في الحصالة الخاصة بنا لنرى في نهاية الشهر كيف يتحول النصف جنيه إلى 15جنيه(خمسة عشر جنيها) ، فلقد صار معنا مال ويمكننا أن نشارك في رحلة مدرسية إلى الملاهي مع الأصحاب ، ياه أخيراً سنذهب مع أصدقائنا الطيبين ونقضي معهم طيلة اليوم نلعب وندردش

يا لأصدقاء الطفولة الأعزاء ، لن ننساهم طيلة الحياة ، حيث يتبادر إلى ذهني دائما بعض الأسئلة عنهم – كيف كانت الصداقة بهذا الشكل الملائكي ؟

كيف كنا نحب زملائنا ونضحي لأجلهم بهذه الطريقة ؟

لماذا لم تعد هناك تلك الصداقة المثالية والوفاء النادر ؟

هل نبدو بهذا النقاء والإخلاص في مرحلة الطفولة ، أم أن زماننا يختلف عن الزمن الحالي ؟

سرك في بير..!

كانت الصداقة بالنسبة لي هي الصندوق المغلق الذي يحتوي أحلام وأسرار لا يعرفها إلا أصحابي ، فالمالك لمفتاح الصندوق هم الأصدقاء الذين يرسمون معاً طريقهم ويتحدثون في كل ما يخصهم دون خوف لأنهم يعلمون أن السر سيكون في بير والبير هو تلك الصندوق المحكم الغلق الذي يصرون على عدم إعطائه لأحد حتى لو كان قريب لهم ، فإذا فتش أحد الأصحاب السر يكون هنا خائن لوعده ، فمن المفترض أن يكون رباط الصداقة هو شيء مقدس حتى ولو كان تافهاً .

الصديقة الفتانة..!

كانت الصديقة التي تنقل السر تعد (فتانة ) أي تفتن علينا للكبار ، فإذا فعلت هذه الفعلة الشنعاء لم نعد لنثق بها مرة أخرى ، وتشتهر بيننا بأنها (رويتر) ، وهذه الكلمة لم تكن مزحة أو هزار بل إنها وصمة عار تلاحق الزميلة الي ميتبلش في فمها فولة ، لأنه كلما تحدثنا معها في موضوع يزعجنا أو شكونا لها من شيء يضايقنا وجدنا الخبر وقد انتشر في كل المدرسة ليصل فجأة إلى المدرسين.

كانت الفتنة شيء ذميم يؤرقنا منذ سن صغير لأننا عانينا منها ، بل وتم عقابنا بسبب كلمة من أحدهم لم يحسب لها حساب فخرجت بلا تفكير فتسبب في الألم لنا ولأصحابنا ، فكانت المغامرة والأحلام تجمعنا وتوحد قلوبنا ، ولم نكن نعرف الكذب إلا حينما نريد أن نخفي سراً سيؤذي غيرنا.

رمضان ومنحة جدتي الربانية..!

في رمضان كان الصيام يجمعنا كأصدقاء من كل مكان ، يأتي أصحاب المدرسة وأصحاب السكن لنكون لمة كبيرة لنلعب معا في منازلنا وفي الشارع ، وكنا نتفق أن نصوم أول أسبوع إلى صلاة الظهر ونفطر معاً ، والأسبوع الثاني والثالث نصوم إلى العصر ، أما الأسبوع الأخير فهو أسبوع المجاهدة والصيام إلى المغرب حتى تحتفل أسرتنا بنا ، وكان كل منا ينتظر المكافأة من أسرته ، كانت جدتي تقول لي : إن الله سيرسل لنا جائزة كبيرة بعد الصيام ، وعندما أشعر بالعطش كانت تقول: إن الحسنات والجوائز ستزيد.

وفي ليلة العيد كنت أسأل عن الجوائز ، فتعطيني جدتي الحلوى لآكلها أنا وأصحابي وتؤكد إنها منحة من الله للصائمين ، كانت طريقة عبقرية من جدتي في ترغيبي في الصيام والاعتياد عليه.

رمضان المفاجآت والعيد..!

كان رمضان شهر المفاجآت فكنا نجهز الزينة مع الجيران وننتظر في الشرفة طوال الليل حتى يأتي المسحراتي أثناء السحور وينادي على أسمائنا جميعا ، وهو لا يمكن أن ينسى أي اسم حتى إذا غاب أحد الجيران عن المنزل وسافر بعيداً.

ويمر رمضان بكل لياليه الجميلة ليطل علينا العيد الذي لا يحلو إلا مع الأصدقاء ، كنا نرسم خريطة جولات العيد،و نخرج لشراء اللعب والصواريخ التي نلعب بها طوال اليوم ، ونخطط كيف نذهب لحديقة الحيوان والقناطر الخيرية معاً ومن سيذهب معنا من الكبار في أسرنا ، كانت ذكريات العيد لا تنسى وكانت الصداقة أهم ما يميزها ، فكان الصديق روح تمشي على الأرض ولم يكن آلة تتكلم من وراء كيبورد وأزرار متحركة ، لقد كانت متعة حقيقية أن تجتمع بصديق وترى أسرته لتعرف والدته ووالده وأخوته ويكونوا لك عزوة أخرى ومعارف جديدة ،أما اليوم فأين الأصدقاء وأين تلك الروح والناس الحقيقية ، لقد تلاشت الفرحة وحلت العولمة والتكنولوجيا العرجاء التي لم تستطع أن تصنع الوصال والمودة بل خلقت كثير من الإدعاء والمقاطعة .