د. إيمان بقاعي
د. إيمان بقاعي

د

كيف تعاملَ أُدباء الأطفال والنَّاشئة اللُّبنانيون مع ثنائيَّة اللُّغة: (الفُصْحى والعامّية)؟


ثنائية اللُّغَة في أدب الأطفالِ والنَّاشئة (كَلِمَات عامية وكَلِمَات فُصْحَى):

(الثُّنَائِيَّة): كلُّ مَذهَبٍ يُسَلِّمُ بِوُجودِ مَبدَأينِ كالمادَّةِ والرُّوحِ، أو الجِسمِ والنَّفْسِ، أو الخَيرِ والشَّرِّ، يكونانِ في صِراعٍ دائمٍ، و(ثنائيَّة اللُّغة): وجود لُغَة واحدة بمستويين مختلفين: عامِّيٌّ وفصيح، والأَلْفَاظ العامّيَّة (Colloquial Language, Parler fanilier) هي الأَلْفَاظ الَّتي نستعملُها في لغتِنَا المحكيَّة وغيرها، منحرفةً عن الضَّبطِ الصَّحِيح؛ كالقول: (جِدي) في (جَدْيٌ)، و(اتْنَمْرَد) في ( تمرَّدَ)[1]، وتقابلُها الأَلْفَاظ الفُصْحَى Classical Arabic, Arabe classique)) وهي لغةُ المصنَّفَات الأدبيَّةِ والجرائد والمجلات، وقد توارثَها العَرَب منذ العصرِ الجاهليِّ. ويمكنُ أن نصف الكَلِمَة بالفصاحة، كذلك التَّرْكِيب[2].

والحديث عن العامّيَّة والفُصْحَى في قصص الأَطْفَال يقود إلى سماح بعض المتخصصين باسْتِعْمَال بعض المُفْرَدَات العامّيَّة الخفيفة الشَّائِعة إذا رآها تفضُل نظيرتها في الفُصْحَى. فيستعمل “زاروب” بدل “زُقاق”، و “مِسْبَحة” بدل “سُبْحة”، و”مَحْشي”- الأكلة المعروفة-  بدل “مَحْشُو”، و”عنتر” بدل “عنترة”، و”مَشْلول” بدل “أشَلّ”. ويحق له أن يختار من مُفْرَدَات الفُصْحَى ما هو أقرب إلى (العامّيَّة) وأكثر شيوعًا؛ مثل: “شُبَّاك” بدل “نافذة”، و”رَكَضَ” بدَلَ “عَدَا”، و”مَشْغُول” بدَلَ “مُنْشَغِل”، و”كِتْف” بدَلَ “كَتِف”، و”شَطّ” بدل “شاطِئ”[3].

وقد استعملت رُوزْ غرَيِّبْ العامّيَّة أو الأجنبية الَّتي يستخدمها العامَّةُ في قصصها وحكاياتها في العينة مثل:  كلمة “البوليس” الفرنسيَّة الَّتي يستخدمُها العامَّةُ مرَّتين في حِكَايَة (كِبّي الدِّبْس والطّحينة) وكان يمكن أن تستبدلَ بها كلمة “الشّرطة”، واستعملَتْ كلمة “دوا” بدل “دواء”  في مناداة الطّبيبِ المغربي: “دوا للمريض، دوا للحبل، دوا للَّذين ليس لهم أولاد…”، وقد اضطرَّتْ لاستخدامِ الكَلِمَة حفاظًا على إيقاعِ نداء الطّبيبِ الجوَّال ولتقرِّبَ الطِّفْل من جوِّ الحِكَايَة. كما استعملَتْ لفظةَ “الشُّباكِ” الفصيحةَ الَّتي يستَخدمها العامَّةُ والأَطْفَالُ عادةً، وعرَّفَتْ نبات الآس بـ”الحنبلاس”…وذلك في حِكَايَة (الرّيحانة).

وفي حِكَايَة (العَجُوز والذِّئْب)، استعملَتِ القاصَّةُ جُمَلًا وكلماتٍ فصيحةً؛ مثل:” شفقت عليه”، “يلزق”، سطل حليب”، “طيب”،
“الكُوز”، “تقوقي”…. واستخدمَتِ العبارة الَّتي تنتهي بها الحكايات عادة: “حكايتي حكيتها، في عبّك خبيتها”،  واللَّفْظة الأخيرة عاميَّة فصيحها: خبأتها.

واستخدمَتْ نازك سابا يارد العامّيَّة في (في ظل القلعة) و(بعيدًا عن ظل القلعة)؛ نحو: “معليش، وذراعها مجبصنة، والشاكوش، ومش محرزة، ويلا، والتَّرويقة، ويا عيب الشُّوم، والأوادم…”.

كما استخدمَتْ إِمِلِي نَصْر الله العامّيَّة في (أندا الخوتا) و(أين تذهب أندا؟)؛ نحو: “الخوتا، طراحة، ترندح، وين، شرواله الدّيما…”.

وقدمَتْ رُوزْ غرَيِّبْ النّثر ممزوجًا بالشّعر الشَّعْبِيّ في قِصَّة (الشِّتاء والجدة)؛ فأوردت نشيدَ موكبِ أم الغيْث[4]، بالإضافة إلى زجَل شعبي ّكانت الجدَّةُ تردده في ساعاتِ وحدتِها[5]، وكلاهما بالعامّيَّة.  كذلك قدم إلياس زغيب الكثير من الشِّعرِ العامي في رواية (الظَّرِيف ملكو)، وهي أشعار طفولية بيئية هادفة تكمل النص النَّثْرِيّ وتثريه. وأوردت نازك سابا يارد أغنية عامية في (بعيدًا عن ظل  القلعة)[6]. أما ربيعة أبي فاضل، فقد أورد الكثير من الأغاني والأَشْعَار العامّيَّة في (رحلة الوروار)[7]. وقد أوردت مي منصور أغنية ميجانا للوطن في (معمودية الغربة)[8]، ما أدخل هذه القصص في الجوِّ اللُّبْنانيّ المحليِّ.

واقترض[9] سماح إدريس عن قصد ألفاظًا عامية من أصول تركية ويونانية وفارسية في قصصه السِّتِّ الَّتي يلعب الصَّبِي (أسامة)  دور البطولة فيها. وقد أشار هو إليها محيلًا استخدامَه لها على اكتشافه طواعية اللُّغَة العَرَبية وذلك بعد عشرين عامًا من الإسهام في تأليف أضخم مُعْجَم عربي- عربي حديث (يصدر في غضون أعوام)، إذ ظهر أمامه تزمت بعض اللُّغَوِيّين الّذين تعاملوا معها بوصفها كائنًا محنطًا معزولًا عن الحياة اليَوْمِيّة والتَّأثيرات الخارجية[10].

وهذه الأَلْفَاظ هي: لفظة “المَصَاري”: جمع “مِصْرِيَّة” وهي نقودٌ أدخلها إبراهيم باشا وتطلق اليوم على النُّقود عامة، ولفظة “الكنباية”، أو “الكنبة” وهي الأريكة الَّتي تتسع لعدة أشخاص، وجاءت من اليونانية؛ ومعناها: السَّرير المزوَّد بشبكة تبعد البرغش[11]؛ ويستخدم لفظة “شنطة” الترُّكية، ولفظة “أبوسك” الفارسية[12]؛ ويستخدم لفظتي: “طابة” و”الكُندرة” الترُّكيتين[13]،  وكلمة “تخت” الفارسية بمعنى السرير[14] .

ويمكن استخدام ألفاظ لا يمكن أن تعرَّب أو تُستبدل، كلفظة (باربي) في قِصَّة (القبعة العنيدة) لألكسندرا باسيل عواد، اللّعبة الَّتي تحبها الصَّغيرات والَّتي لا يمكن أن تُستبدلَ بها دمية أُخْرى مثلاً، نظرًا إلى ما تحمله (باربي) من ميزات لا تحملها دمية أُخْرى؛ وكألفاظ: همبرغر، وبونبون، وشوكولا في قِصَّة (أم جديدة) لسماح إدريس.

على أنه من غير المقبول أن يستخدم القاص الأَلْفَاظ الأجنبية مكتوبة بالعَرَبي في الوقت الّذي يمكن أن تعرَّب فيه، كما فعل سماح إدريس في قِصَّة (المَوْزَة) حين قال على لسان أسامة: “بليز، أغلقا الباب وراءكما!”، وكما في (قِصَّة الكوسى) إذ وردت كلمتا: “أوكي”، و”باي” اللَّتين كان يمكن أن يُستبدل بهما: “حسَنًا، و”إلى اللِّقاء”، وقد وردت لفظة “باي” في قِصَّة (الكل مَشْغُول) أيضًا ووردت معها لفظة “سوري!”.

ولكن من الممكن أن يورد القاصُّ جملة كُتبت بالإنكليزية لتدل على الثَّقافة المختلطة في بيئة ما، كما فعل سماح إدريس في قِصَّة (الملجأ)، حين صرخت ثريا فرحة بأكياس الشوُّكولا والملبن والمرصبان: “الله! This is Heaven. عَنْ جَد  Heaven”. 

واستخدم رشاد دارغوث الفرنسية مكتوبة بالعَرَبية في قِصَّة (القلوب الكبيرة)، وهي: “كوم سي كوم سا[15]”. كما استخدم لفظة “بيجاما[16]” في قِصَّة (يوم عاد أبي).

ويمكن اسْتِعْمَال العبارات العامّيَّة إذا اقتضى الأمر، كما في حال اسْتِعْمَال مثل عامي لا يمكن أن يحول إلى الفُصْحَى، كما في (رحلة الوروار) لربيعة أبي فاضل؛ نحو:

“الأرض السَّايبة بتعلم النَّاس الحرام”، و”الما بتتعب عليه الأيادي ما بتحزن عليه القلوب”، و”راح النَّاس يبحثون بالفتيلة والسّراج”، و”نيَّال اللِّي مات وما شاف”، و”الله يرحم اللِّي ورَّتْ”. وكما في (اسْمَعْ يا رِضَا) لأنيس فريحة، نحو: “فلاح مكفي سلطان مخفي”، و”اضرب سيف بتتأمَّرْ، أطعم خبز بتتْمَشْيَخ”، و”نشرَ عرضه على صنوبر بيروت”….

 كذلك يمكن إيراد عبارة عاميَّة متداولة كالَّتي أوردتها ألكسندرا باسيل عواد في (القصر الحلم) عبارات الباعة المتجولين في الحي الشَّعْبِيّ الّذي يقيم به زاهي بطل القِصَّة، وكان  من غير الممكن أن تستبدل بها عبارات فصيحة، ومنها: “طازة يا فستق، طيب يا فستق”، “عالسِّكين يا بِطيخ”…

وأوردت إِدْفيكْ جريديني شَيْبُوبْ ألفاظًا وعبارات وجملًا عامية أيضًا في رواية (الطّبيب الصَّغير) دون  أن تسيء إلى النَّصِّ، ومنها: “محشي ورق الدَّوالي [محشو]، التَّبولة، الصّفوف بدبس،  العروس (سندويش)، فسطان، وغيرها…”. وإلى الكَلِمَات الموحية، استخدمت القاصَّة العِبارات القروية بصيغتها العامّيَّة ما أعطى للرِّوَاية حيويَّة لم يكن من الممكن أن تعطيها  العِبارة بالفُصْحَى؛ مثل: “ما كان لازم تكلِّفْ خاطرك يا بو  نبيل”، و”يا مية أهلًا وسهلًا بالجيران. شو ها الصّدفة الحلوة؟ كيف جرى خطرنا ببالكم؟”، و”دايمًا بالبال يا أم خليل”، و”العافية تجيكِ”، و”اسْم الله حَوْل منى يا أم فؤاد، فسطانها أطول من فسطان ندى”…

واستخدم منير عشقوتي عبارتي: “تفشّ خلقها” و”طَوّلي بالك” في قِصَّة (الهرة الشقراء). كما استخدم عبارات: “بلاط البيت يتقبَّع يا رجّال” و”لشو بعدك مخلّيها، راح تزيح البيت”، و”يلا! شدوا يا شباب” في قِصَّة (شجرة الدَّار)، و: “يا مقصوف الرَّقْبِة” و”لا تواخذوني” و”يا تعتيري يا دِلِّي”، و”الحلوينة”… في قِصَّة (الدِّيك المغرور)، و: “شو” و”بكرا راح ينتهي الفيلم” و”ما سمعْتْ ولا قشعْتْ”، و”بكرا بفرجيك” في قِصَّة (حربوق).

ويستخدم بعض الكتّاب العامّيَّة في الحوار، كما في قِصَّة (وباضت الدَّجاجَة) لأنطوان مسعود، إذ استخدم القاص عبارات: “عطيني شي لحسة كخيي”، و”خيي إبراهيم، قول للحاج بيعطيك بدون مصاري، روح، ما تخاف”، و”روح ولا! مافيش بوظة ببلاش. عند أمّك دجاجات تبيض بيضًا بصفارين. تِبْقَى جِيب معك بيضة أو بيضتين، بَعْطِيك بوظة قد ما بدك…”. والعامّيَّة هنا أيضًا تقرِّبُ الطِّفْل من جوِّ القريَةِ اللُّبْنانيّة.

كذلك استخدم جُبْران مَسْعُود العامّيَّة في حوار قِصَّة (جدتي): “في الجزدان قروش، مش هيك؟هودي المصريَّات خبَّيْتْهن من زمانروح عني ولا! بطَّلْت حبَّك معليش كَابني روِّقْ بالكما فيش ولا طلْعَة إلا قبالها نزلة”.

واستخدم ميخائيل صوايا العامّيَّة في حوار (طالب علم في العشرينات)، نحو: “ما هيك يا مخول؟مدّْهَا يا مَضروب، مدّْها أنا بعرف الكراسة كلها كَرْج يا معلمتي/ اتفقنارح ندرس سواطيلعيه على صف المدارج… “.

واستخدم أنيس فريحة العامّيَّة في (اسْمَعْ يا رِضَا) ألفاظًا وعبارات وحوارًا وأمثالًا، كما استخدم سماح إدريس العامّيَّة كلفظة “قُجة” بمعنى حصالة نقود، ولفظة “انبسط” بمعنى فرحَ، وأصلها من “انبسطت أسارير وجهه”[الكل مشغول]، واستخدم لفظة “وشوشتني” العامّيَّة وأصلها بالفُصْحَى: وسوستني[تحت السَّرير]،  واستخدم الكوسى: واحدتها كوساة، وفي العامّيَّة “كوساية” وجمعها “كوسايات”، و”زهقانة” من زهَقَ الشيءُ؛ أي: اضمحلّ أو هلك، وفي الاستخدام الحديث: ضجرة. كما استخدم “كمشتكِ”؛ أي: قبضت عليك؛ وأصلها من “أكمش بِناقته، أي شد ضرعها”، أو من “تكمّش الشيء” أي انقبض. واستخدم “نقزَتْ”: والمعنى الأصْلي يفيد الوثب، والاستخدام الحديث يفيد الإجفال دهشة. كما استخدم لفظة “انفزر”: انشق وتقطّع، وقد تفيد الدُّنو من الانفجارِ[قصة الكوسى].

ويستخدم لفظة “مَهْضُوم”: من “هضمت المعدة الطَّعام”؛ أي: أحالته على صورة صالحة للغذاء، وهي اليوم استعارة لمن تحبه ولا تستثقل حضوره. ويستخدم: لفظة “مَلْعُون”، وهي صفة تطلق تحبّبًا على الذَّكي، ولفظة “دحشَ”: أصلها “دحسَ”، أي دسّ الشَّيْء وأدخله في مكان ضيق، ولفظة “الزّبالة” بمعنى القمامة[الموزة]. 

وللعاميَّةِ وظيفة دلاليَّةٌ مهمة في القِصَّة، كما في قِصَّة (الملجأ) لسماح إدريس، إذ لم يُرد القاصُّ أن يشير إلى هويَّةِ جاره الدّيبلوماسي العَرَبي الّذي كان يهرب مع عائلته إلى الملجإِ؛ لكنه فعل حين أشار إلى قول ابنته الشَّابة ثريا: “مخدرات إيه وبتاعْ إيه! لا تكن أهبل، افتح فمك”. وكان القاصُّ قد استخدمَ عبارات عاميَّة لبنانية تدل على نظرة النَّاس إلى الحَرْب، فيصفها أحد رواد الملجإِ بأنها “مجرد تنقيرة”، مخفِّفًا من الذُّعْر الّذي يعم الجميع، مردفًا بالعامّيَّة: “الدُّنيا لسه بخير”. كما استخدم القاص كلمة “تدربَكْنَا على الدَّرج” ليدل على كيفية النُّزول. 

ويُسْتَحْسَن، في عبارات الزَّجَل [شعْرٌ مَنْظومٌ بالعامِّيّةِ، وجمعُهُ: أَزجالٌ][17]، الَّتي تتخلَّل الحكايات الفولكلورية “أن تبقى على لفظِها؛ لأن نقلها إلى الفُصْحَى يفقِدُها لونها المحلي ويبطل إيقاعها؛ فلو استبدلنا قول العنزة في حِكَايَة (العنزة وأولادها) الشَّعْبِيّة الشَّهيرة:

“الحشيش بقرَيْنَاتي والحَطَب عَ ظُهيراتي والحليب بثديّاتي” بالقول: “الحشيش في قروني، والحطَبَ على ظهري، والحليب في أثدائي”،  لضاع التَّأثير النَّاشِئ من السَّجْع والإيقاع” [18].

حلُّ مشكلةِ الثُّنَائِيَّة

بعد إيراد الأمثلة السَّابِقة، وبعد الاعتراف بأهمية  استخدام العامّيَّة عند الضّرورة، فإن مشكلة الثُّنَائِيَّة في اللُّغَة العَرَبية يمكن أن تحل بـ:

(أ) الارتفاع بالعامّيَّة- في المجالات الَّتي يُسمح فيها باسْتِعْمَالها- حتى تقترب من العَرَبية.

(ب) اسْتِعْمَال العَرَبية السّهلة خاصة في المراحل الأولى، فـ “السّهل الممتنع هو قمة البلاغة الَّتي هي في مطابقة الكلام مقتضى الحال. ولكل مقام مقال، والبراعة هنا أن نقدم إلى الأَطْفَال ما يستطيعون فهمه في سهولة و يسر، وأن نقرِّبَ إليهم العَرَبية بكل وسيلة ممكنة، وألا نصرّ على اسْتِعْمَال ألفاظ عربيَّة معيَّنة، ما دمنا نجد في اللُّغَة ألفاظًا تؤدِّي المعنى نفسه، وتكون أقرب إلى ما يستعمله الأَطْفَال في كلامِهِم العادي[19]”؛ أو، بعبارة أُخْرى: اسْتِعْمَال (الفُصْحَى المخفَّفَة)، أي “البعيدة عن الإغراب والتَّعقيد، الخالية من الأَلْفَاظ والصِّيَغِ الشَّاذة أو النَّادرة أو الَّتي لا تتناسب وحياةَ الإنسان الحاضر عامة، اللُّغَة الَّتي تجسِّدُ روحَ العصْر وحاجات الفرد وتُساير متطلبات الحياة وتعكس تطوراتها في جوانبِها ومجالاتها المختلفة، مِن دون أن تقطع أية صِلة بتراث الأمَّةِ الفكري والحضاريِّ أو بفئاتِ هذه الأمَّة وطوائفها [20]”، وهو ما يقرِّب اللُّغَة إلى الطِّفْل في مراحل طفولته الأولى.

(ت) الإبقاء على ما لا يمكن أن يرِد بالفُصْحَى على ما هو من العامّيَّةِ، مع ما يعنيه من دلالاتٍ قد تؤثِّر على النَّصِّ إن اسْتُبْدِلت: [زجل، أغان عامية، عبارات عامية تدل على البيئة، أمثال، أدب شعبي…].

(ث) الإبقاء على الأَلْفَاظ الأجنبية الَّتي لا يمكن أن تُعَرَّبَ وإلا فقدَت معناها الأساس.

(ج) وربما يعد من المداخل السّهلة المثمرة لتهذيب التَّعْبير والتَّحَوُّل من العامّيَّة إلى الفُصْحَى على نحو متدرِّج، ما اقترحه عبد القادر المغربي جوابًا عن سؤال رئاسة المعارف في الشَّام عن أقربِ الطّرق إلى نَشْرِ الفُصْحَى، وهو:

“أن تطرح بدائل فُصْحَى للعبارات النَّمَطية العامّيَّة الَّتي يكثر تواترها في الكلام، كما في: (ليش، بعدين، زي، بدي، كمان ..)”. وهذا يتفق مع ما اقترحه الدكتور محمد كامل حسين في حديثه عن (المنهج المقترح لتعليم اللُّغَة العَرَبية) من تنقيح للغة التَّلاميذ العامّيَّة وتنقيتها من الشَّوائِب وتعديل صيغها وتراكيبها اللَّفْظية وأساليبها على نحو مبسَّط ميسَّر لتتلاءَم والفُصْحَى وتنسجمَ.

 كذلك التَّنْبيه على الأَلْفَاظ الفصيحة المستخدمة في العامّيَّة والأَلْفَاظ الَّتي طرأ عليها بعض التحريف، والموازنة بين الأَلْفَاظ العامّيَّة المصحفة وبين أصولها الصَّحِيحة من اللُّغَة الفُصْحَى. وفي العَرَبية الكثير من هذه الأَلْفَاظ العامّيَّة الَّتي لها أصول فُصْحَى[21]، وهذا كله لا يتعارض مع الإبقاء على بعض الأَلْفَاظ العامّيَّة وخاصة حين تكون الحِكَايَة شعبية، كما اقترحت رُوزْ غرَيِّبْ.

مراجع

[1] – إميل يعقوب (وغيره): قاموس المُصْطَلَحات اللُّغَوِيّة، ص 81.

[2] – إميل يعقوب (وغيره): قاموس المُصْطَلَحات اللُّغَوِيّة، ص 293.

[3] – رُوزْ غرَيِّبْ: تمهيد مجموعة قصص عالمية للأولاد. قصص من الحياة 2 ، ص4.

[4] – يقول النَّشيد: “أم الغيث وغيثينا / شتّي في حقالينا/ شتّي في حقالي الزرع / ليكبر وينشينا”.

[5] – يَرحم عيون رحمِه شو كانت صابره/ قَصَّت شعور العزِّ من فوق راسها / وباعتْهُ للنَّاس برغيفينْ درَه/ وباعتْهُ للنَّاس برغيفين شَعير/ كلو على شان بَلْوتَكْ أيوبي.

[6] – نازك سابا يارد: بعيدًا عن ظل القلعة، ص 155.

[7] – ربيعة أبي فاضل: رحلة الوروار، ص 6، 17، 22، 30، 38، 79، 115.

[8] – مي منصور: معمودية الغربة، ص 53.

[9] – الاقتراض اللُّغَوِيّ: هو استعارة كلمة من لغة أجنبية بلفظها ومعناها كلفظ (تيليفون) الدَّخيل، أو بعد التَّغيير فيها بالزِّيادة أو الحَذْف أو القلب كلفظ (ساذج) معرب (ساده) بالفارسية. وقد يعقب الاستعارة الاشتقاق والتَّوليد كلفظ (ديوان) الذي اشتق منه (دون) ثم (تدوين) وكالمصدر الفارسي (زركشيدن) أي: (الرَّسم بالذَّهَب) الي حوله العَرَب إلى زركشة ثم اشتقوا منه (زركش) بمعنى زين وزخرف. [مجدي وهبة: مُعْجَم مُصْطَلَحات الأدب، ص 609 – 610].

[10]  – سماح إدريس: الكل مشغول، المقدمة.

[11]  – سماح إدريس: الكل مشغول.

[12]  – سماح إدريس: تحت السرير.

[13] – سماح إدريس: البنت الشقراء.

[14] – سماح إدريس: الموزة.

[15] –  comme çi comme ça.

[16]-  pyjama.

[17] – شعر منظوم بالعامية، له قافية ووزن وأصول، لكنه لا يراعي قوانين الصّرف والنَّحو، وهو الآن منتشر انتشارًا كبيرًا في البلدان العَرَبية وخاصة في لبنان” [إميل يعقوب (وغيره): قاموس المُصْطَلَحات اللُّغَوِيّة، ص 222].

[18] – رُوزْ غرَيِّبْ: تمهيد مجموعة قصص عالمية للأولاد، قصص من الحياة 2، ص4.

[19] – أحمد نجيب: فن الكِتَابَة للأَطْفَالِ، ص 44- 45.

[20] – أحمد محمد المعتوق: الحصيلة اللُّغَوِيّة، ص 169.

[21] – أحمد محمد المعتوق: الحصيلة اللُّغَوِيّة، ص 170- 171.