د. إيمان بقاعي
د. إيمان بقاعي

د

تعريب شعر الأطفال

عرف العَرَب-  أوائل القرن-  شعرًا نظم الشّعراء فيه خرافات لافونتين وخرافات إيسوب بالعَرَبية. وكان أقدم هذا الشّعر كتاب (العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ)[1]  لمحمد عثمان جلال (1245- 1316 ه = 1829- 1898م)[2] الّذي أتقن الفرنسية والتحق بالدّيوان الخديوي معلِّمًا ومترجمًا، فكان كتابه “أول محاولة عربية تُعبّد الطَّريق أمام الكتَّاب لإرساء دعائم أدب الطُّفُولَة، وهي محاولة تسبق محاولة أحمد شوقي بسنوات طويلة[3]”، مما يحقق له الريادة الزَّمَنية.

 وقد وفق الشَّاعِر وهو يترجم (حكايات لافونتين) إلى منظومات شعرية إلى تحري دقة النّقل إلى الأدب العَرَبي، والتَّعْبير عن البيئة المصرية، وتمثُّل الشَّخْصيّة المصرية تمثلاً صحيحًا في ميلها إلى البساطة والمرح وخفة الظل[4]، فكانت ترجمته أقرب إلى الاقتباس[5]، وقد نجح عثمان جلال في تعبيد الطَّريق أمام المبدعين لتأصيل أدب الطُّفُولَة كلون أدبي مستحدث[6]. وما كادت المرحلة تنتهي بوفاة جلال عام 1898م، حتى شهد العام التَّالي لوفاته مرحلة جديدة دعا فيها أحمد شوقي ( 1285- 1351ه- = 1868- 1932 م) [7] – في أعقاب عودته من فرنسا-  في المقدمة الإضافية الَّتي تصدرت الطّبعة الأولى من الشوقيات عام 1317 ه، إلى “إرساء دعائم أدب الطِّفْل[8]”، مشيرًا إلى أهمية تضافر جهود الأدباء والشّعراء بعامة وصديقه الشَّاعِر خليل مطران بوجه خاص.

ورغم أن أحمد شوقي عبَّر عن تأثره بأسلوب لافونتين، فقد أغفل تمامًا تجربة محمد عثمان جلال الَّتي سبقته، والّذي كان ديوانه الأخير قد طبع قبل ميلاد شوقي وفي حياته أكثر من طبعة، بل ظهرت الطّبعة المدرسية قبل ظهور ديوان شوقي ببضع سنوات، وكانت نظارة المعارف قد قررتها في المدارس الأولية!

وتختلف تجربة شوقي عن تجربة جلال في أن مصادر حكايات الأول تنوعت ما بين الأدبين العَرَبي والأجنبي، إذ استقى أفكارًا من أصول تراثية عربية كـ (كَلِيلَة ودِمْنَة) و(حياة الحيوان) وغيرهما[9] إلى جانب ما استقاه من لافونتين، كذلك في تنبيهه، في (منتخبات من شعر شوقي في الحيوان)[10] الوعي[11] القومي، وحب الوطن، إلى جانب نقد بعض العادات الاجتماعية؛ بينما اكتفى جلال بخرافات لافونتين مقتبسًا منها، مُمَصِّرًا إياها.

وليس غريبًا على أحمد شوقي ألا يكتفي بالاستقاء من منهل الأدب الأجنبي، فقد حذا معظمُ شعراء الأَطْفَال العَرَب حذوه، فنظَموا بعض حكايات (ألْف ليْلَة ولَيْلَة) و(كَلِيلَة ودِمْنَة)[12] جامعين بين الترجمة والاقتباس شعرًا فنثرًا.

عام 1913، صدر في سورية كتاب إلياس بك قدسي فيس (1266- 1345 ه = 1850- 1926م )[13] بعنوان (نوادر وفكاهات من أحاديث الحيوانات)[14]، وتتميز بالروح المرح، وبأنها كتبت بالعامّيَّة، ولم تلتزم الترجمة الحرفية بل الحرة.

وفي العام نفسه، صدر كتاب (آداب العَرَب)[15] لإبراهيم بك العَرَب المتوفى سنة 1927 م في تسع وتسعين قِصَّة شعرية على غرار خرافات لافونتين أيضًا، وإن كانت تفتقد روحَ الفُكاهَة الَّتي ميزت شعر شوقي وجلال.

وتأثر العلامة اللُّغَوِيّ مصطفى جواد (1901- 1996) بخرافات لافونتين أيضًا، فكتب بعض المقطوعات الشّعريّة على أَلْسِنَة الحيوان عام 1923 مثل: (اللقلق والعُصْفور) و(الهر والفيران)[16].

وفي عام 1929، وضع المهندس حامد القصبي أول جزء من أجزاء كتبه الثّلاثة: (التَّربية بالقصص لمطالعات االمَدْرَسَة والمنزل)، قائلًا إنه ترجمها محتفظًا بروح القِصَّة، غير مقيد بالالتزامات الأُخْرى عن الكُتُب الإنكليزية التَّهذيبية الَّتي تتضمن الحكمة والموعظة الحسنة في أسلوب شائق[17].

وفي عام 1934، التزم الأب أبو هنا المخلصي-  أحد  أدباء دير المخلص في صيدا-  ترجمة خرافات لافونتين الحرفية في كتابه (أمثال لافونتين)[18].

وشاع هذا اللَّوْن بشكل واضح، وكانت مجلة أبولو الأدبية الَّتي صدرت في أيلول 1932 حتى كانون الثَّاني 1934 تنشر تحت باب (شعر الأَطْفَال) لعدد من الشّعراء، منهم: الصاوي محمد شعلان، بركة محمد، علي عبد العظيم، كامل كيلاني…

وظهرت في الثّلاثينيات أسماء عديدة لشعر وقصص أَطْفَال موضوعاتها مستمدة من التُّراث العَرَبي والأدب المترجم[19]، وظلت إلى أن وضع جُبْران النّحاس ديوانه المطبوع (تطريب العندليب)[20]، ويضم سبعًا وتسعين قِصَّة شعرية متأثرة بلافونتين مشيدًا بالأخير، ومشيدًا بشعرِهِ هو الّذي قال إنَّ النّقل أو التعريب لم يؤذيا رشاقته[21].

المراجع

[1] – محمد بك عثمان جلال: العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ. مصر، مطبعة النيل، 1906.          

[2] – محمد بن عثمان بن يوسف الحسيني نسبًا، الجلالي لقبًا، الونائي بلدًا، من واضعي أساس القِصَّة الحديثة والرِّوايَة المسرحية في مصر [الزركلي: الأعلام، 6/ 262].

[3] – أحمد زلط:أدب الأَطْفال بين شوقي وجلال،  ص 19 – 20.

[4] – أحمد زلط: أدب الأَطْفال بين شوقي وجلال، ص 24.

[5] – الاقتباس: نقل أثر أجنبي إلى لغة أخرى بعد تعديلات على النص الأصلي، وأحيانًا على الأفكار الواردة فيه. [جبور عبد النور: المُعْجَم الأدبي، ص30]

[6] – أحمد زلط: أدب الأَطْفال بين شوقي وجلال، ص101.

[7] – أحمد شوقي بن علي بن أحمد شوقي، أشهر شعراء العصر الأخير، مولده ووفاته بالقاهرة،  نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وأرسله الخديوي توفيق سنة 1887إلى فرنسة فتابع دراسة الحقوق في مونبلييه واطلع على الأدب الفرنسي، وعاد سنة1891، فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي، وندب سنة 1896 لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجنيف ، ولما نشبت  العالمية الأولى، ونحي عباس حلمي عن خديوية مصر، أوعز إليه، فسافر إلى إسبانية سنة 1915، وعاد سنة 1919فجعل من أعضاء مجلس الشيوخ إلى أن توفي. [الزركلي: الأعلام، 1/ 136].

[8] – أحمد زلط: أدب الأَطْفال بين شوقي وجلال، ص 101.

[9] – أحمد زلط: أدب الأَطْفال بين شوقي وجلال، ص105- 106.

[10] – أحمد شوقي: منتخبات من شعر شوقي في الحيوان. مصر، المكتبة التُّجّارية الكُبْرى، 1949.

[11] – الوَعْيُ، والوَعِيُّ، والوعِيَّةُ (و ع ي): مصدر وَعَى، يَعِي، وهو الفَهمُ وسلامةُ الإدراكِ، نفْسِيًّا: إدراكُ المَرءِ لِذاتِه وأحوالِه وأفعالِه إدراكًا مُباشرًا، وهو أساسُ كلِّ معرفةٍ، وله مَراتبُ مُتفاوِتةٌ في الوُضوحِ، وبه تُدرِكُ الذَّاتُ أنَّها تَشعرُ وأنّها تعرِفُ ما تَعرِفُ، أمَّا (الوَعِيُّ)؛ فالفَقِيهُ الحافِظُ الكَيِّسُ، ومؤنّثُ الوَعِيِّ (الوَعِيَّةُ).

[12] – انظر: هادي نعمان الهيتي: ثقافة  الأَطْفال، ص 205- 229. وحسن حمامي: “أدب الأَطْفال في التُّراث الشَّعْبِيّ“. أدب الأَطْفال والتُّراث، (ص 215-239). وسمر روحي الفيصل: “أدب الأَطْفال في التُّراث القديم والحديث“. أدب الأَطْفال والتُّراث، (ص 243- 260). وأحمد علي كنعان: أدب الأَطْفال والقيم التَّربوية. ص 71-78. وأحمد زلط: أدب الأَطْفال بين شوقي وجلال. ونفوسة زكريا سعيد: خرافات لافونتين في الأدب العَرَبي.

[13] – الياس عبده القدسي، من أعضاء المجلس العِلْمِيّ بدمشق. مولده ووفاته فيها. تعلم الفرنسية واليونانية، وعين قنصلاً لليونان والبرتغال في دمشق. له منظومات بالشّعر العامي. ترجم في بعضها قصصًا من لافونتين[الزركلي: الأعلام، 2/10].

[14] – إلياس قدسي: نوادر وفكاهات من أحاديث الحيوانات. دمشق،1913.                

[15] – إبراهيم العَرَب: آداب العَرَب. القاهرة، نظارة المعارف العمومية، 1913.

[16]  – هادي نعمان الهيتي: ثقافة الأَطْفال، ص 217 – 218.

[17]  – هادي نعمان الهيتي: ثقافة الأَطْفال، ص 218.

[18] –  نقولا أبو هنا المخلصي: أمثال لافونتين. لبنان، 1934 م.                 

[19]  – هادي نعمان الهيتي: ثقافة الأَطْفال، ص 217 – 218.

[20] – جُبْران النحاس، تطريب العندليب، مطابع دار البصير، ط2، 1950.                        

[21]  – هادي نعمان الهيتي: ثقافة الأَطْفال، ص 225 – 228.