أحمد مشرف
أحمد مشرف

د

السعادة: أن تنشغل بملعبك

لاعب كرة سلة موهوب، يعيش في حي فقير، هو وعائلته معدمين.

يتعرف عليه أحد سماسرة اللاعبين ليقنعه باللعب مع أحد الفرق المعروفة، يستجيب.. تبدأ الحياة بالابتسام له مع المقابلة الأولى التي سبقت توقيع العقد. يتعاقد معه النادي براتب سنوي يبلغ خمسمئة ألف دولار.

يا لهذا الكرم الإلهي، لن تتغير حياة هذا اللاعب فحسب، بل حياة  عائلته، بل حياة كل الحي ربما، هو بالكاد يحصل على قوت يومه، والآن يتقاضى قرابة العشر آلاف دولار أسبوعيًا.

يبدأ باللعب، يجتهد – كما هو متوقع منه – على أرضية الملعب. المباراة الأولى ممتازة، والثانية أيضًا، والثالثة أفضل وأفضل، وهكذا لعدة شهور، في تحسّن ملحوظ في الأداء.

سعيد بهذا التطور في الملعب، وبحياته، وسعيد أكثر بدخله المادي، حتى جاء ذلك اليوم الذي غيّر كل شيء.

علم بالصدفة أن زميله صانع اللعب (والأقل أداءً في نظره) يتقاضى راتبًا سنويًا وقدره خمسة ملايين دولار، عشرة أضعاف راتبه. بدأ يستنكر هذا الأمر، يزداد الغضب تدريجيًا، حتى انقلب على فريقه. فهو يشعر بظلم واضح؛ كيف له أن يتقاضى عُشر ما يتقاضاه زميله ذو الأداء الباهت، وهو الذي يقترب من إنهاء موسم ناجح بامتياز؟

تزداد حساسيته تجاه المدرب، وكابتن الفريق، لتصل إلى مدير النادي ثم إلى المالك الحالي له. تبدأ مشاعره السلبية بالتحول لكرة ثلجية ضخمة.

يخبر من حوله طيلة الوقت أنه مبخوس الجهد، وأن إدارة النادي أشخاص جشعين وأنانيين وهم متواطئين ضده مع زملاءه، أصبح هكذا بسرعة لا يحمل أي ولاء للمكان ولا الفريق، وسيبدأ قريبًا رحلة البحث عن فريق جديد يقدّره أكثر، ربما مع نهاية الموسم.

يحكي مورجان هوسل في كتابه «سيكلوجيا المال» قصة مشابهة (بتصرّف) لهذا اللاعب. لنكتشف أن زميله (ذو الأداء الأضعف) يحمل نفس هذه المشاعر تجاه كابتن الفريق الذي يتقاضى عشرة ملايين سنويًا، ويخبر الجميع أنه صانع اللعب النجم والأهم ويتقاضى نصف ما يتقاضاه هذا الكابتن كثير الإصابات.

ونكتشف أيضًا أن الكابتن كان ممتعضًا منذ مواسم من مدرب الفريق الذي يتقاضى راتبًا يقترب من عشرين مليون دولار سنويًا، في الوقت الذي يرى نفسه وزملائه حاملين الفريق على أكتافهم، وهم من يحرزون الأهداف ويحصدون الألقاب، وليست توجيهات المدرب.

هذا المدرب الذي قال نفس الشيء على مدير النادي الذي توازي حصته من الأرباح ضعفي راتبه السنوي، ونقول حصة الأرباح وليس الراتب. وهو الشخص الذي يشرف كل يوم على لاعبيه ومشاكلهم وهو الذي يحصد الألقاب ويقف على أداء كل واحد فيهم، ويتحمل مشاكلهم، والخسائر التي لا يملك أحيانًا القدرة على مواجهة الإعلام معها.

أما مدير النادي.. منذ سنوات وهو على خلاف كبير مع مالكه الذي يكاد لا يحضر إلى المكتب سوى لبضعة ساعات أسبوعيًا بسبب انشغاله بشركاته وأمواله التي لا تنتهي، وقد صرّح في أكثر من مناسبة أنه كمدير للنادي يستحق أن يُصنع له تمثالًا بسبب نجاحاته في إدارة النادي وعقوده، وخلف صفقات الدعاية التي لولاها لما استطاع مالك النادي الاستمتاع بإنجازات لم يحلم بها، خصوصًا بعد أن جلب أفضل النجوم على الساحة.

اكتشفنا أنهم كلهم غير سعيدين!

وعودة للنجم المُعدم، إن أزلنا «عامل الآخرين»، لكان الآن مستمتعًا بحياته، ولقد يستقر لعشر سنوات تالية دون منغصات. ودون الحاجة لمعرفة ما يحصل عليه الآخرون.

الجهل نعمة. عندما نقرر أن نتجاهل.

والحياة تصبح نعمة، عندما ننشغل بأنفسنا أكثر. ربما.