أحمد النحاس
أحمد النحاس

د

علة التغيير واكتمال العلاج!


الركود

تمرُ الساعات ولا شيء يتغير، ما كان بالأمسِ سلفاً قديماً صار واقعاً ابن اليوم وغالباً سيظل حفيدَ الغدِ بعد عاصفٍ أصاب النفس وأحدث بها أملاً في التغيير.

لم تعلم النفس بأن التغيير ليس حدثاً خارجياً، وإنما فيضاً ينبعُ من داخلها إن كانت حقاً تريد ذاك الفيض. فمن يَذُق هلاكَ المللِ والسأمِ لابد بأن يتضرع لذاتِه راجياً البُعد والوحدة والغياب عن ناظري مسببي السأم. فيَحِل عليها بركاناً مدمراً لما تبقى من أنقاضِ زلزال السأم يُحدِث الغليان الذي يسبق الخُمود، وهو الحال الذي تظل عليه النفس ليالٍ طوال لا تأمل في هذه الحياة سوى التغيير حفيدُ الغدِ.

هل تعلم يا من تَقطُن النفسُ داخلك، أن سنةَ الحياةِ هي التغيير وأن كل ما يسبح في هذا الملكوتِ لا يملكُ صفة الثبات وإنما سِمَتُه التغيير إلا نَفسُك. تَمَلكهَا الثبات واحتل ضواحيها الخمول كفيروسٍ انتشر في الأجواءِ التي تهواها فلا تُبصر نَفسُك سواه.

ما الحل ؟ وما هي آلية التخلص من هذا الشعور ؟ وهل سيبقى رفيقاً طويلَ الأمدِ ؟ والأهم، ما هو فتيل هذا الإحساس ؟

ضوء يلمع في نهاية الممر

بدايةً، لا تقلق يا صديقي فهي حالةٌ عامة تُصيب العديد من البشر، وكذلكَ هناك العديد تخلصوا منها دون رجعة، فها هي وصفَتهُم للسيرِ على خطاهم. باديء الأمرِ لابد أن تعرف ما الذي يُسَبب لك المتعة والسعادة، فعادةً ما يجد البشر متعةً كبيرةً بالاحتكاكِ مع غيرهم ومشارَكتِهم الأنشطة المختلفة مهما صَغُرَت، وربما يستمتع الفردُ بالبحثِ عن المعرفة بصورةٍ متجددةٍ، فالتفاعل والاحتكاك مع كلِ ما يدور حولَنا وسِمَتِه التغير الدائم يُصيبُنا بهذه العدوى، فتبدأ الحركة والتطور النفسي والفكري نحو معرفةِ المزيد فتصيبنا لهفةُ الفضول كالطفلِ يتحسسُ الأشياءَ لمعرفتها.

لكن ليست تلك الخطوة هي البداية، وإنما الخطوةُ الأولى نحو معرفةِ أسباب السعادة هي الرغبةُ الحقيقية في التغيير، ليس فقط نفسياً وإنما بمدلولٍ ملموس. نشاطٌ تُدَاوم على فِعله بصورةٍ نمطيةٍ، هوايةٌ تُساعدك على كسرِ تلك الرتابةِ التي تحتلُ يومُك، مُحادثة أحد الأشخاص بصورةٍ دوريةٍ ليُساعدك على معرفةِ الجديد والمزيد وتغيير نمط الروتين اليومي. المهمُ هُنا هو “الفِعل” ، لابد من وجود فِعلٍ يَدُل على الرغبةِ في إحداث هذا التغيير وإثباتاً للعزيمة على قلبِ الأمور.

الالتزام مُفتاحُه الإرادة، وإن كنتَ تُريد فلابد أن تفعل. ما الفائدة من استمرار الثرثرةِ بأنك تُريد وتنتظرُ تغيير الحالِ الذي هُنا هو مُحال دون فِعل !!… والفِعلُ خطوةٌ تزدادُ تأثيرُها بازديادِ عَدَدِها، فكُلمَا زادت خطواتُك في الفِعل اقتربتَ أكثر من تحقيقِ ما تُريد وهو التغيير.

ما نَعلمهُ يقيناً أن الاستمرار في الفِعل على نمطٍ متماثلِ يخلقُ الروتين الذي هو فتيلُ المللِ، لكن ما رأيُك بأن تجعل هذا الفتيل هو ما يَقضِي على المللِ ؟! ،، نعم، صانعُ المشكلةِ هو من يُخمِدها، بأن تعتادَ فِعلَ ما تُحب، وتُصورَه نشاطاً تُمارسُه بصورةٍ دوريةٍ، حتى إذا اقتربتَ حدَ الروتين أضَفتَ له ما يُعيدُ بَريقَه ويُجدد شغفَ ممارسته مرةً أخرى، حتى تعتاد إثارته ويُصيبَك إدمان المتعةِ الناتجةِ، عنه فتعتاد التجديد بالنشاط وطريقة ممارسته لتتجدد لك المتعة بل وتزداد جُرعَتَها.

بالفهم نصل

تعالا يا صديقي نَتحد ونُحاول تبسيطَ تلك الفكرة معاً، لنفترض بأنك تعشقَ ألعاب الفيديو وتَقضي عليها عديدَ الوقتِ، لذا اجعلها عادة وحافظ على ممارستها. فإذا أصابَك الفتورُ نحوها حاول أن تختارَ مكاناً أخر لممارسَتِها غير الذي اعتدت عليه، ليتجدد لك شغف النشاط. ومن ثم حاول تَجربة لعبة جديدة أو نمط جديد بنفس اللعبة، وهكذا حتى تُصبح جزءاً من حياتك. هذا لا يعني بأنها مضيعة للوقت وإنما وسيلةٌ قد تساعدك على تخطي فيروسٍ يَقضي عليكَ دونَ أن يَقطعَ أنفَاسُك.

حاولتُ بهذا المثالِ تقريبَ الفكرةِ، وربما قد تَجدُ مثالاً أيسر لأنك بالتأكيد تعشق نشاطاً قد يَختلفُ عن هذا المثال. وكذلك أعلمُ يقيناً بصعوبةِ التَلَقي عن بُعد، فالحديثُ والحروفُ دائماً يسيرةٌ مقارنةً بالفعلِ ذاتُه، لكنها على الأقل خطوةٌ نحو التغلبِ على هذا الإحساس، وربما يُكسبك القدرةَ على التغلبِ على كل ما يُحيط بك من مظاهرٍ سلبيةٍ تُؤثرُ على حياتِك. لكن صدقاً ” إبدأ ” وستجدُ الطريق.