مدونات أراجيك
مدونات أراجيك

د

ألوان الخريف

أميرة يوسف البرادعي – مصر

شخوصٌ تتلون أمام أعيُننا كل يومٍ هُم في شأن، لا ندري أي شَأنٍ يُصرِحِ عن عقولِهم، صِراعٌ فصراعٌ فصراع يِكشِف عن أوجُهٍ عِدة لذاتِ الوجه، لا يدرون كم مِن نِفاقٍ يمارسونه، كم من ألمٍ نشعر به بعدما أصبح لهم مكانة في قلوبنا، إذ عرفناهم قبل ذاك الوقت.

حين كان لهم لوناً واحداً، كلونِ قطعة الماس في روّنَقِها فسرعان ما تجذبنا إليها، لا ندري آن ذاك سوا أنهم أبهرونا بنِقَائهم، فنجدُ الأيام تَمرُ على عجلةٍ من أمرها، فـتصبح قطعة الماس مجرد قطعة زجاجٍ تعكس أشعة الشمس الساقطة عليها، فإذا بها تَتُركُ روّنقاً لم يَنبعِثُ منها قابلاً للتلوين.

ليبدأ في خطواتِه الأولى باللون الأصفر، إذ يُعجِب رونقه كل مَن يراه، فسرعان ما يَهبِطُ عليه الكثير من المدح والإعجاب، و بل سرعان ما يتلقى إشاراتٌ بالإندهاش مذ طلته الأولى ويلحقها محاولات للتقرب والتعرف عليه.
فينتابه اللون الأصفر بغروره ليجد أنه يستحق كل ما بَدَر مِن مَن حوله، ويستحق السعي والمحاولات للوصول إليه، فلا يشعر بما أنتابه، ولا يشعر بأن رونقه بات يَبهتُ.

تمر الأيام ليبدأ خطواته الثانية، هُنا قد أكتسب الكثير والكثير مِن مَن أُدهشوا به، لكن أصفره لم يُزيد من رونقه هذا بل أصبح خافتًا يشبه ثمرة البرتقال باهتًا في لونها وكأنها ذهبت إلي التعفنِ بأرجلها، لينتابه اللون الرمادي في مُحاولةٍ منه أن يُرضي جميعهم، فيحاول بل ويحاول جاهداً البحث عن ما يُظهر رونقه هذا بشدة، فالرمادي جعل منه شخصاً مُسيطرأ عليهم، لكنه لا يشعر بأن الرمادي يمكن أن يجعل منه شخصاً مملاً بل ورتيباً، فأعتادوا على رونقه الذي بُهِت من الأصفر وأصبحوا يتسائلون في أنفسهم، أي رونقٍ هذا الذي ينطفئ سريعاً..أينطفأ رونق الماس؟!.

أحدهم يحاول مُبتعداً عنه والآخر مازال على إنبهارِه به، بدأ يُؤثر الرمادي عليه حتى بُهِت الرونق عن ذي قبل، ولم يكتفي الرمادي بذلك بل جعل مَنْ أقترب لإنجذابه برونقه يُحاول الآن الإبتعاد فقد خُدع وقُضي الأمر.
مرّ الوقت حتى كساه الرمادي؛ فبات وحيداً منعزلاً، فقد صَنع لنفسهِ هالة لا تدري ما هيئتها، حتى صُور لِكل مَن يراه أنه كالماس يجذب كل مَنْ أبصره.

لم يدم وقتاً طويلاً فالتعفن إذا مر وقتًا طويلاً عليه بات أسود اللون وكأن الرمادي لا يريد أن يلعب دوراً مماثلاً كالأصفر فيبهت بل ظل على هيئته وأستمر في الزيادة فما كان منه إلا أن كساه أسوداً، فهل تلوّن به لأناقتهِ وغموضه، أمْ تلون به لأن الهالة التي حوله قد أحترقت وبقي أثرها عليه، الأسود هنا حُزنٌ يتخلله، أطفئ رونقه ولم يكتفي بذلك، بل أصبح مؤشراً سلبياً على كل مَنْ يقترب منه، يمتص طاقتهم في صمتٍ وهدوء، ولا يردها بل يحتفظ بها لنفسه، أنتابه الأسود حتى غطى الزجاج كاملاً، فلا يُرى منه إلا القليل مِن غرور الأصفر والقليل القليل من مللِ الرمادي، والأسود هُنا السائدُ بِموته.

هكذا ننخدع بالزجاج حين تُرسَلُ له أشعة الشمس ،ولكن الماس يتلأﻷ في كل عينٍ حتى لو مرّت الأعوام بأصفرها ورمادِها وأسودِها، فالماسُ ماس.