فادي عمروش
فادي عمروش

د

دوِّن ما أنت ممتنٌّ له لحياة أفضل!

يكتب كثير من الناس مذكَّراتهم بشكلٍ أو بآخر، وبمرحلةٍ عمريَّةٍ معيَّنةٍ، وسواء كان ذلك عبر الكتابة التقليدية في مفكِّرة المذكرات التي تُخفى عن الأعين، أو حديثاً عبر الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة. عادة ما يوثق الناس كلَّ شيءٍ بشكلٍ عام مع التركيز على الأمور السلبية التي حدثت معهم ليكون ذلك شكلاً من أشكال التنفيس، ولكن هل علينا التفكير بشكلٍ مختلفٍ وتوثيق الاشياء الجيدة عوضاً عن السلبية؟

تقترح الأدبيات الحديثة أن توثيق اللحظات الإيجابية يؤدِّي إلى حياة أفضل، وبدقَّة أكثر توثيق لحظات الامتنان في الحياة وما نحن ممتنُّون له حقَّاً، ويقترح علماء النفس فكرة مفكِّرة الامتنان، وهي أن يوثِّق الشخص لحظات الامتنان لديه كل يوم من خلال التأمل في نعمة الشكر وتقدير ما منحنا الله سبحانه من نِعَمٍ مهما كان نوع تلك الذكريات الجميلة مثل التي تجمع الإنسان بأصدقائه، ومشاعر الحب للآخرين، وتضحيات الأصدقاء، والمحطات المختلفة في حياة الإنسان الناجحة، وهواياته ومدى استمتاعه بها، كلها مظاهر للامتنان وتقدير لنعمة الرغبة في الشكر.

وفيما يلي استعراض لبعض الفوائد المختلفة لتوثيق لحظات الامتنان والشكر:

زيادة احترام الذات

وجدت دراسة نُشرت في عام 2014 أنَّ الامتنان يزيد من احترام الرياضيين لأنفسهم وبالتالي ازدياد معدَّل ثقتهم بقدراتهم ومهاراتهم، ممَّا يزبد من مقدار ثقتهم بالآخرين بسبب تراجع حدَّة المقارنات الاجتماعية، ويولِّد ما يتبع ذلك من غيرة أو حسد استياءً غير صحي في نفوسهم ربَّما يؤثِّر على صحتهم النفسية. 

يساعد الامتنان على النوم بشكلٍ أفضل

يحافظ النوم على سلامة دماغنا وأجسادنا، ويشكِّل فترةً ترميميَّةً يعيد خلالها جسمنا تنظيم خلاياه، وربَّما يؤدِّي تقليل ساعات النوم إلى انخفاضٍ كبيرٍ في الإنتاجية، إذ أفادت دراسة أجرتها مؤسسة راند أنَّ الحرمان من النوم يكلِّف الشركات الأمريكيَّة أكثر من 400 مليار دولار سنويَّاً من ناحية الإنتاجية المفقودة، أي أكثر من 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بينما تثبت الدراسات أنَّ دولاً أخرى مثل اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة خسرت أيضاً 1.5 إلى 3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب قلَّة النوم.

يزيد الامتنان من الصبر المالي

وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة نورث وسترن عام 2014  أن الأشخاص الذين عبَّروا عن امتنانهم تحلّوا بصبر ماليٍّ أعلى وميلٍ أكبر نحو الإرضاء المالي المتأخِّر، وأظهر مقال لهارفرد بيزنس ريفيو يصف النتائج أنَّ درجة الصبر  المالي لدى المشاركين كانت مرتبطةً بشكلٍ مباشر بمقدار شعورهم  بالامتنان.

يعزِّز الامتنان سلوكنا الصحي من ناحية النوم، إذ أظهرت عديدة دراسات أنَّ الحالة المزاجية الممتنَّة تساعد على النوم بشكلٍ أفضل ولمدَّة أطول. كان من نتائج هذه الدراسات أن الأشخاص الذين يحتفظون بدفتر الامتنان ينامون بمعدَّل 30 دقيقة إضافية كل ليلة، ويستيقظون وهم يشعرون أن لديهم طاقة أكبر، وكان من الأسهل لهم أن يبقوا مستيقظين أثناء النهار مقارنة بأولئك الذين لم يمارسوا عادة الامتنان.

يحسِّن الامتنان من عادات نومنا

 تشير الأبحاث إلى أنَّ الأشخاص الممتنين لديهم مشاعر أكثر إيجابية قبل النوم من ذويهم بينما تقل نسبة الأفكار السلبية والنقدية التي تسبِّب الأرق، كما يمكن أن يساعد قضاء 15 دقيقة فقط قبل النوم في تدوين التجارب الإيجابية وتذكير نفسك بالأمور الجيدة التي حصلت خلال اليوم، ممكن أن يساعد ذلك على الشعور بمشاعر إيجابية والنوم بشكل أفضل، كما ستقل مخاوفنا من السيناريوهات السلبية الناتجة عن التفكير في مستقبلنا، وبالتالي تصفية ذهنك للحصول على نومٍ جيِّدٍ ليلاً.

 يزيد من السعادة ويقلِّل من الإجهاد

أظهرت دراسة أنَّ الأشخاص الذين يدوِّنون  المواقف الجيِّدة التي حدثت لهم  سواء كانت مشاعر أو إنجازات أو تجارب جيِّدة استمتعوا بها وشعروا بسعادة أكبر، وتحسَّنت حياتهم بشكلٍ متزايدٍ، ويساعد إظهار الامتنان على تقدير قيمة الأشياء في حياتنا وبالتالي الاستمتاع بالتجارب الجديدة وبناء علاقات قوية ممَّا يضفي إيجابيَّة أكبر على مشاعرنا.

 يعتني الأشخاص الممتنُّون بأنفسهم بشكلٍ أفضل، ممَّا يعني أنهم  -على المدى الطويل- يعيشون حياة أكثر صحَّة، وبالتالي يكونون قادرين على إدارة الإجهاد بطريقةٍ صحيةٍ.  لقد وجد الباحثون أنَّ التركيز على الشعور بالرضا يخفض التوتر بشكلٍ طبيعيٍّ، ويعينك على الإمساك بزمام الأمور والسيطرة والتعامل بشكل أفضل مع أي شيء تواجهه في حياتك.

يقلِّل الامتنان من الاستحقاق المفرط

يعاني بعض الأشخاص من حالة تُعرف باسم الاستحقاق المفرط، يشعرون فيها أنَّهم يستحقُّون أكثر من غيرهم من سلعة معينة، تتجاوز ما يمكن اعتباره مناسباً. إنَّهم غير راضين بما يتلقُّونه، سواء كان ذلك في الراتب، أو الترقيات، أو المديح.

يتمثَّل الاستحقاق المفرط في العمل في ميل الأشخاص إلى الانخراط في سلوكيَّات عمل تؤدِّي إلى نتائج عكسيَّة، لإلحاق الضرر بالمنظَّمة أو بأعضائها ممَّا يجعل بيئة العمل سامَّةً وتشمل هذه السلوكيات السرقة، والعنف، والتخريب، والانسحاب وسوء الأداء المتعمَّد، والتهديد وما إلى ذلك.

يشكِّل الامتنان الترياق لمشكلة الاستحقاق، والجوانب الأخرى لثقافة مكان العمل السامة، إذ ينتج مستويات أعلى من المشاعر الإيجابية المفيدة في مكان العمل مثل الفرح والحماس والتفاؤل، ومستويات أقل من الدوافع المدمرة للحسد والاستياء والجشع والطمع.

علاوة على ذلك، أظهرت الأبحاث أجرتها مؤسسة ساج المختصة بعلم النفس الاجتماعي وعلم الشخصية أنَّ الامتنان مرتبط بمستويات أقل من السلوك العدواني. عندما يشعر الناس بالامتنان، تقلُّ احتمالية انزعاجهم وسخطهم بنحو 20-30٪ لأنَّهم أقل عرضة لتجرح مشاعرهم، وعندما تتأذَّى مشاعرهم، يكونوا أقل عرضة للرد العدائي.

ختاماً

يعدُّ الشعور بالامتنان مهارةً يمكن تطويرها، وكلُّ ما يتطلَّبه الأمر هو القليل من الممارسة اليومية، إذ يوضِّح عالم النفس والمحاضر في جامعة ديفيس روبرت إيمونز في مقابلة مباشرة  أنَّ الشعور بالامتنان هو خيارٌ يمكن أن نختاره ونعيش به حياتنا، وهو الطريقة التي نساعد بها أنفسنا على تخطّي الظروف الصعبة من خلال تدوين وتذكُّر الأشياء الجيدة والعودة إليها عندما نحتاج إلى المساعدة.

لا ينتهي الأثر الإيجابي للإنجاز لحظة انتهائه بل يمكن أن يستمر سنين عديدة ويؤثِّر بشكلٍ جيِّد على مزاجك ونظرتك من خلال تدوين الأشياء الجيدة التي أنجزتها وأدَّت إلى تغيير حياتك للأفضل، ثمَّ استذكارها مرَّة أخرى لتكون نوعاً من التحفيز الذاتي والإلهام المدفوع بقدرتك السابقة على الإنجاز، من مبدأ أنَّني استطعت أن أفعل سابقاً ما سا عد في تحسين حياتي الآن فلما لا أعيد الكرَّة مرة أخرى.

المصدر