هدير عبدالملك
هدير عبدالملك

د

أشياء لا يقتلها الرصاص!

هل هناك أشياء حقًا لا يقتلها الرصاص؟
ما تلك الأشياء.. أكائنات خرافية من الفضاء أم أمم من تحت الأرض لا تؤثر فيها اختراعاتنا.
في الحقيقة لا هذا ولا تلك… إنها فقط مجرد أفكار!
حقًا إنها مجرد أفكار فقط لكنها عاشت واستقرت في أذهان المجتمع على الرغم من المحاولات المستميتة لأعدائها أنذاك -وربما الآن- لقتلها، لكن دعوني أقول أن الحق لا يموت، ولأنها أفكار مبنية على الحق لأنها لم تسئ لأحد -إلا أصحاب السلطة أنذاك- و لم تجر على حق أحد -على العكس أنصفت الناس- لم تمت.
العالم غالباً يتذكر مَن صنع الخير ولا يتذكر مَن صنع الشر.. مَن كان في قلبه حاقدًا حاسدًا ناقمًا على عالمه، وإن تذكره فإن اللعنات تنصب عليه من أفواه لم تراه أصحابها قط.
ربما الطاولة كانت لهم في وقتها، لم يكن أحد يستطيع أن يقول لهم أنتم على خطأ، بل على العكس أنهم كانوا آلهة عمرهم يمجدهم الكبير قبل الصغير، الصالح  -من يدعي ذلك طبعًا- قبل الطالح، كل شيء ملكهم إلا واحدًا فقط هو الله، الذي قدر لتلك الأفكار أن تُنصف وتحيا ولهؤلاء الطغاة أن يخسف بهم الأرض.

هذا هو جوهر كتاب للعبقري محمود عوض بعنوان《أفكار ضد الرصاص》يستعرض كتابنا هنا أربعة كتب كثر حولهم اللغط وأثيرت حولهم الظنون والمشاكل، وتدخلت السياسة لتصنع أفعالها ضد أي شيء لا تريده.
واشترك المؤلفون الأربعة -على الرغم من اختلاف مؤلفاتهم ما بين السياسة والأدب ومحاربة التقاليد البالية في أنهم أصبحوا في نظر المجتمع كفار، ملحدين، لابد من إعدامهم لكي يعود الاستقرار إلى المجتمع.

وهذه المؤلفات على النحو التالي..
تحرير المرأة لقاسم أمين

والذي حارب فيه الخرافات المتعلقة بالمرأة وعدم تعليمها وسطوة الرجل عليها كالطفل وأيضًا قضية الحجاب – المثيرة للجدل – وهو كان في هذا العصر عبارة عن خيمة سوداء تتحرك فيها المرأة على الأرض.
وبين المؤلف أن الفحشاء والرذيلة كانت منتشرة في ذلك العصر، وأن كل القيود التي كان يفرضها المجتمع على المرأة لم تمنع – بل على العكس – من تفشي الخبائث داخل المجتمع المصري.
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبدالرحمن الكواكبي
وهو شيخ علامه سوري اُضطهد بسبب معاداته للسلطان – عبدالحميد الثاني – و الوالي، ففر من الشام إلى مصر ونشر كتابه الذي عرف فيه معنى الاستبداد وصفات الحكومة المستبدة، و فرق بين النظرة إلى الله والنظرة إلى الحاكم، فالحاكم ليس ظل الله على الأرض – كما كان يُعتقد – لأنه فرد يخطئ ويصيب وله مطامعه الدنيوية.
وانتهى أمر هذا الكاتب بدس السم له من قبل السلطان ليموت جسدًا فقط، و قد وجدوا في أوراقه أنه كان يعمل على مؤلف جديد اسمه《العظمة لله》يا ليت الناس تدرك!
وكتابنا الثالث هو الإسلام وأصول الحكم بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام للشيخ علي عبدالرازق

أحد أبناء المنصورة وقاضي بها، ملخص هذا الكتاب و مفاداه “إن الخلافة في الإسلام لم ترتكز إلا على أساس القوة الرهيبة و إن تلك القوة كانت – إلا في النادر – قوة مادية مسلحة” بل إن الكاتب يفجر رأيه قائلًا: “ليس بنا من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا و لو شئنا لقلنا أكثر من ذلك فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام و على المسلمين”.
بالطبع فكل الاستعمار في العصر الحديث وقع تحت الخلافة المزعومة، بل إن هذه الخلافة و ما قبلها من دول – مماليك و أيوبيين وغيرهم – كانت خلافة قائمة على السيوف و الرماح و ليست على الأسس السليمة من البيعة و الشورى.
وفي فترة الكتاب عام ١٩٢٧م في وقت كان يريد فيه الماك فؤاد أن يصبح سلطانًا بعد سقوط الخلافة في تركيا، فقد هوجم الكتاب باعتباره إلحاد و كفر.
و عندما تغير الحال و أرادت إحدى دور النشر أن تطبع الكتاب مرة أخرى عام ١٩٦٦م رفض الشيخ بعدما لقى من أذى و ضرر من فصل و طرد و سحب لشهادة العالمية.
ونختم هنا بمؤلف طه حسين في الشعر الجاهلي

هذا قبل أن يتم حذف فصل من الكتاب و وضع فصول أخرى ليصبح اسمه في الأدب الجاهلي و جريمة طه حسين هنا هو أن كل ما قاله “إن الكثرة المطلقة مما نسميه أدبًا جاهليًا ليست من الجاهلية في شئ، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهلين. ولا أكاد أشك في أن ما بقى من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جدًا ولا يمثل شيئًا ولا يدل على شئ ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي”.
هذا هو جوهر النظرية التي تحتمل الصواب أو الخطأ ولكن الحرب اشتعلت ضده لست سنوات كاملة، فُصل خلالها طه حسين من عمادة كلية الآداب ثم من وزارة المعارف وأي عمل حكومي ليصبح لا يملك مليمًا ولا قرشًا واحدًا.
وعندما سأله مؤلف كتابنا سؤال بسيط هو هل تغير شئ ؟!
“وتمتم طه حسين بأسف كثير و خيبة بالغة: لم يتغير شيئًا كثيرًا… حتى هذه الإجابة، كانت مجاملة من طه حسين ! “
ولكن على الرغم من كل ما حدث لكتابنا الأربعة فإن أفكارهم و رؤيتهم قد سادت. فمن حاول تكميم أفواههم عاقبه الدهر بالنسيان إلى الأبد، فلا أحد يتذكر من رئيس الوزراء الذي فصل طه حسين من وزارة المعارف – حسين ثدقي باشا – ولكن نتذكر عميد الأدب بكل ما قدمه من خدمات جليلة للأدب و للجامعة المصرية.
وهكذا فقد انتصر الصوت الحر وإن كممته أيادي الشر، ليُسمع صدى صوته في كل الدنيا.